حريَّة الفن والإبداع في مصر على كف عفريت

أثارت الدعاوى الَّتي رفعت ضد عددٍ من الفنانين المصريين وصنَّاع الدراما، خاصة تلك المقدَّمة ضد الممثل عادل إمام، خوفاً في النفوس من عودة سياسة تكميم الأفواه والقضاء على حرية التَّعبير والرأي المؤمَّل بالحصول عليها منذ إندلاع الثورة. فثمة حالة من الخوف والقلق تسود العاملين في الحقل الفني في مصر بعد صدور الحكم الغيابي بالسجن والغرامة في حق الفنان عادل إمام بتهمة ازدراء الأديان في أعمال فنية كان قدمها قبل نحو عشر سنوات، واعتبر الأمر في نظر البعض نوعاً من الإنذار المغلّف ليس لشخص عادل إمام، بقدر ما هو نوع من الحجر على حرية الفن والإبداع المستوحاة من حرية التعبير والكلمة التي لأجلها تأججت الثورات العربية.

لم تكن قضية إمام هي القضية الوحيدة التي تأججت بعيد الثورة، بل القضية الأولى التي فتحت الباب عل مصراعيه أمام سلسلة من القضايا، إذ تبعتها عدة إنذارات وجهت إلى عدد من المبدعين والكتاب والفنانين بتهم مختلفة بينهم محمد فاضل والكتّاب لينين الرملي ووحيد حامد ويوسف معاطي، والمخرج خالد يوسف، وأخيرًا الممثلتان غادة عبد الرازق وسمية الخشاب بتهمة إشاعة الفساد. وكانت الأفلام التي أنجزها هؤلاء رأس الحربة في توجيه الإتهام إليهم في عهد النظام السابق، وتعرضت لمقص الرقيب الذي لم يكن يتوانى عن قص كل ما هو مخالف، بل تم في وجود التيارات الدينية وكان بعضها في مجلس الشعب.
كانت الأحكام الأخيرة صادمة للجميع في ظل الثورة التي راهن البعض عليها كثيرًا كبداية للتغيير والإنفتاح على الديمقراطية وأهم أركانها حرية التعبير والكلمة وتقبّل الرأي الآخر، واعتبر ما حدث أنه يشكل خطورة على مستقبل الفن والإبداع في ظل صعود التيارات الإسلامية، وتراجعًا للديمقراطية التي لا تزال مطلبًا رئيسيًا للشعوب العربية، واعتبره البعض الآخر مجرّد بداية لتكبيل الحريات وفرض سياسة كمّ الأفواه من خلال تخويف الفنانين وتكفيرهم لكي يتسنى لهم الخضوع.
نادر بكار: ما يحدث عيّنة من "الديمقراطية"!
رأى نادر بكار، المتحدث الرسمي في "حزب النور" السلفي أن وجود دعاوى ضد بعض الفنانين لا تعني بالضرورة تكفير الفن وتحريمه، فلا يمكن تصور نهضة في بلد متقدم كمصر من دون وجود فن راق يسمو بالروح ويعبر عن المجتمع وثقافته وتراثه ويساعد في تطور المجتمع ويتفق مع العادات والتقاليد وغير مبتذل، لا أن يخاطب الغرائز ويخرج أسوأ ما في المجتمع ما يساهم في تشويهه أمام المجتعات الأخرى"، فالمشكلة من وجهة نظره "تكمن في ما يقدم إلى الناس من سموم على أنها فن ممتهن، لذا عليهم تحمل مسؤولية ما يقدمون" بحسب تعبيره، مبرراً الدعاوى المرفوعة من بعض المحامين، علماً أن حزبه ليس طرفًا فيها، بأن الفن وسيلة والغاية منه هي الإصلاح، فالفنان يستخدم الفن لإصلاح الفساد. يقول: "بعض الأفلام لا يحضّ على الإصلاح بل على الفساد، فهي تنقل المشكلة وتعرضها بشكل يبررها ولا يحلها أو يهدف إلى إصلاحها، فهناك من يعرض الفساد وهناك من يبرره وفي الحالتين النتيجة واحدة، فساد المجتمع".

