الرافضون خوفاً وطمعاً

المتمسكون بانقسام الكيان الفلسطيني، ما زالوا يفرضون منطقهم على أرض الواقع. ومثلما انقلبوا على شرعية الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، التي هيأت لهم عملية انتخابية شفافة لم يلبوا شروطها السياسية اصلاً؛ فإنهم يمارسون الآن انقلاباً متدحرجاً، على شرعية «حماس» نفسها وعلى الرؤية الصائبة لرئيس المكتب السياسي خالد مشعل. ويفعل هؤلاء هذا الجُرم الشائن، خوفاً من المجتمع وطمعاً في مال السُحت. لكن أمرهم في هذه المرة عسير وفائح وفاضح، وليس في مقدورهم تطيير الاتهامات عن دايتون الذي يطارد «المقاومة» بفلسطينيين «عملاء». فأهالي المناطق الحدودية في غزة، يرون بأمهات عيونهم، كيف تقف عربات مسلحي «حماس» قبالة العربات الإسرائيلية، وبينهما مسافات قصيرة، في عملية تشارك من نوع التعاقد الضمني على منع النشاطات المسلحة. أما أهالي كل قطاع غزة، فإنهم في الواقع يسخرون من استطلاعات الرأي حتى عندما تقول إن 90% من الناس، عافت حكم «حماس» وباتت تكره حياتها من جراء أفاعيلهم وفجورهم وهجومهم على الماء والمال والخُضرة والوجه الحسن، لأن النسبة التي يعيشون في كنفها، لا تقل عن مئة بالمئة. ولم تعد تُجدي مبادرات حمساويين بالتقرب من الناس والترفق بها. فإن أردت أن تتضاحك مع شخص عابس متجهم، قادم من غزة، فابدأ معه بالسؤال: ما هي أخبار الإخوة الحمساويين الحاكمين عندكم، وإن شاء الله يكونون وُفقوا في «التغيير والإصلاح»؟ ينفجر العابس بالضحك، ويتدفق بالكلام، وتكون أولى التوصيفات، متعلقة بالدين وبالتقوى المفقودتين.

الرئيس محمود عباس مد لهم طوق النجاة. لكن الأغبياء ممن لا يعرفون الحد الأدنى من عناصر الانفجار الاجتماعي المحتم، يستأنسون بوضعية السيطرة الراهنة، وكأنها سيطرة تفوقت على ما حققه المرحوم معمر القذافي لنفسه، وهو الذي لم يشتغل على شىء ذي فاعلية مثلما اشتغل على كتائبه وقواته وأولاده. ويقول لك أي قادم من غزة، إن نسبة المتطيرين من الحكم الحمساوي بدأت تتوسع داخل بُنية «حماس» نفسها، فإن كنت لا تجد مواطناً واحداً من عامة الناس، يتحدث بالخير أو حتى بالتبرير لصالح ذلك الحكم؛ فمن الطبيعي أن يتأثر بسطاء الحمساويين بمجتمعهم، لأنهم من أبنائنا ومن الناس.

كذلك يستأنس رئيس حكومة «حماس» في غزة، بهتافات الأبعدين، الذين ما زالوا يظنون أن «الجماعة» تصل الليل بالنهار، وتنام على الطوى، في «جهاد» لا يتثاءب. فهؤلاء، من الأبعدين، الذين يهتفون وكأن هنية قادم من الأدغال في استراحة محارب شرس، لا يرسمون الحقيقة بثرثراتهم، ولا يمنعون انفجار الحقائق كلها ذات يوم. فقد قرأت لأحد الدراويش المصريين الذين يزورون غزة، وصفاً لمجلس أحد متزعمي الرفض خوفاً وطمعا؛ لم يحظ بمثله أي خليفة من الراشدين في صدر الإسلام، وقد اختتم الدرويش وصفه بعبارة: عندئذٍ تذكرت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه!

