قمّة «خروج سوريا» وعودة العراق إلى الحضن العربي

إنّها القمة العربية السنوية الدورية العاشرة هي التي ستعقد هذا العام في بغداد نيابة عن القمة التي كانت مقررة العام 2003 ولم تعقد بسبب القطيعة مع نظام صدام حسين والحرب عليه. واللافت ان انقلاب الأدوار جعل قمة هذا العام قمة القطيعة مع نظام الرئيس بشار الأسد وقمة عودة العراق الى الحضن العربي.

يتبادل الدبلوماسيون العرب في بيروت والعواصم العربية الأخرى، معلومات كثيرة عن الاستعدادات العراقية للقمة العربية على أكثر من مستوى وسط ايحاءات بأن العراق لا يعنيه من القمة في الشكل على الأقل سوى انه سيحتفل في 29 من الجاري بعودته الى حضن العرب ولتعود بغداد الى لائحة العواصم العربية التي اشتاقت الى الحضور العربي الواسع بعد ان نزعت عنها طوق الوجود العسكري الأميركي.

ومرد هذا الكلام المتبادل يعود الى ما تظهره الدبلوماسية العراقية من حرص على توفير اكبر حجم مطلوب من الأمن السياسي والدبلوماسي والأمن الأمني لعقد القمة في افضل الظروف التي يمكن ان تتوافر لمثل هذا الحدث في ظل الغليان العربي وما شهدته وتشهده العواصم العربية التي سبحت في بحور من الدماء من تونس واليمن الى ليبيا ومصر فسوريا في آخر لائحة الدول المرشحة لدخول مرحلة الربيع العربي.

وعليه يستعد العراقيون الى القيام بأكبر حملة امنية تشهدها البلاد وتجهد الدبلوماسية العراقية لتقول الى العرب والغرب انها خصصت 170 الف عسكري مدعومين بمختلف انواع الأسلحة البرية والجوية لحماية القمة في نطاق امني بلغ نطاقه الدائري ما يقارب 30 كيلومترا حسب التدابير التي بوشرت باتخاذها تزامنا مع اقفال المجال الجوي في العراق منذ 26 الجاري لتبقى هذه الأجواء مفتوحة امام طائرات الوفود العربية وضيوفها فقط.

تعترف الأوساط الدبلوماسية العربية في السر والعلن ان بغداد تخوض حربا دبلوماسية وسياسية قوية من اجل قمة عربية ناجحة بكل المقاييس الأمنية والسياسية والدبلوماسية، ولا ترى في وجهها ما يحول دون هذه الأهداف سوى السعي السوري غير المعلن الى اليوم من اجل تعطيلها كحد أقصى أو عرقلتها بالحد الأدنى. فبغداد تعترف ومعها كثيرون من العرب ان العاصمة السورية تسعى بكل قدراتها الى تسخيف القمة وأهدافها، والتخفيف قدر الإمكان من وهجها، وهي القمة التي ستعقد للمرة الأولى منذ أن تحوّلت قمة دورية سنوية دون حضور الرئيس السوري بشار الأسد بقرار عربي جامع لم يصدر مثيل له من قبل تجاه أي دولة عضو في الجامعة العربية. وكل ذلك يجري بعد ان كانت سوريا المطوقة والمعزولة اليوم، تحدد هويات بعض المدعوين من رؤساء الدول العربية الى مثل هذه القمة في مرحلة من المراحل كما حصل بالنسبة الى لبنان في قمتي الخرطوم وتونس عامي 2007 و2008.

لبنان يشارك بلا نقاش

على كل حال تقول المراجع الدبلوماسية العربية ان الضغوط السورية غير المرئية شملت لبنان من بين الدول التي يحتمل ان تغيب عن القمة لكن هذه الضغوط – التي لا يعترف بها أحد من الرسميين حتى الساعة – لم تؤت ثمارها. وثمة من يقول ان رئيس الجمهورية العماد سليمان قصد امس التذكير امام مجلس الوزراء مجتمعا بالقمة وموعدها ليؤكد علانية وبشكل غير مباشر عدم الرضوخ لأي إملاءات تتصل بهذا الموعد والقرار بشأن حضور لبنان او غيابه عن مثل هذه القمة. وقبل ان ينجر اللبنانيون الى جدل وحوار علني يتناول موضوع المشاركة فيها او عدمه تحت عنوان النأي بالنفس. لكن السؤال الذي لا يزال مطروحا هل ستمر القمة من دون ان يتناول انصار العاصمة السورية في لبنان والنظام فيها دون التساؤل عن اهمية المشاركة فيها او عدمها؟.

يعترف المطلعون على أجواء المناقشات التي دارت ضمن المؤسسات الرسمية بأن هذا القرار اتخذ ولا مجال للنقاش فيه، فلبنان الذي نأى بنفسه عن الملف السوري عمل ما بوسعه من أجل تنزيه نفسه عن كل ما يمكن ان يسمى تدخلا في الشأن السوري لن يقبل البحث بهذا الموضوع ولبنان الى جانب الإجماع العربي سيحضر القمة وسط توقعات متفائلة، تقول انها القمة الأكثر حضورا بين القمم التسعة التي سبقتها. وثمة من يقدر من اليوم حضور ما بين 14 الى 16 رئيس دولة او امير وملك من اصل 21 دولة عربية وهو امر لم تشهده سوى قمة بيروت العام 2002 ولم يتكرر هذا الحشد في اي قمة من القمم الأخرى. وعليه، يعترف المراقبون ان هذه القمة ستكون بحق في حال لم يطرأ ما ليس في الحسبان قمة الخروج السوري من الحضن العربي الى امد غير محدد و لتشهد على عودة العراق الى هذا الحضن بمباركة عربية شبه شاملة.   

السابق
الدول الكبرى تتعثّر في خياراتها السورية
التالي
الجميع في ورطة