يؤكد بكار أن النظام السابق هو من أعطى دفعاً لهذه النوعية من الأفلام المفسدة للذوق العام عبر غضّ الطرف عنها لإلهاء الناس، ولم يكن في قدرة الإسلاميين التصدي لذلك آنذاك، معتبرًا أن ما يحصل اليوم ما هو إلا عينة من "الديمقراطية" واحتكام إلى الشريعة الإسلامية، فمن حق أي إنسان أن يقول أن الفيلم مسه في دينه وعقيدته ويحتكم إلى القضاء، والقضاء يفصل. يضيف: "الديمقراطية مقبولة إذا كانت مقيدة بالشريعة الإسلامية، كما أننا نعبر عن 75٪ من الشعب المصري الذي لا يرتضي ما يقدم في هذه الأفلام، لذا على الفنانين أن يبحثوا عن مواضيع تساهم في بناء المجتمع والتوعية وليس اختراع مواضيع هادمة وغير حقيقية".

كانت محكمة جنح الهرم المصرية حكمت استناداً إلى الدعوى مرفوعة من المحامي السلفي عسران منصور أوائل شباط الفائت عادل إمام غيابيًا بالحبس ثلاثة أشهر وتغريمه مبلغ ألف جنيه بتهمة "ازدراء الدين الإسلامي والسخرية من الجلباب واللحية والاستخفاف بالإسلام وتسفيه تعاليمه"، في عدد من أعماله الفنية مثل أفلام "حسن و مرقص" و"الإرهابي" و"مرجان آحمد مرجان" ومسرحية "الزعيم"، و فور إعلان الحكم قدم عادل إمام طعنًا في الحكم وينتظر الرد في نيسان المقبل.
محمد صبحي: الفن سلاح شرس لا يمكن كسره
من ناحيته، اعتبر الممثل والمسرحيّ محمد صبحي أن قضية عادل إمام مرفوضة وتشكل اعتداءً على حرية التعبير والإبداع، مؤكدًا أن ما يحصل استثنائيّ من بعض الأشخاص المتطرفين من التيار الإسلامي ولا يمكن اعتباره من الأشخاص الممثلين لهذه التيارات، معتقدًا أنه اجراء فاشل بحد ذاته لكونه حكمًا بأثر رجعي، فالأفلام قديمة وبعضها تعدى عمره السنوات العشرة ورغم تقليله من شأن ما حصل، يؤكد على أن مجرد حصوله في هذا الوقت أمر يدعو إلى القلق، إذ يخلق تساؤلات لدى البعض حول مستقبل حرية التعبير والإبداع في الفن في مصر.

يؤكد صبحي أنه مع الفن الهادف النبيل الملتزم بالقيم الأخلاقية والتقاليد وسقف بلا حدود للفكر والإبداع، قائلاً: "لا أستطيع أن أقدم فنًا يهدم عقول أمة، وأنا مع الالتزام بالقيم والأخلاق، وهذا موجود في كل الشخوص والأدوار التي أؤديها كفنان، متمنيًا أن يكون هنالك التزام من جميع الفنانين في ما يقومون به من أعمال تعرض على الشاشات وتساهم في رقي المجتمع لا في اضمحلاله، لا بداعي الخوف من محاسبة الأخرين بقدر ما هو وازع من ضميرهم الإنساني. وحتى اللحظة يرى صبحي المشهد ضبابياً حول مستقبل الفن، في ظل صعود التيارات الإسلامية إلى السلطة، يقول: "الصورة لم تكتمل بعد في ظل الثورة الموجودة، فلا مؤشرات لشيء لأن الحوادث والمتغيرات سريعة ومذهلة ومتناقضة"، معتبراً أن الفن سلاح قوي وشرس لا يمكن كسره إذ يعبر عن المجتمع.

يذكر أنه عقب إعلان الحكم القضائي الصادر في حق عادل إمام، تعاقبت الدعاوى المرفوعة ضدد عدد من الفنانين، إذ واجه عدد من الفنانين والعاملين في الحقل الفني خطر الملاحقة القضائية بتهم مختلفة، بينهم المخرج محمد فاضل، السيناريست يوسف معاطي، الكاتب وحيد حامد، المخرج خالد يوسف، الممثلة غادة عبد الرازق، والممثلة سمية الخشاب، ما آثار المخاوف في القطاع الفني المصري فن أن يكون ذلك مؤشرًا على بداية حقبة جديدة من ممارسة قمع الحريات وتشديد الرقابة على الأعمال وعدم توافر حرية في التعبير والكلمة التي تشكل عمود الديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي كانت من أهم مطالب الثوار.

