نقاشٌ مع سامي الجميّل

قبلَ بضعة أيّام دعا منسّق اللجنة المركزيّة في حزب "الكتائب" النائب الشاب سامي الجميّل قوى 14 آذار إلى "أن تنسى سوريّا قليلاً لأن ليس لدينا القدرة على أن نؤثّر فيها وهناك شعب سوريّ يتحمّل مسؤوليّته ومسؤوليّة ثورته". وقال "علينا أن ننتقل إلى حال المعارضة البنّاءة والفعّالة وأن نهتمّ بملفّاتنا كملفّ حزب الله وسلاحه وملفّ المحكمة وملفّ مراقبة الحكومة بدلاً من أن نكون في حالة انتظار(..)".

إنّ هذا الموقف من الشبخ سامي الجميّل يستدعي عدّة ملاحظات.

أوّلاً- عندما يدعو المسؤول الكتائبيّ 14 آذار إلى "أن تنسى سوريّا قليلاً"، فهو يفترض أنّ 14 آذار مستغرقة حتّى أذنيها في المسألة السوريّة بـ"يوميّاتها" أو أنّها متدخّلة فيها بأشكال وصيَغ شتّى.. وهذا ليسَ واقع الحال من جهة وإنْ كانت متعاطفةً ومتفاعلةً مع ثورة الشعب السوريّ من جهة أخرى.

ثانياً- وعندما يضيف الشيخ سامي السبب وراء دعوته إلى "نسيان سوريّا" وهو "أن ليس لدينا القدرة على أن نؤثّر فيها"، فهو يضع مقياساً عامّاً لا يقتصر على الموضوع السوريّ. "القدرة على التأثير" معيار للتعاطي مع أيّ موضوع فلا يكون التعاطي إلّا إذا توافرت فيه القدرة على التأثير!. فهل يفترضُ الشيخ سامي أنّ لـ 14 آذار وللبنانيّين عموماً القدرة الذاتيّة "الآن" على التقدّم في ملفّ كملفّ "حزب الله" وسلاحه؟

ثالثاً- على أنّ "أخطر" ما يفصح عنه موقف النائب الجميّل هو عدم إعطائه ما يحصل في سوريّا المكانة التي يستحقّ. ذلك أنّ قراءةً جدّية لما يجري في سوريّا لا بدّ أن تقود إلى اعتباره تحوّلاً استراتيجيّاً يعني سوريّا والسوريّين لكنّه يعني لبنان واللبنانيّين والمنطقة العربيّة ككُل بالقدر نفسه. وواقع الأمر "التاريخي" هنا أنّ تغيّر النظام في سوريّا (أي سقوطه) يقدّم للسوريّين فرصة الانتقال إلى الحرّية والكرامة والديموقراطيّة والعصر، لكنّه يقدّم للبنان فرصة تاريخيّة لترسيخ الاستقلال والسيادة، ولاستعادة الدولة، ولاستعادة الحياة السياسيّة اللبنانيّة إلى سياق طبيعي ديموقراطيّ – دستوريّ. بل إنّ التغيير في سوريّا هو شرطٌ لوضع لبنان مرّة أخيرة ونهائيّة على خارطة الأوطان والدول، ولتمكينه من دور متقدّم في محيطه.

رابعاً- من هنا لا يعود السؤال المطروح على 14 آذار كيف تنسى سوريّا "ولو قليلاً" ليُصبح السؤال كيف تتفاعل مع النهاية المرتقبة للوضع القائم في سوريّا منذ عقود، وكيف تنضج ربيع لبنان المتجدّد في رحاب الربيع العربي، وكيف تبلور رؤية إلى لبنان المستقبل؟. ولو أنّ الشيخ سامي الجميّل قال إنّ على الفرقاء الآخرين ألّا يربطوا لبنان بأزمة النظام السوريّ لكان مُحقّاً، لكنّه مع الأسف يبدو أنّه يحمّل 14 آذار مسؤوليّة هذا الربط وهذا غير صحيح.

خامساً- وعندما يكون لبنان وسطَ تطوّرات ومتغيّرات استراتيجيّة من النوع الذي يحصل، بل عندما يكون لبنان البلد الأوّل في المنطقة العربيّة الذي أطلق مؤشّرات التغيير، ودفع شهداء ثمناً لذلك أبرزهم شقيق النائب الجميّل الشهيد بيار، فإنّ العمل السياسيّ – الوطنيّ لفريق 14 آذار لا يمكن أن يكون مجرّد "معارضة بنّاءة" أي مجرّد معارضة برلمانيّة. وإذا كان النائب سامي الجميّل عن حقّ وجهاً برلمانيّاً بارزاً، فإنّ احترامه يفرض أن يُقال له إنّ المنعطف أو المفصل الذي يجتازه لبنان يفترض خاصةً من فريق 14 آذار أن ينتقل من التفاصيل إلى العام، مِن المفرّق إلى الجملة، مِن التكتيكات إلى الاستراتيجيّة.

