الحكومة تتحدى نفسها!

ليس من الطبيعي ان تستمر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بمنطق التحديات وتسجيل الانتصارات والانكسارات بين أطرافها ومكوناتها السياسية، ما يحجّم انتاجيتها ويوفر مادة جاهزة ومجانية للمعارضة، لمواجهة الحكومة وامتصاص رصيدها وتحويلها الى مؤسسة متهالكة لا تقوى الا على الاجتماع الروتيني لمجلس الوزراء، قبل المصير المحتوم للحكومات في بلد كلبنان يمارس مبدأ تداول السلطة.
وليس سرا ان ما أنتجته الحكومة خلال العام الماضي لم يكن مرضيا لها ولا للناس، حتى ان البعض يعتبر ان ما أنجزته، قليل من كثير يحتاجه لبنان للخروج من منطق ادارة الأزمة. فلا الخدمات تحسنت بالشكل المفترض، ولا التعيينات الادارية انجز منها الا القليل القليل، ولا التشكيلات الدبلوماسية خرجت من ساحة الوعود، ولا الموازنة العامة للدولة كسرت مبدأ الجمود القائم منذ العام 2005.

نعم اتخذت الحكومة منذ انطلاقتها مئات القرارات، بينها العادي والمهم والأهم، وكان آخرها المراسيم التنظيمية المتعلقة بالتنقيب عن النفط والغاز، لكن معظم القرارات لم تترجم نفسها على ارض الواقع، خصوصا على صعيد الخدمات، وفي طليعتها الكهرباء التي ما يزال الكثيرون يراهنون على ان نجاح الحكومة مرتبط بإخراج لبنان من سطوة العتمة المستوطنة حياة اهله منذ الحرب الاهلية عام 1975.
مشكلة الحكومة ليست فقط في عدم تجانسها وتعدد فرقائها وتشتت آرائها وتوجهاتها، بل ايضا في منطق التحدي الذي يمارسه بعض اقطابها في التعاطي مع القرارات المطلوبة، وأكبر مثال على ذلك مرسوم تصحيح الاجور الذي سقط للمرة الثالثة بسيف مجلس شورى الدولة، وهي سابقة لم يشهدها تاريخ لبنان من قبل.

بصورة أوضح، يأخذ بعض المراقبين على "التيار الوطني الحر" بزعامة العماد ميشال عون، انه يتعاطى مع المشاريع التي يطرحها على الحكومة بمنطق الفرض والتحدي، مع العلم انه الطرف الأكثر حيوية وجهدا ومبادرة خصوصا في الشأن الذي يعني حياة الناس، انطلاقا من الوزارات التي يتولاها التيار وهي الطاقة والعمل والاتصالات والصناعة والسياحة. الا ان المراقبين في الوقت نفسه يلحظون داخل الحكومة من يقابل التحدي بالتحدي والنكد، وكأن المطلوب حرمان التيار الحر من تسجيل المكاسب التي تؤهله خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة برصيد سياسي وشعبي وازن، منسجما في ذلك مع نهج المعارضة تجاه العماد عون وتياره العريض.

الا ان الأهم من ذلك كله ان المواطن يريد ان يأكل عنبا من كروم الحكومة، وسوف يحاسب اطرافها على هذا الاساس, على الرغم من العصبيات التي تحكم عادة التوجهات الانتخابية للمواطنين اللبنانيين. ولم يعد خافيا على أحد ان الاحباط بدأ يضرب الناس، وقد يؤسس لمنطق جديد يماشي حالة "الربيع العربي" تجاه الحاكمين في لبنان. ويفترض ان يشكل ذلك جرس انذار للحكومة بكل أقطابها وفرقائها.
في الخلاصة، ان حكومة تتحدى نفسها بنفسها لن تنتج الا المزيد من الاحباط للناس، وقد أخذت الفرصة تضيق امامها شيئا فشيئا قبل ان تنفجر من الداخل، لأن اكثر من طرف فيها لا يفضل ان يواجه استحقاق العام 2013 بحكومة فاشلة. ولعل الاشهر الستة المقبلة خير مؤشر على هذا المصير.  

السابق
لا انترنت في بنت جبيل ومرجعيون
التالي
تهديم مبنى اليونيفيل في صور