الطفيلي لم يتطفّل على نصرالله

بدا واضحاً أن "حزب الله" بلع الموسى حيال ما قاله أمينه العام الأول الشيخ صبحي الطفيلي؛ فما أدلى به من مواقف بالغة الأهمية أصابت الحزب في الصميم، لكونه بما يمثل بالمعنى السياسي، لم يتحدث بلغة الإفتراء أو تصفية الحساب أو بطلب من "14 آذار"، بل بلغة المدرك بوضوح للمخاطر التي يبدو "حزب الله" مندفعاً نحوها، إن بإسناده نظام بشار الأسد الذي يتهاوى، أو بارتباطه العضوي بنظام "الولي الفقيه" في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ذلك النظام الذي يحض على الفتنة في كل الأمكنة.
وتترقب الأوساط السياسية ما إذا كان الأمين العام الحالي السيد حسن نصرالله سيقف في إطلالته اليوم عند كلام الطفيلي، فمن عادته أن يردَّ بالمثل وأكثر على من يمس بهيبة حزبه وهالة مقاومته، وكيف لا يرد وهو من جملة من وصفهم الطفيلي بـ"مجموعة المتعاملين مع إيران الذين اوصلونا الى مكان خطر جداً على المقاومة، وعلى شبابها، وعلى اللبنانيين عموماً".

غني عن القول، أن لا مصلحة لـ"حزب الله" الخوض في سجال مع الطفيلي. من يعرف الأخير جيداً، يدرك من دون أدنى شك، أن ما قاله هو مجرد قطرة في بحر ما يملكه من "قنابل موقوتة" قد تنفجر في وجه الحزب في أي لحظة؛ فهو أعلن أنه "كسر جدار الصمت"، ما يعني أنه لن يتردد في الكشف عما لديه إذا ما رأى أن مصلحة الطائفة الشيعية تقتضي بأن يبوح بما يملكه من معطيات سياسية وأمنية، وهو الذي ما زال على صلة وثيقة بعدد من كوادر الحزب، وقد كشف في حديثه أنه التقى في ربيع العام 2005 القائد العسكريّ – الأمنيّ للحزب الراحل عماد مغنيّة.
ولعل أخطر ما توقف عنده هو قوله: "إن هناك حديثاً في الشارع الشيعي ولدى كثيرين من المقربين من قيادة "حزب الله" انهم سيضطرون الى التحالف مع العدو الاسرائيلي" لمواجهة المدّ السني، وهذا ما وصفه بـ"ألعن النتائج" للمسار الذي يسلكه "حزب الله" بدفع إيراني يقوده إلى ارتكاب جريمة بحق لبنان أولاً، والشيعة ثانياً، والمقاومة ثالثاً.

وأن يلعن الطفيلي ما يخشاه من تحول المقاومة إلى حليف للعدو الإسرائيلي، فمعناه بحسب أوساط شيعية، أنه "مدرك أن خطر الإنزلاق إليه جدي بالعودة إلى استقبال الجنوب للمحتل الإسرائيلي عام 1982 بالزهور"، ربطاً بـ"العِبرة" من حقيقة ما تم الكشف عنه من شخصيات شيعية تتعامل مع العدو الإسرائيلي، ومنها قيادات بارزة في "حزب الله".
ومن النقاط المهمة التي توقف عندها، أنه نعى مشروع المقاومة الذي انتهى منذ العام 1996، بحيث بات سلاح "حزب الله" لـ"الغلبة" في الداخل، بمثابة "حرس على الحدود"، ولكن خطورته أنه تحت الإمرة الإيرانية، وينفذ أجندتها بمعزل عن الأجندة اللبنانية، كما أكد قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني العميد قاسم سليماني اخيراً.

لا شك أن ما قاله الطفيلي أوجع "حزب الله" الذي يتألم بـ"صمت"، ويحاول أن يطفئ ما أشعله أمينه العام الأول من نقاش يتصاعد داخل الطائفة الشيعية التي قال إن "سياسة إيران "حزب الله" تقود الشيعة إلى مطحنة" من خلال ما تقوم به، في لبنان وبعض الدول العربية، من صب الزيت على نار الفتنة السنيّة الشيعيّة التي تبدو هاجساً يسكنه.
بكلام آخر، قال الطفيلي ما يجب أن يقال للطائفة الشيعية الذي هو واحد منها. جاءت مواقفه بمثابة "جرس إنذار" يُقرع لمصلحة طائفة لبنانية يقول ما فحواه إن إيران لا تهتم لها بقدر ما تستخدمها وقوداً لمصالحها "ونقطة على السطر"، كما تستخدم الشيعة في بعض الدول العربية، وهو بذلك، أي الطفيلي، يؤكد على فكرة تناولها الإجتهاد الشيعي بأن يكون شيعة الدول العربية جزءاً من أوطانهم وليس جزءاً من مشاريع خارجية أو حركات تشيّع تقوم بها إيران.
ويبقى أن الأمين العام الأول لـ"حزب الله" غمز من قناة بري، ولكن عـ"الناعم"، حين أشار إلى أنه "لا يميز نفسه عن "حزب الله"، وكأنه يقول إن الرهان على بري خاسر، في سياق تأكيده أن الخطر على الطائفة الشيعية هو في "الثنائية" التي تحكمها، وليس من أي مكان آخر.
  

السابق
هل تخلَّت روسيا عن البرغماتية؟
التالي
لماذا لا تغطي الحكومة مهمة الجيش في الشمال؟