من إسرائيل إلى البعث 

يُروى أن الرئيس بشير الجميل كان يقول إنه قد ينجح في توحيد لبنان، لكنه سيعجز دون شك عن توحيد إقليم الكتائب في كسروان. كتائب في كسروان؟ يقول من عاصر تجربة الجمع بين «الله والعائلة والوطن» في حزب واحد إن بشير حرص ـــــ قبل سمير جعجع بنحو عشرين عاماً ـــــ على جعل كل كتائبيّ قواتيّاً، فنجح في غالبية المناطق باستثناء المتن، وبعض الأحياء الأخرى التي كان مقاتلوها الكتائبيون على تواصل مباشر مع الكتائبيّ أمين الجميل. وفي الروايات الكتائبية أن أمين كان أقرب إلى الجبهات، ولا سيما الدوار وترشيش وتل الزعتر من بشير، الأمر الذي مكّن الرابط بينه وبين بعض الكتائبيين من الصمود رغم إعصار بشير الأمس، وسمير اليوم.

كل الإحصائيات تقود إلى نتيجة واحدة: القوات باتوا في كسروان ثلاثة أضعاف الكتائب. لم يعد صدى صوت خطيب الكتائب لويس أبو شرف يلعلع في جونية: لم تعد «سيدة حريصا تبكي لبكاء الشيخ بيار»، ولا هي «تضحك لضحكته» أو «تبرم لتحمي جونية من التنين الآتي من البحر» (وكان يقصد به الرئيس فؤاد شهاب). تجدون هنا عند مدخل كسروان لناحية نهر الكلب صخرة، حفر الكتائبيون اسمهم عليها. تجدون نصباً هنا وآخر هناك لشهداء تتنازع القوات والكتائب انتماءهم. تجدون «الكتائب اللبنانية» طويلة وعريضة على الطريق البحري تحت الكازينو. تجدون بيت كتائب مرتباً وكبيراً في صربا، وآخر في حارة صخر، وبيتاً كتائبياً في كل بلدة تقريباً، لكنها فارغة: أصحابها نازحون أو مهجّرون أو مهاجرون. للمتن الشمالي ينظم حزب الكتائب سنوياً دورات 400 وليخة، ولكسروان باصرة (لا تحتاج إلى أكثر من لاعبين). حين يقرر الحزب بقيادة النائب سامي أمين الجميل تنظيم نشاط حزبي هنا لا يبتكر أهم من «تكريم قدامى الكتائبيين»: سامي يكرّمهم، فيما جعجع يسقيهم إذا عطشوا، ويطعمهم إذا جاعوا، ويطبّبهم إذا مرضوا. في الصندوق الانتخابي لا مكان للأساطير، فليس للكتائب، الذي يدعي التعبير عن «ثوابت الموارنة» و«نبض المجتمع المسيحي»، موطئ قدم انتخابية في «قلعة الموارنة».

هذا الحزب ورغم ذلك يعجز عن التوحد. قائد حزب الكتائب في كسروان أو مسؤوله الأول يدعى سامي خويري: أول كتائبي أرسله بشير الجميل مع فؤاد روكز يومها عبر البحر إلى اسرائيل، بعثي سابق. فحين بحث النائب سامي الجميل ـــــ الذي رفض في يوم من الأيام التسليم على رئيس حزبه كريم بقرادوني لأنه «عميل للسوريين» ـــــ لم يجد في كسروان غير خويري، الذي انتقل من قيادة وحدات 75 خلال الحرب إلى قيادة طلائع البعث بعدها، فخالف الإجماع المسيحي المنقطع النظير عام 1992 على مقاطعة الانتخابات النيابية، وترشح قبل أن تُبطل الانتخابات لا لشيء إلا لعدم توافر خمسة مرشحين في كسروان. وبين الانتخابات الملغاة والانتخابات المقبولة، تتذكر كسروان تنظيم الخويري مهرجاناً لحزب البعث العربي الاشتراكي في اللاسيتيه جونية، بعد عجزه عن إحيائه في ملعب فؤاد شهاب. ولاحقاً دار خويري في فلك إيلي حبيقة، قبل أن ينصح الأخير بقرادوني بضمه إلى الحزب الموالي لسوريا المنوي استنهاضه. وهكذا كان إلى أن أبعده كريم. لسامي (الجميل)، سامي خويري. لا بدّ في المقابل أن يكون لأمين ـــــ والد سامي ـــــ من يخصه. سجعان القزي لأمين. لسامي سامي، طالما يهوى البطولات العسكرية والمغامرات الأمنية خلف البحر، ولأمين سجعان طالما يهوى السجع والتقريظ. سامي مرشح للانتخابات وسجعان كذلك، حتى لو خسر الانتخابات في بلدته في ظل اتهام بعض الكتائبيين له بالكسل الحزبي كسروانياً. ولا ينتهي المرشحون هنا. «أنا كتائبي كسروانيّ إذاً أنا أحق بالترشح من غيري». الوزير السابق سليم الصايغ اكتشف أخيراً كسروانيته، ويعدّه كثيرون في خانة المرشحين للانتخابات، بينما يقدم شاكر سلامة نفسه كالمرشح الكتائبي المنفرد، الذي نال قبل الانسحاب السوري عام ألفين أكثر بكثير مما يحلم الحزب بأخذه اليوم، فسقط على نحو ثلاثة آلاف صوت فقط. مع العلم أن نفوذ سلامة يتركز على نحو أساسي في منطقة جعيتا، التي هي بلدة الوزير السابق زياد بارود. وبين مشاريع المرشحين هناك أيضاً مسعود طراد، رغم إظهار انتخابات بلدة زوق مصبح أنه ناخب بلدية على الأكثر. وفي ظل سعي كل مرشح مفترض بينه وبين نفسه إلى تعزيز حظوظه كمرشح، ينهمك هؤلاء في وضع العصي في دواليب بعضهم البعض، فتتوقف عجلة حزبهم بالكامل.
في النتيجة، مسيحياً، ثمة إصرار على القول إن كسروان هي أساس كل زعامة مارونية. وفي «مارونستان»، الكتائب خارج السباق.  

السابق
الاخبار: الأسير مستمر في تحركه والأمــن يقسم ساحة الشهداء
التالي
مخاوف أمنية ترافق اعتصام الامس… والاسير مستمر في تحركه