تكاذب المعارضة السورية

الاعتراضات التي نشأت حول وثيقة الاتفاق السياسي بين قطبي المعارضة السورية في الخارج، «المجلس الوطني» و»هيئة التنسيق»، أكدت عمق الخلاف بينهما، وهي كشفت عن حال من التكاذب بين صفوف المعارضين. ظهر هذا حول تعريف التدخل الأجنبي ونوعه. الاتفاق ينص صراحة في مادته الأولى على، «رفض أي تدخل عسكري أجنبي يمس بسيادة واستقلال البلاد ولا يعتبر التدخل العربي أجنبياً». لكنه يلتف على هذا الموقف من خلال تفسير المادة الثانية التي تطالب بـ «حماية المدنيين بكل الوسائل المشروعة في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان».

أصرف النظر عن كلام الوثيقة حول «نزع القداسة عن العمل السياسي والمدني»، والذي اثار حفيظة الإخوان المسلمين، باعتباره مقدمة لرفض اي حكم يرفع شعاراً دينياً، وتلويحها بعلمانية الدولة، وتجاهل ذكر «الجيش السوري الحر» بالاسم، والسعي الى الهيمنة على مجريات الثورة وقرارها، وتهميش القوى الفاعلة على الأرض، ومساواة الجالس في العواصم الغربية، والمتحدث عبر القنوات الفضائية، بمن يبذل دمه وروحه من أجل حماية الشعب السوري. لا نتوقف كثيراً عند اقرار الوثيقة، ان سورية جزء لا يتجزأ من الوطن العربي وتأثير هذا على المسألة الكردية، وقضية مركزية الدولة وغيرها. كل هذا، على أهميته، جدل سابق لأوانه، المسألة الأهم: هل يتم الحسم على الطريقة التونسية ام على الطريقتين العراقية والليبية؟

لا شك في ان القضية المحورية في هذه الوثيقة هي التدخل الأجنبي. فرغم ان الورقة ترفضه الا أن تفسيراتها تقره، ووفق ما نشر في «الحياة» امس، فإن البيان الصادر عن مكتب برهان غليون، رفض «التدخل الأجنبي البري، الذي من شأنه المساس بوحدة الأراضي السورية واستقلالها»، لكنه وافق «على التدخل الأجنبي الذي يفرض مناطق عازلة تحت حظر جوي وبحري»، وهذا التفسير يتناقض مع حماية المدنيين في اطار القانون الدولي لحقوق الإنسان، فهذا الأخير لا يتم تنفيذه عبر الوسائل العسكرية وقرارات الامم المتحدة، وهو عمل معنوي صرف.

الأكيد ان المعارضة السورية في الخارج تعيش مأزقاً أخلاقياً. هي تدرك ان التدخل الدولي دعوة الى شرذمة البلد وتدميره، لكن سعيها الى الوصول الى السلطة يفرض عليها محاكاة نظرائها في العراق وليبيا، ويبدو انها ماضية في هذا الاتجاه، وعلى نحو لا تحسد عليه.  

السابق
السفير: سوريا: مهمة المراقبين تتقدم … بصعوبة
التالي
فكرة وسكرة