هل تم تمرير الماء تحت قدمَي الجنرال؟

لم يتنعّم النائب العماد ميشال عون كثيراً بانتصاره في ملفّ الأجور. وتبيّن له بعد أسبوع من فوزه بالتصويت في مجلس الوزراء أن «لا شيء معي إلّا كلمات»!

في جلسة مجلس الوزراء التي تمّ فيها التصويت على القرار المتعلّق بتصحيح الأجور، جرى السيناريو الآتي: خرج وزراء قبل انتهاء الجلسة وأبلغوا وسائل الإعلام أنّ الاتّفاق قضى بزيادة الحدّ الأدنى للأجور الى 675 ألف ليرة، وباحتساب النِسب على الشطور، أي وفقاً لما كان ممثّلو العمّال والهيئات الاقتصادية قد توصّلوا إليه. وأُذيعت في نشرات الأخبار التلفزيونيّة تفاصيل هذا الاتّفاق مباشرة من مجلس الوزراء، ونُقل ذلك عن الرئيس نجيب ميقاتي. وقد هلّل الجميع بهذه التسوية التي جرى اعتبارها الأولى بين طرفي الإنتاج منذ سنوات طويلة.

لكنّ المفاجأة كانت تنتظر. فبعد لحظات، تردّد أنّ الاتّفاق الذي جرى تسريب تفاصيله لم يتحقّق فعلاً، وأنّه تمّ التصويت على مشروع وزير العمل شربل نحّاس ففاز بغالبية الأصوات. وظهرت علامات الاستياء على وجه الرئيس ميقاتي لدى خروجه من الجلسة. وفي المقابل، عبّر "تكتّل التغيير والإصلاح" عن ارتياحه واطمئنانه.

السبب الأساسي في شعور الارتياح هو أنّ حلفاء العماد عون وقفوا الى جانبه في مجلس الوزراء. وهو كان انفجر قبل أسبوع عندما صوّت الحلفاء، ولاسيّما "حزب الله" ضدّ مشروع نحّاس. وشنّ نوّاب التكتل ووزراؤه يومذاك حملة لم يَسْلَم منها "الحزب". واتّهمت الرابية حلفاءَها بأنّهم شكّلوا تحالفاً خماسيّاً ضدّها. ولم تهدأ العاصفة بين الحلفاء إلّا بعد لقاء بين السيّد حسن نصرالله والعماد ميشال عون.

الواضح أنّ التردّد الذي شهدته الجلسة الأخيرة من مسلسل تصحيح الأجور كان ناجماً عن تردّد "حزب الله" تحديداً. فهو لا يريد إزعاج ميقاتي وحشْرَهُ الى حدودِ دفعِهِ الى الاستقالة. وهو من أجل هذا الهدف وافق على تمرير تمويل المحكمة الدوليّة، أي على ما هو أهمّ وأشد خطورة بكثير من ملفّ الأجور. كما أنّه لا يريد إغضاب العماد عون، الحليف المسيحي الذي يوفّر له، وهو الطرف الشيعي، غطاء وطنيّاً.

 التهديدات المسرّبة لطمأنة "الجنرال"

في الترجمة، لا يريد "حزب الله" خسارة الحكومة لأنّها لا تعوَّض. ولا يريد خسارة عون لأنّه لا يعوَّض أيضاً. ولذلك هو ارتأى أن يكون المخرج في إقناع ميقاتي بالتنازل والقبول بالهزيمة بالأصوات أمام عون في مجلس الوزراء، لأنّ هذا الانتصار سيتمّ إلغاؤه، دستوريّاً في مجلس الشورى، وواقعيّاً في تعذّر إقناع الهيئات الاقتصادية بالتزام القرار.

وهذا ما حصل فعلاً. ويشعر اليوم العماد عون بأنّه أصيب بهزيمة جديدة. لكنّ "حزب الله" قادر على التأكيد أنّه ليس مسؤولاً عنها، بل هو قدّم لـ"الجنرال" إثباتاً لصوابيّة موقفه "الواقعي" في الجلسة السابقة، أي تلك التي "اضطرّ" فيها إلى معارضة عون.

البعض على ثقة في أنّ الحملة التي شنّها "حزب الله" على ميقاتي وحكومته في الأيّام الأخيرة، إلى حدّ تسريب التهديدات بأنّ "الحزب" لن يقبل بعد اليوم "بالتراخي" في مواجهة ميقاتي، كانت "مدروسة". وقد كانت مادتها الأساسيّة التهديد بإسقاط الحكومة قبل شباط، على خلفيّة أنّ "الحزب" يرفض التمديد لبروتوكول التعاون حول المحكمة الدوليّة، أي أنّه لن يقبل بتكرار سيناريو التمويل في مسألة التمديد.

لا بديل من ميقاتي ولا عون

لكنّ المطّلعين يؤكّدون أنّ "الحزب" لن يقوم بأيّ عمل يؤدّي إلى إسقاط الحكومة، في شباط أو آذار المقبلين كما في تشرين الفائت. فالمقتضيات الداخلية والسورية لاستمرار حكومة ميقاتي لم تتغيّر، وهي لن تتغيّر في المدى المنظور.

لكنّ "الحزب" لن يُفلِت "الجنرال". وهو سيحاول إرضاءَه بأيّ وسيلة. فهذه الغاية تبرّر أيّ وسيلة. وسيوحي "الحزب" لحليفه المسيحيّ بأنّ له الأولويّة. لكنّه في الواقع سيمشي بين النقاط والألغام في طريق صعب للحفاظ على الجميع. ونموذج "الشيك" الذي قبضه "الجنرال" قبل أسبوع، ليتبيّن أنّه من دون رصيد، مرشّح للتكرار في مناسبات وملفّات واستحقاقات أخرى.

و"الجنرال" قد لا يكون مدركاً أنّ الماء تجري تحت قدميه، أو قد يكون مدركاً لذلك، ولكنّه لا يريد أن يصدّق. فلا مصلحة في الحقيقة أحياناً، خصوصاً عندما تكون الحقيقة صعبة. 

السابق
الجمهورية: الجدل يتجدد حول الأجور ونحاس لم يسلّم رد الشورى الى مجلس الوزراء
التالي
التعيينات الادارية