حلف الأقليات: إيران غايت نموذجا

الاثنين 22 شباط 2012
خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982 اندفع العديد من ابناء المدن والبلدات والقرى الجنوبية الى الترحيب بالجنود الاسرائيليين، ذلك رغم سقوط آلاف القتلى والجرحى على أيدي جنود العدوّ الإسرائيلي…
هذه الظاهرة لم تميز بين مسيحي ومسلم أو بين سنّي وشيعي، فالمرحّبون معروفون في محيطهم، خصوصا الذين توغّلوا في الترحيب حدّ التورط بالعمالة ، ومنهم من قضى نحبه.
بعض اللبنانيين في القرى ذات الغالبية الشيعية إستقبلوا الدبابات الاسرائيلية بالأرز والورود… نكتفي بهذا القدر لأن الغاية ليست التشهير بقدر أخذ العبر. فقد احتلت اسرائيل جنوب لبنان كاملا في ذلك العام، ووصلت الى بيروت في ذروة الفتنة الداخلية، ليس الطائفية فحسب، بل في لحظة تنافر واصطدام ميليشيوي فلسطيني – شيعي مسرحه الجنوب وغيره، واقتتال بين حركة أمل وفصائل يسارية وقومية.
واذا كان "الترحيب بالعدو الغاشم" احدى العبارات التي رفعت في احدى قرى الجنوب، سواء صحّت هذه الرواية المتداولة أو لم تصحّ، فإنّها كشفت، بعفويتها وبساطتها، عن جوهر الازمة التي عاشها جزء من الجنوبيين. اذ ان الحال الذي وصل اليه الجنوب، ولبنان عموما، من تشرذم وانقسام واقتتال، دفع البعض الى التمسّك بخلاص يأتي ولو من "العدوّ الغاشم".
لم يكن هؤلاء، وهم من ابناء مجتمعنا بمعظمهم، من الذين يعتبرون الترحيب او التعامل مع العدو امرا مقبولا لهم او خيارا يعتدّون به. ببساطة راجت تبريرات لم يزل صداها يتردّد حتى اليوم وهي تتركز حول فكرة "الحماية". وهي هنا حماية الأفراد والجماعة من بطش الجماعة اللبنانية الاخرى، أو ضريبة الخلاص من الوجود الميليشيوي الفلسطيني واللبناني.
دخل العدو في النسيج اللبناني آنذاك فاحتل معظم الاراضي اللبنانية، ليس عبر آلته العسكرية التي لا يستهان بها فحسب، بل من تشقّقات وانقسامات الاجتماع السياسي وتشرذمه، ومن نافذة ضعف الدولة وغيابها وتغييبها الفاضح عن المجال العام. وهو واقع اكد حقيقة ما كان ردده الامام السيد موسى الصدر من أنّ "افضل وجوه المقاومة ضد اسرائيل هو الوحدة الداخلية".
بكل الاحوال إندحر العدو الاسرائيلي بقوة المقاومة التي عبرت عن نسيجها الاجتماعي والسياسي وتنوعه في مختلف مراحل فرض الإنسحاب غير المشروط على الجيش الاسرائيلي، بدءا من بيروت مرورا بالشوف والبقاعين الاوسط والغربي وصولا الى الحدود الجنوبية. لكن ثمة وقائع ترسخت وتبلورت كما لم يسبق في الاجتماع السياسي اللبناني، هي المزيد من تبلور الطائفية السياسية ورسوخها في هذا الاجتماع، وانزياح الحياة السياسية نحو تشكل امارات طائفية جعلت الحياة السياسية تتهاوى في مصارع العصبيات الطائفية والمذهبية من جهة وتنزلق بشكل حادّ نحو الحمايات الخارجية من دون تردد او استحياء من جهة ثانية. وكل ذلك لا يمكن ان يتحقق الا على تهافت الدولة الجامعة ومؤسساتها.
مرد هذا الاستحضار هو محاولة نفي البعض احتمال انجرار فئات من اللبنانيين نحو حلف مع "العدو الغاشم". فمشروع حلف الاقليات، وإن تلبّس عمامة الممانعة وقدسيتها، إلا أنّ الوقائع الجغرافية والسياسية تبقى هي المعطى الذي يمكن من خلاله استشراف الآتي من الايام.
فلا يكفي رفض هذه المقولة وادانتها لتصبح غير موجودة او ضعيفة لدى من يدينونها، ولا يعني ذلك مطلقا ان الاقليات المذهبية او الطائفية هي أقل وطنية او قومية من الاكثرية، ولا بطبيعة الحال أنّ الاكثرية هي اكثر وطنية، وان كانت الاكثر اطمئنانا بسبب عددها ليس اكثر.
المشهد السوري اليوم يكشف في طياته عن وجه مقلق. ذلك ان طبيعة بنية السلطة القابضة على النظام والدولة، التي يشكّل الطابع العائلي الطائفي عنصر قوتها ومصدر تماسكها، يعزز من وجهته اصطفاف قوى ذات طابع مذهبي شيعي قبالته، سواء في العراق او لبنان او ايران، وذات طابع مسيحي لبناني بدرجة اقل. وأيّا كانت المبررات السياسية لدعم هذا النظام الاقلوي، فإنّ احدا لا يستطيع ان يتعامى عن هذه الوقائع التي تفرض منطقها وعصبها في النظر الى ما يجري بسورية.
ان تذهب "الشيعية السياسية" اللبنانية بعيدا في ازدراء الانتفاضة السورية والتعامي عن الإستبداد السوري هو موقف يستعدي الاكثرية السنية ليس في سورية بل في لبنان والمنطقة عموما، وايا كانت نتائج الانتفاضة السورية ثمة ثابتة هي أنّ العودة الى الوراء باتت مستحيلة مع كل هذه الدماء التي سقطت.
واذا اندفع النظام الى التحصن بعصبيته الطائفية وجغرافيتها، فهذا ما يجعل من حلف الاقليات حقيقة ترتسم على أرض الواقع. اذ ان "الشيعية السياسية" التي تُضاعف خصومها، بل أعداؤها، ستجد العدو ليس امام جمهور الطائفة فحسب بل من خلفها أيضا… والمجموعات السياسية والمذهبية، والأفراد أيضا، قد يضطرون إلى التعامل مع العدو على قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" وليس على قاعدة ان اسرائيل ليست عدوا، فهي ستبقى "عدوا غاشما"… والأمثلة عديدة على الاستعانة بالعدو لمواجهة خطر داهم وربما قاتل، لا تبدأ من ملوك الطوائف في الاندلس ولا تنتهي في "إيران غايت"…

السابق
صحيفة ألمانية: الخليجيون مستنفرون لمناقشـة تسليح “حزب الله”
التالي
الجمهورية: طار نحاس وبقيت الحكومة والــــبديل من التيار