الحياة: إسقاط الحكومة اتفاق أرباب العمل والعمال… سابقة تطيح الدور الوازن لرئيسها

قالت مصادر وزارية لبنانية إن مجلس الوزراء كان في غنى عن التداعيات السلبية للتصويت على مشروع القانون الذي أعدّه وزير العمل شربل نحاس لتصحيح الأجور وأدى الى إطاحة الاتفاق الذي توصل إليه الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية في هذا الشأن باعتبار أن هذه التداعيات ستنسحب على الجلسات المقبلة للحكومة في ضوء إصرار رئيسها نجيب ميقاتي على إعادة النظر في طريقة تعاطيه بالأمور الرئيسة المدرجة على جدول أعمالها.

وأكدت المصادر نفسها لنا أن الخطأ لم يقع على عاتق الوزير نحاس و «التيار الوطني الحر» الذي يمثله ولا على وزراء «حزب الله» وحركة «أمل» والآخرين المنتمين الى قوى 8 آذار، إنما على رئيسي الجمهورية العماد ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي اللذين سمحا لوزير العمل بإسقاط الاتفاق الناجز لتصحيح الأجور الذي توافق عليه الاتحاد العمالي مع الهيئات الاقتصادية ووافقا على طرح مشروع نحاس على التصويت من دون تقديرهما لتأثيره السلبي في الوضع الاقتصادي في لبنان ككل.

ولفتت الى أن نحاس حقق انتصاراً وهمياً لن يكتب له التطبيق وأن وزراء «حزب الله» وحركة «أمل» اضطروا الى مراعاته بناء لإلحاح رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون وتهديده بالاستقالة بذريعة أن عدم إقرار مشروع وزير العمل يعني أن التحالف سقط في الاختبار خلافاً للتعهد الذي قطعه على نفسه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله للعماد عون.

وسألت المصادر عينها كيف سمح رئيسا الجمهورية والحكومة بتطيير اتفاق الاتحاد العمالي والهيئات الاقتصادية على رغم أنه حظي بتأييد وزراء «أمل» و «حزب الله» قبل أن ينقلبوا عليه لتفادي الوصول الى أزمة مع العماد عون، علماً أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري كان أول من سعى للوصول الى هذا الاتفاق ولعب دوراً للتقريب في وجهات النظر بين العمال وأرباب العمل.

ورأت المصادر أن تأييد وزراء «أمل» و «حزب الله» لمشروع نحاس لم يكن اقتصادياً وإنما سياسياً وإلا لما كانوا ترددوا في الدفاع عن اتفاق العمال وأرباب العمل. وقالت إن هذا الاتفاق بدا يتيماً لتراجع المدافعين عنه ممن شاركوا في صوغه.

وأكدت أنه لم يكن هناك مبرر لطرح مشروع نحاس على التصويت باعتبار أن تطبيق ما ورد فيه يلحق كارثة بالاقتصاد اللبناني لأنه يتضمن أفكاراً غير مدروسة ومتسرعة وشعبوية بصرف النظر عن المطالعة التي ستصدر في شأنه عن مجلس شورى الدولة.

وسألت المصادر: «هل يوقع رئيس الحكومة على مشروع نحاس على رغم أنه غير مقتنع بمضامينه؟». وقالت إن ليس هناك من قوة تفرض عليه توقيعه ليأخذ طريقه الى التنفيذ.

وعزت السبب الى أن لميقاتي رأياً وازناً في القرارات التي تصدر عن مجلس الوزراء، وبالتالي من غير الجائز تجاهل وجهة نظره، مع أن طرح أي قضية على التصويت هو من صلاحياته الدستورية.

وأضافت: «صحيح أن جلسة مجلس الوزراء كانت برئاسة رئيس الجمهورية الذي يحق له طرح الأمور الأساسية على التصويت في حال تعذر التوافق عليها، لكن الصحيح أيضاً أن رئيس الحكومة هو من يعد جدول الأعمال بعد التشاور معه وهو من يحق له أن يقترح التصويت».
 ومع أن المصادر تعترف بأن تصويت وزراء «حزب الله» و «أمل» على مشروع نحاس كان سياسياً بامتياز وخلافاً لقناعاتهم، فإنها في المقابل لم تعرف حتى الساعة الأسباب الكامنة وراء تضامن وزير الداخلية والبلديات مروان شربل في التصويت على مشروع نحاس وهو المحسوب على رئيس الجمهورية.

