إسرائيل والأسديون

ارتفعت وتيرة القتل المروّع في سوريا. وبدأ النظام يراوح في نقطة اللاعودة، مصمماً على مجابهة الشعب والأمة والمجتمع الدولي، فيما أبواقه تنكر الوقائع المسموعة المرئية بالصوت والصورة، كأن مشاهد الجثث المرصوصة، من ضحايا الآلة العسكرية والشبيحة والقتلة المستجلبين من إيران وسواها؛ هي مجرد ديكورات مصطنعة في ستوديو “العصابات”. وتبدى الرقص على جثث الضحايا في صورة مرسوم رئاسي يتعلق بانتخابات عامة تُجرى في آيار (مايو) الماضي. فكلما استحكمت حلقة من الضغوط، حول النظام الفاسد المستبد الغارق في دم شعبه، يكون ثمة طوق نجاة افتراضي، يتوهمه الفتية الآثمون الحاكمون في دمشق. فبعد نحو شهر من اندلاع ثورة الحرية، تعمد بشار الأسد أن يجعل القتل متزامناً مع ثرثرات عن توجهات إصلاحية، وكان في تلك الثرثرة، يتوخى إرضاء الأتراك، ولما رآهم غير مقتنعين، زاد على مزاعمه زعماً برفع حال الطوارئ، أي عودة البلاد الى وضعية قانونية تمنع الانفلات الأمني وتكرّس العدالة. في ذات الوقت، تواصلت وقائع سفك الدماء، الأمر الذي جعل الأتراك يخلعون تماماً من أي شكل من العلاقة الرسمية مع النظام. ومع تزايد حرج الروس، فيما هم مقبلون على انتخابات رئاسية، توهم الأسديون أنهم سيرفعون الحرج عن روسيا، وسيمدونها بعناصر سجال معقولة، إن أعلنوا عن موعد استفتاء على دستور جديد. وجرى الإخراج الفاضح في رائحته وشكله وفحواه، لعملية استفتاء كاريكاتورية، على دستور لإرضاء روسيا وللمحافظة على دعمها. ولم تكن روسيا ـ للأسف ـ معنية بتمحيص الدستور المزعوم، الذي تضمن “تعديلات” أبعد ما تكون عن المساس بوضعية الهيمنة العائلية الأسدية على البلاد. فالرئاسة في الدستور تكون لولايتين، لكن هاتين الولايتين، لا تُحتسبان بدءاً من يوم توريث بشار، ولا يتاح لمن أفلت من البطش وغادر سوريا، وظل في الغربة لأكثر من عشر سنوات، أن يترشح لانتخابات الرئاسة!

الآن بسبب افتضاح أمر المجازر المروّعة، وبدء التحرك على خط موازٍ للثورة، وهو خط الملاحقة والمحاسبة الجنائية الدولية؛ راح الأسديون يعلنون عن انتخابات نيابية قريبة. والهدف من هكذا إعلان، هو مد الداعمين للنظام بعناصر للكلام الشائن، الذي يتجاهل المذابح ويشارك بشكل غير مباشر، في الجرائم المقترفة بحق شعبنا العربي السوري.
الأميركيون يتآمرون بطريقتهم، على السوريين، وكذلك الإسرائيليون، وسيعرف الجاهلون آجلاً أم عاجلاً، أن هذا النظام الكذوب السفاح، كان عميلاً “ثميناً” للمشروع الصهيوني، وما الرغي الفارغ عن الممانعة والتصدي، إلا الأسلوب المعتمد الذي ارتضاه الطرفان الأسدي والإسرائيلي، وهو أسلوب لا يضاهي صيغة الوقائع الصاخبة، في أفلام الأبيض والأسود المصرية القديمة، عندما يتبدى محمود المليجي عدواً لدوداً لفريد شوقي، بينما الرجلان صديقان في الواقع. نقطة النقص في صيغة العلاقة بين إسرائيل والأسديين، أن هذين الصديقين، لا يمارسان الشجار حتى في اللقطات المصورة في الاستوديو!
سيل الدم بلغ الزُبى. وهذه الزُبى، هي الحواف الرملية من حول المجرى. دم السوريين يطفح بتدفقاته عن مجراه ومن فوق الزُبى، ومن شأنه إغراق المحيط. وحدها إسرائيل التي تطرب لقعقعة سلاح الأسديين، الذي دفع السوريون أثمانه للروس، من خبزهم!

السابق
قبة الأوهام
التالي
حوري: قوى 14 آذار لا تزال تناضل لاستكمال العبور الى الدولة ونحن منحازون الى الشعب السوري في وجه الجريمة التي ترتكب في حقهم