اللواء: جلسة عادية في السراي بغياب مرسوم الأجور المردود والتعيينات المستحيلة

بقدر ما تلقى «التيار الوطني الحر» ما اعتبرته اوساطه ضربة قاسية في موضوع تصحيح الاجور، جاء رده بمثابة هروب انتحاري الى الامام، من خلال دفع مجلس النواب ورئيسه الى مشكلة سياسية، وربما تؤدي الى ازمة وطنية، على خلفية دعوة مجلس النواب لاتخاذ موقف من ملاحقة الرئيس فؤاد السنيورة، عندما كان وزيراً للمالية، في خضم مواجهة ضارية مع الرئيس نجيب ميقاتي حول صلاحيات رئيس الحكومة، وحملة ضمنية على رئيس الجمهورية علي خلفية التعيينات في المواقع المخصصة للطائفة المارونية في مراكز الفئة الاولى، ولا سيما رئاسة مجلس القضاء الاعلى.

وفي اول جلسة لمجلس الوزراء يأتي وزراء التيار العوني وكأنهم ذاهبون الى ساحة مواجهة، بعد سلسلة الخيبات التي مني بها اداؤهم، على الرغم من التفاهم على تمرير المراسيم التطبيقية لقانون النفط الذي قد لا يحتاج الى اكثر من لحظات، وعلى الرغم من سحب ملف الاجور الذي لم يكن مدرجاً اصلاً على جدول اعمال الجلسة، ومع غياب ملف التعيينات عن الجلسة المليئة بسلف خزينة يتجاوز الـ250 مليار ليرة لبنانية، بعدما كادت الموازنة تلتحق بغياهب النسيان، في ظل فوضى وانعدام رؤية يزيدها تفاقماً الخلاف السياسي المتصاعد ازاء كل الملفات المطروحة، سواء في الداخل، او تلك التي تتصل بمجريات الازمات الاقليمية، وعلى وجه الاخص الازمة السورية، اذ سجل موقف للنائب وليد جنبلاط منها يشكل ذهاباً لا عودة عنه باتجاه القطيعة مع نظام الرئيس بشار الاسد.

وشكل قرار مجلس شورى الدولة برد المرسوم الذي اعده وزير العمل شربل نحاس لتصحيح الاجور، هزيمة سياسية للتيار العوني، ليس على مستوى الاداء فقط، بل ايضاً على مستوى التعامل مع مجلس الوزراء، حيث يحاول وزراؤه فرض مواقفهم ووجهات نظرهم من مختلف الملفات المطروحة على الحكومة، بدءاً من موضوع الكهرباء وصولاً الى الاجور الذي رده مجلس الشورى، رغم محاولات الوزير نحاس توضيح بعض بنود المرسوم، وثني المجلس على اتخاذ قراره بالرفض.
وعلى المستوى الشخصي، فإن قرار مجلس الشورى يعتبر الهزيمة الثانية للوزير نحاس، بعد هزيمته الاولى في مجلس الوزراء، حيث صوتت اغلبية الوزراء ضد المشروع الذي تقدم به لتصحيح الاجور، في محاولته الثانية، الامر الذي يطرح سؤالاً كان موضع تداول لدى الاوساط السياسية والنيابية، عما اذا كان الوزير نحاس سيستقيل بعدما رفض مجلس الشوري مشروع المرسوم الذي اعده، بعدما كان مجلس الوزراء قد صوت ضد مشروعه الاساسي لتصحيح الاجور، في المرة الثانية، وإن كان سقط لاحقاً في مجلس الشورى؟
ويعكس هذا السؤال مدى التخبط الذي يعيشه التيار العوني، في ضوء الصدمات التي يتلقاها، سواء داخل الحكومة او خارجها، بسبب عدم واقعية طروحاته الاقتصادية والخدماتية قياساً على الامكانات المتاحة والمعادلات السائدة في البلد، وهذا التخبط الذي يفسر اسباب زيارة الوزير جبران باسيل للبطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي حيث اشتكى اليه ما وصفه «بالعرقلة المفتعلة في وجه اعماله التي تعود بالخير على كل اللبنانيين»، فضلاً عن المعطيات والمخاوف والهواجس التي يعيشها يومياً هو وزملاؤه وزراء التيار سواء في الادارة او في التعيينات.
ومهما كان من اسباب الشكوى العونية للراعي، فقد اعتبرت الأوساط تعمد غياب النائب ميشال عون عن منبر التكتل الأسبوعي، بالرغم من ترؤسه اياه أمس، يعكس ذروة التوتر الذي يعيشه التيار ورئيسه، بعد سلسلة الهزائم المتلاحقة، والتي أثبتت عدم قدرة التيار ووزرائه على الاحاطة بالملفات المطروحة، على مختلف الصعد المعيشية والاجتماعية والإدارية بالجدية اللازمة.

