إبل السقي القرية النموذجية بطبيعتها الخلابة.. وجنيّات القبيبة!! (1)

على يمين العابر من مدينة مرجعيون إلى منطقة حاصبيا، تستوقفك لوحة اعلانية كبيرة كبيرة كتب عليها "ابل السقي_ البلدة النموذجية ترحب بكم"، وكلمة إبل باللغات السامية القديمة تعني العشب اي البستان والأرض المروية، اما كلمة السقي فهي تفسير للفظة ابل العربية.
تقع ابل السقي على هضبة بديعة ينفرج امامها سهل فسيح وهي ترتفع عن سطح البحر650 متراً، وهي ذات طبيعة خلاّبة، وبيوت مزينة بالقرميد الاحمر، تحيط بها اشجار الزيتون والصنوبر، ومئات الطيور المهاجرة التي تحط رحالها في كل عام في أروع غاباتها، مما يجعلها مقصدا لعشاق الطبيعة للاستمتاع بطيب مناخها ووفرة خيراتها والماء فيها.

منذ القدم، وهذه البلدة متآلفة، متعمّقة الوحدة، ومتبادلة الاحترام بين عائلاتها، فيعيش سكانها من الطائفتين المسيحية والدرزية بهدوء بعيدين عن الاصطفافات السياسية والطائفية القائمة في لبنان، لذا لم يسجّل التاريخ اي حادث طائفي يذكر بين أبنائها بل على العكس فهو يشهد لمواقفهم المتضامنة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر محنة عام 1860 بين الدروز والمسيحيين حيث التجأ الى دارة حسن غبار الاول الدرزي مسيحيو البلدة هرباً من القتل فاستقبلهم هذا الاخير بقوله الذي اشتهر به: "إما ان نحيا معاً او نموت معاً". ولقد سجّل له التاريخ هذا الموقف الشهم والرافض للتفرقة المذهبية.

في إبل السقي اشجار زيتون معمّرة تعود لآلاف السنين، وهذه الأشجار الدهرية في البلدة تقف على جذوع ضخمة وهرمة تؤكد مدى قدمها، مع العلم انها لا زالت تعطي خيرها على عشرات العائلات في المنطقة.
وهناك أيضاً القبيبة.. وهي رابية تشرف على نبع البلدة لجهة الجنوب وتطلّ على فلسطين. تكسوها اشجار الجوز والحور والسنديان. وقد نقل لنا المعمّرون قصصاً اسطورية كثيرة عن حضارة القبيبة، وأكدت الحفريات على انها كانت عبارة قرية يملكها ملك، عامرة بمنازلها واسواقها ومحترفاتها، ومعابدها الوثنية، وقصصها ميثولوجية، والحكايات عنها اسطورية بامتياز فيها عجب العجاب والدهشة والتساؤل والرهبة الموحشة… وممّا قيل عنها، ان غصن الزيتون الذي حملته الحمامة يوم طوفان نوح، اخذت من زيتون القبيبة كبشارة للنجاة من الغرق.
                                                                                                                                                                                    

ويخبرنا الكبار في السن عن جنيات القبيبة اللواتي لا زلن ساكنات فيها حتى اليوم فلهن صداهن في "محافر وادي العين" ومغاوره الدهرية. وهذه المغارة للملك، يحرسها له جنيان جسمهما مطليان بزيت الكافور ومدججان بالسلاح، وتحت اقدامهما بئر من ذهب، وخزينة الملك.. وهذه الكنوز الكثيرة تنتظر ان يفكها صاحب النصيب وفقا لقصص حكماء من المغرب مروا منذ زمن بعيد في تلك المنطقة الجنوبية !

وكانت هذه القرية النموذجية السبّاقة في كثير من الامور المعيشية في محيطها، فهي اول بلدة حصلت على الكهرباء في الجنوب، ووصلت إليها شبكة الهاتف منذ العام 1952، وفي العام نفسه تم تأسيس مدرستها، وبنيّ دار البلدية.
ليست هذه ميزة إبل السقي الوحيدة، فهي واحدة من القرى الجنوبية القليلة التي لا تزال تحافظ على خصائص القرية القديمة، حيث يطغى على ابنيتها الطابع المعماري القديم، ويغطي بيوتها حرج صنوبري كبير، ويشمخ فوقها جبل الشيخ المكلّل بالثلج الأبيض.
إضافة الى ذلك، صنفت البلدة على أنها الممرّ السادس عالمياً للطيور المهاجرة، ولهذا اقيمت محمية طبيعية تضمّ عددا كبيرا من الاشجار المعمرة، وتجمع في داخلها عشرات الطيور والحيوانات البرية، ولهذه الغاية اقيم في وسط الغابة بركة كبيرة تشرب منها هذه الطيور، وفي الوقت عينه يقوم المختصين بدراسة انواعها ونمط حياتها وسلوكياتها.

وتشتهر البلدة أيضاً بوفرة مياهها العذبة، فإضافة إلى نبع إبل السقي الشهير، ثمة أربع عيون ماء و15 بئراً ارتوازية أقامتها الدولة وأبناء البلدة، تستخدم منها ثلاث آبار للزراعة وواحدة للشفة وأخرى لسقاية أبناء القرى والبلدات المجاورة.
هذا بعض مما تكتنزه احدى القرى الجنوبية، التي لا يمكن لزائر مدينة حاصبيا إلا والتوقف عند مدخلها وطرقاتها القديمة المزينة بالاشجار. وكما عرفها احد أبنائها شيخ الأدب الشعبي في لبنان سلام الراسي قائلا:" كانت إبل السقي احدى اجمل قرى لبنان الجنوبي، وكانت بيوتها المسقوفة بالقرميد الاحمر تتلألأ من بعيد كأنّها شقائق النعمان في شهر نيسان. فيها ولدت، فيها نشأت، وحولها نسجت اجمل حكاياتي".
 

السابق
الكتيبة الهندية إحتفلت بذكرى استقلال بلادها
التالي
ميشال سليمان: الاقتصاد يبدأ بالتحسن فور الاعلان عن بدء رحلة التنقيب عن النفط والغاز