تجمع لبنان المدني: نادٍ سياسي بثقل شيعي

لم يظهر «تجمع لبنان المدني»، هكذا، من عدم. في الحراك السياسي اللبناني ما يسمح في العادة «بتشكيلات» من خارج المكرّسين، تقوم على أسماء ليست بالضرورة من تلك التي شغلت او تشغل مقاعد وزارية أو نيابية. هذا سياق عام يتطور أصلاً، مع تطور طرق عمل سياسي لم يعد حكراً على «الحزب» أو «العائلة» أو خلافه من المُعتاد اللبناني.

وفي البيان التأسيسي الذي أعلن به «تجمع لبنان المدني» انطلاقته قبل أشهر، ما يشير إلى اختلاف الصورة عند «التجمع» الذي يبدأ عمله مبتعداً عن الأطراف اللبنانية كافة، وذاهباً إلى أصل المشكلة اللبنانية، محاولاً طرح النقاش حولها.
وهو بيان بلغةٍ متينة وصياغة متمكنة، يفتتح الكلام من «الربيع العربي وانتفاضات الشعوب من أجل الحرية والكرامة الإنسانية» للقول إن «لبنان يعاني اليوم أزمة شاملة غير مسبوقة، وإن دولة القانون تحولت إلى دولة محاصصة يتقاسم فيها القليل من الأفراد ثروة الوطن المادية والمعنوية».

ويستمر البيان في شبه حوار فكري نظري، مترفعاً عن المباشرة في الخطاب، كما عن تسمية الأطراف بأسمائها، ومناقشاً فكرته حول الدولة المأمولة، «كيان الشعب وحافظة استقراره والمؤتمنة على ارض الوطن والناظمة للحياة الاقتصادية والسياسية فيه، والتي لا تعطى لنا منة ولا يبنيها لنا أحد، وعلى القوى السياسية جميعا المشاركة في صنعها والامتناع عن القيام بما يتعارض معها كالجزر الأمنية و«الغيتوات» الطائفية والمناطق المغلقة. وهي الدولة المدنية الديموقراطية، السيدة على حدودها وداخل حدودها (…)».
على هذا المنوال الوردي، يتابع البيان خطابه المؤسس، ولا يملك أي طرف لبناني أن يجد فيه ما يثير حساسيته، وليس فيه بالطبع ما يدعوه إلى رفضه.
وهو لا يشير إلى شخصية «التجمع» الذي لا تحيل مدنية اسمه إلى اعتباره منظمة أخرى غير حكومية، فهو يقع في صلب العمل السياسي. يمكن رؤية الشخصية الخاصة به في هيئته التأسيسية. هذه تضم مجموعة من ناشطين سياسيين، إذا كان لا يمكن وصفهم جميعاً بأنهم من مناصري قوى «14 آذار»، فعلى الأقل يمكن الاتفاق على أنهم على خصومة مع قوى «8 آذار»، أو، بشكل أدق، على خصومة مع الثنائي الشيعي الحاكم بأمر الطائفة الشيعية، «حزب الله» وحركة «أمل».
لا ينفي لقمان سليم مدير جمعية «أمم» وعضو الهيئة التأسيسية، الثقل الشيعي لـ«التجمع»، بل يؤكده. يسميه «نادياً سياسيا عموده الفقري مجموعة من الناشطين الشيعة ومن آخرين متنبهين إلى أولية الشأن الشيعي على جدول الأعمال اللبناني». يقول إن «شيعية» المشاركين فيه متفاوتة. منهم التوّابون الذين راهنوا على المؤسسة الحريرية وخسروا الرهان. ومنهم من لا مشكلة لديهم بأن يقولوا بشيعيتهم، وإنهم يصرون على الحفاظ على مكتسبات الطائفة وهم غير مستعدين للتنازل عنها، ومنهم أيضاً الشيعة «العذريون»، الذين لا يستسيغون التسمية المذهبية».

إضافة إلى ذلك، يبدو كأن «التجمع» شكّل مساحة التقاء المتضررين من صعود «الثنائي الشيعي». يقول سليم إن «بعض أعضاء الهيئة التأسيسية ابناء العائلات التقلــيدية وبعضهم الآخر آت من سنوات النضال، وهؤلاء يشــعرون أنهم أُكلوا مرتين، مرة عندما أُخذ نضالهم منهم، وفي المرة الثانية عندما اعتبروا ليسوا أهلاً لأن يكافأوا على نضالهم».
هم، في معظمهم، من «الشيعة الآخرين». هؤلاء الذين يبحرون فرادى في البحيرة السياسية اللبنانية التي تتلاطم التيارات فيها منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. يتجمع بعضهم أحياناً وسرعان ما تنفرط عقودهم. يقول أحد المؤسسين إن «أحداً لم يسئ او يعوّق ظهور تيار عقلاني لدى الشيعة كما عوّقت المؤسسة الحريرية. فمشكلتها أنها تشكل الغواية التي تمنع الناس من الاستمرار في أي مشوار. وقد حاولت وضع يدها على مجموعة من التحركات الطبيعية الناتجة عن حراك الناس ومداولاتهم. وهذا مرده إلى قصور نظرها في السياسة وجهلها العميق والمدقع في الشأن اللبناني، كما احتقارها الشديد للدور الشيعي هي التي ما زالت تطمح دائما لشيعة على «جدول الرواتب»، لتناكف بهم «حزب الله». لكنها غير مقتنعة بآخر شيعي».
«التجمع» ليس في طريقه إلى أن يكون تنظيماً، ولا يطرح نفسه بالطبع ثالث الثنائية الشيعية. وكما حافظ على وردية بيانه التأسيسي، الذي بحث عن المشترك بين المؤسسين، فبياناته تحافظ على اللون الهادئ نفسه في مقاربتها لكل الشؤون الداخلية، حيث يبدو واضحاً أن التجمع لا يريد ان يكون صدامياً مع أحد في الداخل، مع الاعلان الحاسم بالعداء للنظام السوري.

«لا بد من التبشير»، يقول عضو الهيئة التأسيسية المحامي مالك مروة، ردّاً على السؤال حول النسبة الزائدة من اللطف في لغة البيان. يقول إن «دور التجمع هو في العمل في نطاق دفع الدولة والسياسة الى المواطنة والقانون.. وفي سعيك إلى دولة القانون والمؤسسات هذه، فأنت بحاجة إلى دور تبشيري».
هو يرى أن الانجاز الاول لـ«التجمع» كان نجاحه في سحب صبغة الرابع عشر من آذار عنه، لأن «هاجسنا هو ربط اللبنانيين ببعضهم. ونحن منفتحون على كل من يشبهنا. نطمح إلى ان نكون صوتاً لكثر على امتداد لبنان ممن أصواتهم غير ظاهرة. وهؤلاء المستقبل لهم. ونحن صوت عقلاني يحاكي الحداثة»، يقول مروة.
والصوت ما زال في أوّله، بلا سلطة هرمية، كما لا نية لتحويله إلى حزب. هو يجرّب في السياسة اللبنانية. «نادٍ سياسي» لم يحدد علو سقفه بعد، كما لم يحدد نسبة اللون الوردي في بياناته. وربما ينبغي عليه أن يحسم أمره من هذه النقطة بالتحديد. فبأي حال، ليس معروفاً عن السياسة في لبنان ولعها بالورود.

السابق
وقفة تضامنية مع الاعتداءات المتنقلة من صيدا الى جزين
التالي
لبنان والتسويات