فالكهرباء مثلاً، والذي خاض التيار معركة قاسية لإقرار مشروع الوزير باسيل، لم يلمس اللبنانيون على صعيدها تقدماً، مثلها مثل الاتصالات التي وضع وزيرها نقولا صحناوي رأسه برأس مدير عام أوجيرو المهندس عبدالمنعم يوسف، من دون أن يلتفت الى التقنيات الحديثة في مجالات الاتصالات الهاتفية والخلوية، وحصر همه في تعيين مسؤولة عونية في مركز الوزارة في طرابلس هدّد النائب محمد كبارة بمنعها من تسلم مهامها فيه، في حين ان وزير السياحة فادي عبود جعل من مشاريع وزارته عناوين لمواجهة سياسية مع رئيس الحكومة، سرعان ما تبين انها تقتصر على ملء مراكز شاغرة بموظفين محسوبين عليه، والطلب أخيراً من مجلس الوزراء بوضع 50 خط هاتف خلوياً بتصرف وزارته لتأمين الاتصال بينه وبين سائر الأقسام خارج الوزارة، بحسب ما ورد في البند 72 من جدول اعمال جلسة اليوم.
اما الأجور، فحدث ولا حرج، بدليل أن الحكومة تتخبط بهذا الموضوع منذ أكثر من ثلاثة أشهر، «بفضل» سياسة وزير العمل التي لم يفهمها أحد من الاتحاد العمالي العام، ولم تهضمها الهيئات الاقتصادية، وكانت النتيجة حتى الآن ثلاثة قرارات لتصحيح الأجور، ردهما جميعاً مجلس شورى الدولة لمخالفتها القوانين، فيما الأسعار التهمت الزيادة الموعودة قبل ان تدخل في جيوب المواطنين.

 واللافت أن التيار العوني، وتكتل «التغيير والاصلاح» بدل أن يُبادر إلى تصحيح مساره، ويقر بخطأ وزيره على صعيد الأجور، اعتبر أن هناك ثغرات تشوب رأي مجلس الشورى، محرضاً الحكومة على عدم الأخذ بهذا الرأي باعتباره استشارياً وليس ملزماً لها، ولم يجد امامه كذلك سوى أن يهاجم الرئيس السنيورة ويطالب بملاحقته امام مجلس النواب، ومحاكمته امام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، على خلفية ما وصفه بالارتكابات التي قال انها طالت الاموال العامة عندما كان وزيراً للمالية، استناداً إلى تقارير ديوان المحاسبة، الأمر الذي دفع كتلة «المستقبل» النيابية إلى اتخاذ قرار بالرد سريعاً، من خلال مؤتمر صحفي تقرر أن يعقده نائبان من الكتلة في خلال 48 ساعة مدعماً بالوثائق والاثباتات التي تدحض اتهامات عون.
وبحسب مصدر في الكتلة، فان مطالبة عون بمحاكمة السنيورة، هي عبارة عن هجوم دفاعي للدفاع عن أداء وزرائه تعويضاً عن فشلهم وارتكاباتهم، معتبراً ما جاء في بيان التكتل أمس، نموذجاً عن أداء كيدي، تتخوف الكتلة من ان ينعكس على أداء الحكومة في التعيينات الإدارية المقبلة، حيث حذّرت من خطورة ما وصفته «اعتماد الانتقام والكيدية والسياسة الزبائنية والمحاصصة الحزبية والفئوية التي تحول الإدارة الى ساحة للصراع والنكايات».

وشددت الكتلة في بيانها الأسبوعي على التمسك بالاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه بين العمال وأصحاب العمل في ما يتعلق بتصحيح الأجور، وطلبت من الحكومة أن تتوقف هي ووزراءها عن الدخول في مغامرات مالية واقتصادية غير محسوبة النتائج، مسجلة على رئيس الحكومة السماح بالتصويت داخل مجلس الوزراء على مشروع مخالف للاتفاق المذكور ومخالف ايضا لدور الدولة الراعي للاتفاق بين طرفي الانتاج.
اما بالنسبة إلى تطور الاوضاع المحيطة ببلدة عرسال والتي افتعلها موقف وتصريح وزير الدفاع فايز غصن، والذي عاد وكرره مساء امس في مقابلة مع محطة O.T.V معاتباً زميله وزير الداخلية مروان شربل، فقد لاحظت الكتلة انه تصريح موحى به ومطلوب، وجاء ليخدم توجه النظام السوري، بدليل الرسالة الموجهة من السلطات السورية الى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون، مشيرة إلى ان كلام النائب سليمان فرنجية (من دون ان نسميه) من ان الحملة على وزير الدفاع تستهدف الجيش اللبناني هو كلام مردود لاصحابه، ويستهدف ايقاع الفتنة بين الجيش والشعب والتغطية على ارتكابات وزير الدفاع الذي يحرض على وطنه، فيما يطالب اهالي عرسال ووادي خالد، ككل الشعب اللبناني بأن يتولى الجيش حماية الحدود مع سوريا ومراقبتها.
وفي هذا الصدد، اعلنت الكتلة انها سوف تتابع مساءلة وزير الدفاع من خلال المجلس النيابي، سواء عبر التحضير لاستجواب سوف تتقدم به الكتلة قريبا، او استدعائه للمثول أمام لجنة الدفاع النيابية الاثنين المقبل.

