14 وليس 8 ؟!

لم أحبّ يوما رقم 8. لماذا؟ لأني كنتُ على الدوام أعشق رقم 14 الذي يدلّ على يوم مولدي. وربما لأن رقم 8 يدل على تمام الأمور، وانا بطبعيّ أكره كل تام، بل أشعر بجماليّة كل ناقص، ربما لأني اسمع منذ صغري أن المرأة، بحسب الدين الإسلامي، ناقصة عقل؟

كما كنت على الدوام أهوى الرقم 14 في الترتيب، وان يكون الرقم 14كمُعدّل لي في المدرسة. والأغرب اني لم أحبّ شهر آذار ابدا، لعل السبب أن اختي، التي تكبرني بعام واحد فقط، والتي ولدت في شهر آذار، كانت تسيطر على كل شيء في المنزل، وتتولى مسؤولية كل شيء في غياب أمي وبحضورها أيضا. وكنت أنا غائبة بينهما، بل غير موجودة: عنصرمشاغب عليه الطاعة. لذا تمردت حسب قدرتي في كثير من الاشياء.
لم احبّ شهر ايضا آذار لأنه كان بالنسبة إليّ شهر الفرح والطبيعة، وأنا كنت وحيدة دون صديقة او صديق، كما هو حال أختي التي كانت تمنعني من مرافقتها الى منزل أصدقائها بحجة اني صغيرة وأنهم ليسوا من رفقائي.
كنت احلم ان يكون عندي سرّ صغير أقوله لصديقتي. كان لدي سرّ لكني لم اقله يوما لأحد ما. كنت أخاف من القول. وأفضّل الصمت ربما لأني كنت أعيش الوحدة.
كنت أحبّ الصيف وخاصة شهر تموز، ليس لأنه شهرالعطلة. فهو بالنسبة لي شهر الالتصاق، لوقت طويل، على "البرندا" المطلة على الطريق العام، حيث كنت أرقب الناس في حركتها المليئة بالحياة، كنت أراقب فقط. أراقب النساء والرجال والباعة والاولاد، وكل شيء من بعيد لدرجة اني كنت اشعر اني غير موجودة أصلا وأنهم لا يرونني ولا يلاحظونني. كنتُ عيونا مزروعة هنا وهناك.

وربما لهذا اليوم اقف خلال ندوة او مؤتمر لا اتكلم بل اراقب الجميع وأقيّم الجميع واعرف ما يقصده الجميع دون ان انبس ببنت شفة.
انا كنت كالله أقف في الخارج، لكني كنت اتألم واتعلم ولا اتدخل ولا أحاسب. كنت أحب هذا وأكره ذاك. على ما اهوى وارغب. كانت لي مقاييسي في الحب والكره. كنت احب الاساتذة والمعلمات، واكره الفقراء والعمال.
احببت شهر تموز وهو شهر العطلة المدرسية المكروهة بالنسبة لي، العطلة التي يتمناها كل تلميذ. لكن لماذا كنت اكرهها؟ لم أكن اعلم لماذا. اما اليوم فبت افهم معنى كرهي وحبي للاشياء بعد سنوات وسنوات.
كنت اكره العطلة لانها كانت تعني البقاء في المنزل والاستماع الى التعليمات الروتينية. والقاء اللوم الدائم عليّ بسبب افكاري المتطرفة التي كانت لا تقبل بأي مكرّس اجتماعي ولو كان من البديهيات. كنت صاحبة لقب هام جدا(وليد جنبلاط).

لماذا وليد جنبلاط لا ادري ربما لانه كان في حينها معارضا وليس دوارا أو دولابا. وكنت ايضا أحوز لقب (نجاح واكيم). هذان اللقبان رافقوني فترة طويلة من عمري لدرجة اني صرت صديقة لهما.
في أحد الايام سرقت كتابا عن حياة لينين، وانا ما دون الرابعة عشرعاما، وهربت الى السطح لأقرأة فما كان من "الجاسوسة المعتمدة" عند امي أي اختي الكبيرة الا ان راقبتني وطارت لتخبرها. وكان القرار ان يتم تلفُ الكتاب، ومعها مجلة الطريق التي كنت اشتريها من مصروفي الذي يجب ان اشتري به كنزة شتوية.
أسأل اليوم عما كنت ابحث في حياة لينين؟ وماذا كان يهمنيّ انسان عاش حياة مختلفة كليّا عن حياتنا؟ هل هو اللاتشابه؟ الآخر البعيد الذي يعجبنا طالما ظل بعيدا؟

كتبت الباحثة دلال البزري عن أنواع اليساريين فجرّدتهم تجريدا. هل كانوا كذلك حين أحببناهم وقرأنا لهم؟ وبماذا تصف يساريتها السابقة والمتحوّلة حاليا؟ وهي التي كانت أيقونة اليسار الراحل؟
كانت اختي تتحدث مع النساء بكل سلاسة، وكنت انا اكره النساء وحديثهن لأنه لا يعنيني بشيء. مثلا: هذه شعرها طويل لان زوجها لا يحب الشعر القصير!
كنت انتفض وأجنّ عندما اسمع هذه الجمل، قائلة وما دخل الزوج بشعر زوجته؟ ويبدأ الضحك عليّ وعلى كلامي. كانوا يعتقدون انني لا افهم أن سرّ العلاقة الزوجية يوجب ان تلبيّ المرأة رغبات الرجل حتى في قصة شعرها، لكنهن لم يكنّ يفهمن انني اتكلم من مبدأ الحرية الشخصيّة.
وهكذا كانت تدور الأمور في بلدة تعتبر نفسها انها متقدمة مقارنة بجيرانها من البلدات لكون نسبة المتعلمين فيها عاليّة. لكنها (أي بلدتي) ليست سوى قرية ارتكست وانتكست بعد العام 1982 الى ما وراء القرى النائية الأكثر بُعدا عن التقدّم- بحسب المتعارف عليه- عندما مشت في ركب التسويات الداخلية التي أدارها كبار الضيعة ومن ورائهم زعماء المنطقة.

السابق
انفجارات وطائرات حربية اسرائيلية تذهل الأهالي في بنت جبيل ومرجعيون
التالي
خطر التعرّي…!!!