ركود اقتصادي غير مسبوق في أسواق حاصبيا والعرقوب

«قريباً.. أسماء المتخلفين عن الدفع»، عبارة مقتضبة تشبه الإنذار، رفعها تاجر الألبسة الشيخ علي ذياب مرغماً، على واجهة محله التجاري في حاصبيا، علّها تلفت العشرات من زبائنه الذين تخلفوا عن دفع ديونهم المتراكمة، لأعوام عدة متتالية، وتحثهم على تسديد حساباتهم المزمنة.
تعكس اللافتة الركود الاقتصادي والوضع المعيشي الصعب، الذي وصل اليه المجتمع الحاصباني، وسط ارتفاع نسبتي البطالة والفقر، اللذين يزيد من تفاقمهما وتعقيدهما كساد المواسم الزراعية (خصوصاً الزيت)، فضلاً عن الغياب التام للمعالجات الجدية، وأقله في الأمد المنظور.
الحالة الاقتصادية، كما تشير المعطيات كافة، آخذة في التراجع بهذه المنطقة، فحركة البيع والشراء، في شتى القطاعات التجارية والإنتاجية، شبه معدومة، مسببة الركود والانكماش لتصل إلى حدّ القلق عند أصحاب المؤسسات التجارية والصناعية.
ويتخوّف أصحاب المؤسسات من اشتداد الأزمة المفتوحة، وانعكاسها على مصير قاتم، يمكن أن يهدد بانهيارها وصولاً إلى إفلاسها وإقفالها، ما سيسحب حتماً بساط الأمان من تحت أقدام معظم شرائح المجتمع، حتى الميسورة منها.
التاجر ذياب، الذي تردد مراراً قبل رفع هذه اللافتة على واجهة محله، يوضح أن الغاية منها «حثّ عشرات الزبائن لدفع الديون لمحلنا»، حيث توجد فئة لم تدفع ما استدانته منذ ثلاث إلى أربع سنوات، وهي مهددة برفع أسمائها على أنها متخلفة عن الدفع.
يقول ذياب إن مطالبته بسداد ديونهم لم تنفع، إذ لجأوا إلى المماطلة والتهرب، «علماً بأن لدينا ديونا على مئات المواطنين، تعود لسنتين أو سنة، نتريث معها في التسديد، إذ يهمنا أولاً تحصيل الدين المزمن، آملين ألا نضطر إلى رفع الأسماء على واجهة المحل، أو حتى التوجه إلى القضاء».
يوضح ذياب، بحسرة: «نشعر مع الزبائن، لكن هل يجوز أن نبيع ثوباً اليوم، على سبيل المثال، ونقبض ثمنه بعد مرور أربع سنوات؟ مع العلم بأن الديون، بغالبيتها، كانت خلال شهر التسوق من كل عام، حيث نخفّض أسعارنا بنسبة كبيرة، مراعاة للوضع الاقتصادي المتدهور، الذي يطال التاجر والزبون على حد سواء».