شلل حكومي

في موازاة كل ذلك، تفاعل موقف النائب جنبلاط الذي اقترب كثيرا باتجاه القطيعة مع النظام في سوريا، ولا سيما اعلانه ان «الحلول الامنية لا يمكن ان تشكل حلاً للأزمة القائمة في سوريا، والتي لن تحل إلا بتغيير جذري للنظام، وكان موضع اتصالات عاجلة جرت بين اكثر من مسؤول حتى لا يترك موقفه هذا ارتدادات على الوضع الحكومي، ويتسبب بسجالات داخلها.
وفي هذا السياق، علمنا ان الاتصالات تركزت بين الرئيسين نبيه بري وميقاتي مع جنبلاط الذي بادر إلى ارسال النائب اكرم شهيب لمقابلة رئيس الحكومة في السراي، موضحا ان موقفه ليس جديداً، وان كان قد أستند إلى قول الرئيس التشيكوسلوفاكي الراحل فافلاف هانل: «قوة الضعفاء» التي حركت وتحرك الثورات العربية للمطالبة بالحرية والكرامة والعزة.
وفهم انه استناداً للأجواء السياسية المحيطة بالحكومة، فان مجلس الوزراء الذي سينعقد اليوم في السراي، لن يتطرق لا إلى قضية الأجور، ولا إلى قضية التعيينات الادارية، وستقتصر الجلسة على جدول الأعمال الذي يتضمن 72 بنداً، معظمها سلف خزينة، إلى جانب موضوع المراسيم التطبيقية لقانون النفط، والتي لم يحسم احد من الوزراء إمكان صدورها اليوم.

وعزا مصدر حكومي تجاهل موضوع الأجور إلى أن الحكومة لم تتبلغ رسمياً ردّ مجلس شورى الدولة، فضلاً عن أن الجلسة ستعقد في السراي، وليس مطروحاً على جدول الأعمال.
ولفت المصدر إلى أن موضوع التعيينات ليس جاهزاً بعد، رغم أن الرئيس ميقاتي يحضر لورشة عمل كبيرة في هذا المجال، ستشمل أيضاً التشكيلات الدبلوماسية، الا انه وافق وزير الشؤون الاجتماعية وائل ابو فاعور على توصيفه بأن عقدة التعيينات لن تحل الا إذا حلت قضية تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى المرشح لها القاضي انطوان ضاهر، والذي يبدو أن ترشيحه لم يفك هذه العقدة المستعصية.

وأوضح المصدر أن الاجتماع المطوّل الذي عقده الرئيس ميقاتي مع رئيس مجلس الخدمة المدنية الوزير السابق الدكتور خالد قباني، وأن كان لم يحل العقدة، الا انه أرسى قاعدة وجوب احترام آلية التعيينات التي اقرها مجلس الوزراء، باعتبارها هي القاعدة التي تحكم سير العمل في مجلس الخدمة والحكومة معاً، بحسب تعبير الدكتور قباني الذي أكّد أن مجلس الخدمة جاهز بشكل كامل للسير بموضوع التعيينات قدماً، لافتاً لـ «اللواء» إلى أن هناك مسعى جدياً لإنجاز التعيينات، والعمل سيتم على هذا الصعيد تباعاً وبشكل منتظم، ونأمل ان تتم التعيينات بشكل يؤدي إلى رفع مستوى الإدارة، وملء الشغور في المراكز الأساسية في الدولة، بحيث يصل اصحاب الكفاءة وحدهم.
وكشف قباني بأن مجلس الخدمة يرسل ملفاته إلى رئاسة مجلس الوزراء، وهي التي تُعنى بها، مشيراً إلى أن التعيينات في مراكز الفئة الأولى يفترض أن تتم من داخل الملاك، ولم يستبعد الاستعانة بأشخاص من خارج الملاك إذا بقيت مراكز أخرى شاغرة. 

السابق
خمسة أنواع من المواطنين الشرفاء
التالي
الحياة: جنبلاط يدعو بني معروف إلى عدم المشاركة مع الفرق العسكرية في قمع الشعب السوري