جاء الحكم الصادر في عادل إمام وما تلاه من دعاوى صادرة في حق الفنانين بعده صادمًا للوسط الفني والأدبي، خاصة أنه صدر بعد إصدار شيخ الأزهر الشيح أحمد الطيب الشهر الفائت وثيقة للحريات العامة تضمنت بندًا خاصًا بحرية الإبداع، أكدت فيه أن القاعدة الأساسية التي تحكمه هي قابلية المجتمع من ناحية، وقدرته على استيعاب عناصر التراث والتجديد في الإبداع الأدبي والفني من ناحية أخرى، كما أكدت على عدم التعرّض لكل أشكال الفنون ما لم تمس المشاعر الدينية والقيم الأخلاقية المستقرة، وأن الإبداعين الفني والأدبي يظلان من أهم مظاهر ازدهار الحريات الأساسية وأشدها فاعلية في تحريك وعي المجتمع وإثراء وجدانه.

حافظ أبو سعده: حق التعبير مكفول من الدستور
في ظل ما يحصل، تضامنت منظمات المجتمع المدني مع الفنانين وخرجت في مسيرات مناهضة لتلك القرارات، مطالبة الجميع باحترام حرية التعبير وتطبيق الديمقراطية.
السيد حافظ أبو سعده، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، يرى أن ما يحصل هو عودة مرة أخرى إلى سياسة كمّ الأفواه التي كانت تتم تحت تسمية "قضايا الحسبة" في عهد النظام السابق، معتبرًا أن الأحكام الصادرة في حق الفنانين خاطئة ولا يجوز قبول الدعوى، فمن الناحية القانونية لا يجوز رفع دعوى إلا من خلال النائب العام، وكونها لم ترفع من خلاله لا يجوز القبول بها.
يشير أبو سعده إلـى أن جميع القضايا المرفوعة هي انتهاك لحق الإنسان في التعبير عن رأيه وقد كفله له الدستور، محذرًا من عدم وجود تغيير في السياسات القديمة فالضغوط لا تزال تمارس على المنظمات الأهلية وحقوق الإنسان، ونحن نتفاعل في قضايا كثيرة كقضية عادل إمام وساويرس، وغيره من القضايا التي تخص حرية التعبير وقضايا المرأة، ويعيد ذلك إلى الوضع الحالي والتخبط الذي يعانيه المجتمع بسبب عدم وضوح الرؤيا، فلم تكتمل آليات الدولة الحديثة حتى الآن ولم يتم وضع الدستور الجديد للبلاد.

محمد الخشاب: مستقبل الإبداع غامض
يرى محمد الخشاب، مدير شركة "ريتش ميديا" وقنوات "إي آر تي" في الساحل الشمالي في أميركا الشمالية أن القضايا المرفوعة في حق بعض العاملين في الحقل الفني، خاصة بعد صدور قرار المحكمة الغيابي في حق الفنان عادل إمام، ينذر بمزيد من التضييق على الحريات وبالأخص حرية التعبير عن الرأي والديمقراطية، وهي أشياء لا تتناسب وما قامت لأجله. ويعرب عن أسفه في الحكم الغيابي الصادر في حق الفنان عادل إمام، معتبرًا أنه ليس أكثر من تصفية حسابات وشهرة، فهذه الأعمال عندما عرضت حققت نجاحًا جماهريًا في زمنها ومرت علـى الجهاز الرقابي المتمثل في الرقابة على المصنفات وكانت تمنع الأعمال التي تسيء للأديان. ويعتقد الخشاب أن القرارت التي ستصدر لا بد من أن تؤثر في صناع الأفلام في مصر، لناحية المواضيع المطروحة أولاً، فالمواضيع التي كانت في الحقبة السابقة في عهد النظام السابق ربما لا تتناسب والوضع الحالي، ما يعني سلفًا اختيار مواضيع مختلفة، فيما يخشى على حرية الفن والإبداع في ظل المرحلة المقبلة، خاصة بعد صدور النتائج في الطعن الموجه في قضية عادل إمام، جازمًا بأن الوضع الحالي غير متضّح المعالم، لكنه بالتأكيد سيتضح مع الوقت.

السابق
مؤتمر الأونيسكو في صيدا يركّز على الفقر والمخدّرات
التالي
ببغاء نادر.. لا يستطيع الطيران