تراجع بنسبة 70 في المئة

تشير إحصاءات أجرتها جمعيات خاصة تعنى بالوضع المعيشي، إلى أن الحالة الاقتصادية في هذه المنطقة تراجعت في نسب كبيرة، مقارنة بالسنوات الماضية التي فاق تراجعها 55 في المئة، فيما يشير أصحاب المحال التجارية والصناعية والمؤسسات السياحية، إلى أن التراجع الاقتصادي بلغ نسبة سبعين في المئة، على الرغم من التنزيلات والإغراءات التي قدّمت للزبائن.
أصحاب المحال التجارية والمؤسسات السياحية، يؤكدون أن سوء الوضع الاقتصادي الراهن، لم تشهده أسواق المنطقة منذ أمد طويل، معربين عن تخوّفهم من ارتفاع عدد المؤسسات المتوجهة لإقفال أبوابها، علماً بأن 17 محلاً تجاريا أقفلت أبوابها خلال الأشهر القليلة الماضية، بسبب الركود القائم وارتفاع بدل الإيجارات والرسوم، والضرائب، وفواتير الكهرباء والهاتف.
يملك الشيخ عادل محلاً لبيع الحلويات. يقول إن السنوات الأخيرة كانت «قاسية فعلاً على المواطنين». يوضح الشيخ: «نحن هنا نخسر سنوياً حوالى ستة في المئة، بسبب الديون التي لم تُسدد. وثمة شخص، على سبيل المثال، كان قد استدان منذ خمس سنوات، تشكيلة من الحلويات يوم زفافه، واليوم بات عنده طفل في المدرسة، ولم يسدد ثمن الحلويات بعد».
تشجع شكيب، في مطلع الصيف الماضي، على افتتاح مطعم بمواصفات عالية التنقية، بدلاً من السفر إلى بلاد الاغتراب. دفع الرجل مبلغاً طائلاً، اقترضه من أحد المصارف.
لكن شكيب كان يخسر شهرياً حوالى ألفي دولار، ما دفعه إلى إقفال المطعم بعد مرور أقل من عام ونصف العام. يعرب شكيب عن أسفه لـ«الوضع الاقتصادي المتردّي، الذي وصل إلى حد خربان البيوت».
تمتد المعاناة الاقتصادية إلى أرجاء الحاصباني كافة. صاحب محل خضروات على الطريق الدولية، يصف الوضع بـ«الغريب»، قائلاً: «نعيش اليوم واقعاً مأسوياً لم نشهد مثيلا له من قبل، إذ ان نسبة التراجع في حركة البيع والشراء تخطت السبعين في المئة، والأسواق تشهد على ذلك».
ويحذّر صاحب المحل من «استمرار الوضع على ما هو عليه، لأن العديد من أصحاب المحال سيقفلون أبوابها، بما أنهم يعجزون عن تسديد الديون المترتبة لتجار الجملة والمصارف. محلنا مثلاً كان يعج بالزبائن من المناطق اللبنانية كافة، أما اليوم، ومنذ أشهر عدة، غاب الزبائن وأصبحت الحركة معدومة. بالكاد نسدد بدل الإيجار والمصاريف الأخرى».

الرهان مع الذات

تملك سمر محلاً لبيع الأحذية في الحاصباني. تجزم بأن «السنة الحالية هي الأسوأ منذ أن بدأت العمل في هذه التجارة، أي منذ أكثر من 11 عاماً. حركة البيع والشراء معدومة بالكامل، ويمكن ان يكون للوضع في سوريا تأثير كبير، كذلك التصعيد الكلامي واللهجة العدائية من قبل المسؤولين اللبنانيين، اللذين نسمعهما يومياً عبر وسائل الإعلام. لكننا نجاهد في عملنا كي نستمر، ولو بخسارة».
يشبّه نديم، وهو صاحب مطعم وجبات سريعة، وضعه الاقتصادي الراهن، بـ«المراهنة» قائلاً: «كل يوم ندخل في مراهنة مع الذات، متسائلين إن كنا سنتمكن من بيع كيلو كفتة، أي حوالى 15 سندويشاً، وعدد مماثل من سندويشات الفلافل؟». عند المساء، يرمي نديم كميات كبيرة من اللحوم إلى الحيوانات الأليفة، وغالباً ما يعمد إلى إتلافها.
الوضع المأسوي لا يقتصر على أصحاب المحال، خصوصاً أن تذمرهم، إلى جانب الغلاء المستشري، ينصب على ديون الزبائن. فريدة ربة عائلة مؤلفة من سبعة أولاد، تقول إنها تتجه إلى الأسواق الشعبية، أو إلى المحال التي تبيع ثياباً مستعملة، في محاولة منها للتوفير.
لكن، «مهما تحايلنا، فالغلاء مستشر ولا يرحم. سياستي، في هذه الفترة، التوفير في ملابس الأطفال، لتأمين لقمة العيش» تجزم الأم، داعية المسؤولين إلى «تضافر كل الجهود لإنقاذ الحركة الاقتصادية في هذا البلد، قبل فوات الأوان».
  

السابق
قطع طرق صيدا بالإطارات المشتعلة ودعوات إلى إعدام قاتل الناتوت
التالي
ميقاتي من السراي: العنوان العريض للتوافق بين المجتمعين هو قيام الاصلاحات