الرافضون خوفاً وطمعاً، يدفعون الآن في اتجاه وصل مصر بقطاع غزة، على النحو الذي يمنح الاحتلال ذريعة الفصل التام بين قطاع غزة والضفة. وبعض حكومة السلطة في رام الله، تراوده نوايا مشابهة بأساليب أخرى وبمنطق ملفق، يستخدم مفردات الصرف المالي والعبء على الموازنة. الطرفان يعملان ضد وحدة الكيانية الوطنية، والمواويل المسكوت عنها صراحة، والتي تتخذ تعبيراتها شكل المماحكات الإجرائية والمالية؛ كثيرة وعفنة وذيلية، تريد إحالة مشروع الاستقلال الوطني، الى الآخرين في جوار عربي تكفيه مشكلاته. الحمساويون الرافضون خوفاً وطمعاً، يستغلون معاناة الناس المعيشية، لكي يفتحوا كلياً على مصر ويقطعون مع الضفة. وذوو المواويل في الضفة، يستغلون تعثر المصالحة وعناد أولئك الرافضين في غزة، لكي يسدوا شبّاك الريح ويستريحون. وفي لغة هؤلاء، تراهم يتمسكون بالحديث عن 65% من موازنة السلطة تذهب الى غزة، بينما واقع النسبة هو من 19 الى 21% وهذه أيضاً حصة ترهقهم، طالما أنها تتعلق بالصرف على منطقة لا يريدونها. وتكمن محنتنا في هاتين المجموعتين، وإن كانت المجموعة الحمساوية، هي صاحبة الترتيب الثاني في أسباب المصيبة، على اعتبار أن الاحتلال هو السبب الأول!

عندما نقول إن الحمساويين يرفضون خوفاً وطمعاً، فإن الخوف تحديداً، يتعلق بالتحسب الكابوسي، لمخاطر الانفراج الوطني. هم يعرفون أن صيغة ما يُسمى بـ «المصالحة المجتمعية» ليست كافية لشطب العادات والتقاليد الموروثة، كالثأر العائلي وأخذ الحق كاملاً ممن قتل وأهان وسَلب، بشكل شخصي ودونما اعتبار بالتشكيل أو بالحزب. لذا فإن صيغة «المصالحة المجتمعية» تتطلب التوسع في التفصيلات والنظر في كل حالة على حدة ومواجهة الحقائق بشجاعة وصراحة، لتسوية المسائل تماماً، وإن استعصت بعض الحالات تؤخذ حيالها تدابير احترازية، لأن موضوع الثأر بغيض، وإن كان القتل أشد بغضاً، خاصة عندما كان يطال وطنيين وشرفاء. فالجواسيس الذين قتلوا في الانتفاضة الأولى، كان هناك من تراوده نفسه، عائلياً، على الثأر لهم، وإن لم يكن هناك من يحرص على استرضاء عائلاتهم، فإن الأمر يختلف بالنسبة للوطنيين الذين قتلوا!

الخائفون من المصالحة، يرون النجاة من خلال الاستمرار في الضغط الزمبركي على المجتمع، ولأن هؤلاء متخلفون وعديمو دراية بالتاريخ، يظنون أن هكذا ضغط، يمكن أن يستمر الى الأبد. هم لا يعرفون ظاهرة «تعب المعادن» ولا يتوقعون انكسار الزمبرك!
حركة «فتح» العريقة المتسامية، مدت طوق النجاة الوحيد. لكن الرافضين خوفاً وطمعاً، لا يطمئنون على الرغم من أن صيغة المصالحة، من شأنها إبقاء تواجدهم مسلحين مؤثرين أو قادرين على حماية أنفسهم، على النحو الذي ينتقص من عناصر أساسية تضمن قيام الكيانية الموحدة والمهابة!

السابق
مفاجأة تؤكد وجود مصاصي دماء بالعراق
التالي
الاسيرة الشلبي تواصل الاضراب عن الطعام رغم قرار تخفيض حكمها الاداري