ولا تجد هذه المصادر تفسيراً لانقلاب شربل على موقف رئيس الجمهورية سوى أن الوزير اتخذ موقفه قناعة منه بأنه لن يتحمل مسؤولية تلبيد الأجواء بين سليمان وعون بعد اجتماعهما في بعبدا بمبادرة قام بها عدد من الشخصيات المارونية في محاولة لإنهاء القطيعة بينهما وفتح حوار لعله ينتج اتفاقاً يضع حداً للاختلاف حول تعيين الرئيس الجديد لمجلس القضاء الأعلى.

كما أن المصادر لا تعرف الاسباب التي حالت دون مبادرة ميقاتي الى الطلب من سليمان، وقبل التصويت على مشروع نحاس، رفع الجلسة، فيما يتردد حالياً أن رئيس الحكومة يستعد للقيام بهجوم معاكس من أجل وضع جميع القوى السياسية أمام مسؤولياتها حيال ما أعلنه وزير الطاقة جبران باسيل من أن مجلس الوزراء سيشهد بعد الآن معادلة جديدة.

وأكدت أن المعادلة التي تحدث عنها باسيل لن ترى النور لأن ميقاتي لن يقبل بعد الآن أن يقال عنه إنه يرأس حكومة يتفرد «التيار الوطني» وحلفاؤه في اتخاذ القرارات فيها.

وبكلام آخر، لن يقبل ميقاتي، كما تقول المصادر، أن يكون ملحقاً بأحد في مجلس الوزراء، وكذلك الأمر بالنسبة الى وزراء «جبهة النضال الوطني» برئاسة وليد جنبلاط، إضافة الى أن لا مصلحة لرئيس الجمهورية في تغييب دوره الوازن في مجلس الوزراء، وإلا فإن عون سيتصرف على أنه الرئيس غير المنتخب للبلاد وهذا ما لم يعط له في السابق، فكيف سيعطى له اليوم.

واعتبرت أن أجواء الاحتقان التي خلّفتها الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء ستؤدي في حال استمرت من دون علاج الى انعدام الانسجام في مجلس الوزراء وتحويل الحكومة الى مجموعة من المربعات السياسية وهذا ما لا يتحمله وزراء «أمل» و «حزب الله» لما يترتب عليه من رد فعل من جانب ميقاتي.

وقالت إن نحاس ومن معه انتزع «هدية مسمومة» بسبب جرّه مجلس الوزراء للتصويت على مشروعه، إضافة الى أنه ليس في مقدور سليمان وميقاتي أن يكونا شريكين في هذه الهدية التي تضع البلد أمام المجهول بالمعنى الاقتصادي للكلمة وتقحم أرباب العمل والعمال في مشكلة على خلفية عدم قدرة الهيئات الاقتصادية على تطبيق المشروع، خصوصاً أنهما توصلا الى اتفاق لكن الحكومة صوتت ضده وهذه خطوة غير مسبوقة في تاريخ الحكومات في لبنان التي كانت تتبنى من دون تردد أي اتفاق من هذا القبيل.

لذلك، فإن مجلس الوزراء، في ضوء تصويته على مشروع نحاس، سيدخل في مرحلة سياسية جديدة من مؤشراتها أنه سيكون لميقاتي أسلوب آخر في تعاطيه مع الأمور المدرجة على جدول أعماله، ناهيك بأن تباهي باسيل بأن ما حصل أدى الى استحداث معادلة جديدة ستقحم الحكومة في اشتباك سياسي جديد يمكن أن يرتد سلباً على السلطة التنفيذية التي لن تسلم بشروط عون في التعيينات الإدارية العالقة بسبب إصراره على أن تكون حصة المسيحيين فيها من نصيبه بذريعة أنه يمثلهم في الحكومة وأن لا شيء «يمشي» من دون موافقته مع أنه يدرك أنه سيواجه «فيتو» من قبل ثلث أعضاء الحكومة زائداً واحداً إلا إذا عدّل رئيس الجمهورية في موقفه.

وعليه فإن الاستئثار بالسلطة من جانب عون من شأنه – وفق المصادر الوزارية – أن يشل قدرة الحكومة على الإنتاج من ناحية وأن يعيد خلط الأوراق من ناحية ثانية ما لم يضغط «حزب الله» على حليفه ناصحاً إياه بالتكيف لضمان بقاء الحكومة. 

السابق
اللواء: 56 قتيلاً في باب عمرو ومهمة المراقبين تبدأ اليوم
التالي
البناء: محاولات لتسييس مهمة الوفد العربي وتسجيل عن سيناريو لفبركة التقارير