سادساً- ثمّ من غير المعقول أو المقبول، ومِن غير المفهوم وغير الوطنيّ – اللبناني العام، عند مفصل من هذا النوع أن يحصل فرزٌ لا مبرّر له بينَ مكوّنات 14 آذار أي لا مبرّر لأن يعودَ كلّ مكَوّن من المكوّنات إلى مربّعه الطائفي – الحزبيّ بدلاً من الشراكة العامّة المسيحيّة – الإسلاميّة. لا مبرّر عند مفصل تاريخيّ ولا منطق لأن يقارب أيّ حزب أو مجموعة مستقبل لبنان من زاوية فئويّة أو طائفيّة أو حزبيّة أو خاصّة، ولا معنى لأن يحاول أحد البحث عن مكان له بمعزل عن الكلّ.

سابعاً- وتدعيماً للفكرة السابقة، لا بدّ أن يُقال إنّ ما يدعو الشيخ سامي إليه أو ما ينصح به، يمكن أن ينطوي، والأرجح أنّه ينطوي على ما من شأنِه أن يجعل التطوّرات التاريخيّة تحصل (وفيها مصلحة للبنان المستقبل)، متوازية مع انكسار للفريق الذي ينبغي أن يتلقّى النتائج ويوظّفها لمصلحة كلّ لبنان وكلّ اللبنانيّين.

ثامناً- ومع كلّ التقدير للنائب اللامع، فإنّ ثمّة سؤالاً يُطرح عليه: لماذا لا يظهر من معارضته إلّا معارضته لحزب الله؟ أليس الجنرال ميشال عون وتيّاره حليفيّن لحزب الله ويجدر أخذهما مع "حزب الله" في سلّة واحدة؟ أليس في هذه المعارضة الأحاديّة اعتبارٌ طائفيّ أو اعتبارٌ حزبيّ خاص؟

تاسعاً- وعلى قاعدة أنّ الشيء بالشيء يُذكَر، لماذا لا يُبادر الشيخ سامي إلى مناقشة ما يطرحُه في العلن داخل الاجتماعات القياديّة لـ14 آذار المُعلن منها وغير المُعلن، وذلك في سبيل توحيد النظرة بدلاً من تكريس "واقع فيديرالي" في 14 آذار يتناقضُ ومنطلقاتها الأساسيّة بوصفها حركة استقلاليّة تغييريّة تنهض على شراكة مسيحيّة – إسلاميّة فعليّة؟

عاشراً- إنّ المرحلة أبعد بكثير من أن تكون مرحلة تفاصيل مهما كانت أهمّية تلك التفاصيل. إنّها مرحلة استحقاق لبنان لاستقلاله وحرّيته وديموقراطيّته. إنّها مرحلة استحقاق لبنان لصيغته ونموذجه. إنّها مرحلة استحقاق لبنان لدوره.. واستحقاق لبنان لربيعه. والمطلوب من 14 آذار ليس أن تكون معارضة لحكومة بل أن تكون كما في أصلها حاملةً لمشروع – رؤية يخاطب مستقبل لبنان بكلّ أبنائه معاً. وليس الوقت، في مثل هذه الظروف لـ"متفرّقات" بل لرؤية استراتيجيّة تطلب 14 آذار على أساسها تأييد اللبنانيّين والمجتمعَين العربيّ والدوليّ.

يا شيخ سامي،

ما تخاطبك به السطور السابقة، موجَّه في الوقت نفسه إلى العديد من القيادات المسيحيّة الزمنيّة والروحيّة. وصيغة علاقتك الحاليّة بـ 14 آذار لا مبرّر لأن تستمّر، أي صيغة "رِجل في البور ورِجل في الفلاحة" غير مبرّرة. ومع كلّ المحبّة، لا بدّ من أن تكون في داخلها "كلّياً".

أمّا سوريّا فلا يمكن لـ 14 آذار أن تنساها ولو قليلاً، لأنّها مصدر التحوّل ومركزه، التحوّل الذي يصنع ميزان قوى المستقبل لسوريّا والمنطقة ولبنان. لا تدخّل فيها ولا نيابة عن الشعب السوريّ العظيم لكن بناء المقتضى اللبنانيّ.. والسلام!.  

السابق
بيروت في السوق..الديموقراطية العربية
التالي
انفتاح عربي