الشرق: ساعة الفرز بين الدروز

أعلن رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط أنه سيكون لنا عودة إلى سياسة الممانعة مستقبلاً لتفصيل مرتكزاتها التي تمثلت بشكل رئيسي في إسقاط القرار الوطني الفلسطيني المستقل وضرب الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والاستيلاء على لبنان وإستخدامه كمنصة أماميّة لتبادل الرسائل الأمنيّة والسياسيّة، فكانت الحروب المتتالية على أرضه تحت عناوين ومسميات مختلفة، محذرا المناضلين العرب في جبل الدروز من الانجرار خلف زمرة من الشبيحة والمرتزقة.

وقال جنبلاط في موقفه الاسبوعي لجريدة "الأنباء" الصادرة عن الحزب التقدمي الاشتراكي :" يا لها من بدعة جديدة تكتب عنها كتب التاريخ والعلوم السياسية وهي بدعة إجراء استفتاء لما يسمّى مشروع دستور جديد مع روائح الجثث وغبار الركام في حمص ومدن وقرى سورية أخرى، ومع أزيز الرصاص ودوي المدافع وضجيج القذائف وقصف الدبابات، وفي ظل غياب أية معلومات عن مصير عشرات الآلاف من المفقودين والمعتقلين من مختلف أنحاء سوريا.
وتابع: هذه البدعة تذكرنا ببدعة الرفع النظري لحال الطوارئ فيما إستمر التطبيق العملي للطوارئ وأضيفت إليها ضروب جديدة من التعذيب والساديّة كحالات أطفال درعا وحمزة الخطيب والمئات من الذين قضوا بالتعذيب. فحتى أكثر الأنظمة قسوةً من ستالين الى تشاوشيسكو مروراً بصدام حسين وصولاً الى بعض الحكام العرب الذين رحلوا غير مأسوف عليهم، كان يملكون شيئاً من الحياء ولا ينظمون إستفتاءات شعبيّة فوق بحور من الدماء!

يا لها من بدعة جديدة ستتمثل بالالغاء النظري للمادة الثامنة من الدستور التي تقول بحزب البعث كحزب قائد للمجتمع والدولة، بينما سوف يتم إستيلاد العشرات من الأحزاب الهجينة المماثلة للبعث ودائماً بهدف الامساك التام بكل مفاصل الدولة ومرافقها ومؤسساتها، والاستمرار في الاطباق على الشعب السوري الذي يطالب بحقوقه السياسيّة المشروعة والتي حُرم منها لسنوات طويلة.
يا لها من بدعة جديدة أن نرى دولاً كبرى تؤيد هذه المسرحيّة المسماة إستفتاءً، وهي التي تقدم الدعم العسكري والاستخباراتي والأمني للنظام السوري وترسل أساطيلها البحريّة المتعددة والمتنوعة وخبراءها ووحدات النخبة، فيما تكرر في الوقت ذاته معزوفة رفض التدخل الخارجي ليلاً ونهاراً. فبدل أن تسعى هذه الدول لتأمين مخارج لزمرة تحكمت بسوريا وأهلها على مدى أربعة عقود نراها متمسكة بالنظام حتى ولو على حساب وحدة سوريا ومستقبلها.

وقال: يا لها من بدعة تلك التي تحدّث بها الرئيس السوري عن مؤامرة تقسيم سوريا، وهو كرّر بذلك ما سبق وذكره أمام البعض من زواره اللبنانيين من أن النظام سيبقى حتى ولو تم تقسيم سوريا، فكأنه بذلك يمهّد لما سيأتي على قاعدة: "أنا وبعدي الطوفان". وهنا أيضاً يُوجّه السؤال الى بعض الدول الاقليميّة والكبرى الداعمة لهذا النظام ما إذا كان من مصلحتها الاستراتيجيّة تفتيت منطقة الشرق الأوسط بأكملها من أجل تلك الزمرة. فهل يفيدها عندئذ بقاء هذا النظام؟
وهذا الانحدار في المواقف الغربيّة- التي، للمناسبة، تلتقي مع الموقف الرسمي اللبناني السخيف والمتفلسف تحت شعار "النأي بالنفس"- وهي المواقف التي بدأت في دعم واضح لمطالب الشعب السوري، وتراجعت لتتحوّل الى ما يُسمّى ممرات إنسانيّة أو صليب أحمر. فالغرب تلطى خلف الفيتو الروسي- الصيني ليطالب بخجل بتطبيق الاصلاحات، وهو يتحجج بإنقسام المعارضة لعدم الاعتراف بها أو دعمها، وما الاستحضار المشبوه لـ "القاعدة" الا للحيلولة دون تقديم هذا الدعم للمعارضة والجيش السوري الحر والمجاهدين والمناضلين في حمص.

وفي سياق منطق التقسيم الذي يتحدث به الرئيس السوري يأتي تفسير التدمير المنهجي لمدينة حمص، التي يمكن وصفها عن حق بأنها ستالينغراد الثورة السوريّة، لما تشكله من عقدة وصل بين العمق السوري من دمشق الى حلب وسائر مدن الداخل مع الساحل الذي يُطل بدوره على ثروات نفطيّة كبيرة كما يُقال والسبب الرئيسي لذلك كان وسيبقى أمن إسرائيل التي تمتعت بهدوء تام على جبهة الجولان المحتلة منذ 39 عاماً بفضل سياسة الممانعة التي سيكون لنا عودة إليها مستقبلاً لتفصيل مرتكزاتها التي تمثلت بشكل رئيسي في إسقاط القرار الوطني الفلسطيني المستقل وضرب الحركة الوطنيّة اللبنانيّة والاستيلاء على لبنان وإستخدامه كمنصة أماميّة لتبادل الرسائل الأمنيّة والسياسيّة، فكانت الحروب المتتالية على أرضه تحت عناوين ومسميات مختلفة، وكم كلفت تلك الرسائل والحروب من خسائر وخراب ودمار على لبنان وأهل الجنوب ناهيك عن الاغتيالات السياسيّة التي لا تُعد ولا تُحصى. لقد حانت أيضاً ساعة الفرز داخل طائفة الموحدين الدروز في لبنان وسوريا بين من يدعمون النظام السوري ومستعدين لأن يكونوا بمثابة المرتزقة في خدمته، وبين من يؤيدون الشعب السوري في نضاله المستمر نحو سوريا ديموقراطيّة متنوعة.

فأهل جبل العرب ناضلوا في الماضي القريب لتحرير سوريا من الانتداب الفرنسي، وسيناضلون اليوم أيضاً في سبيل تحرير سوريا من القمع والطغيان. تاريخهم السياسي كان دائماً الى جانب العروبة وهم الذين يعيشون في بحر إسلامي- عربي على مر التاريخ ويدركون هذه الحقيقة. لذلك، فإنهم لن يسمحوا لبعض الشبيحة من جبل لبنان أو من قبل النظام أن يوقعوهم في الفخ الذي يُرسم لهم.  

السابق
الجسر: خطاب نصرالله ظاهره سلبي ولكن في مضمونه يحمل فتح باب الحوار
التالي
اللواء: بيلمار مودعاً اللبنانيين: العدالة تنتظر أياماً تاريخية