علي فضل الله: للتعامل مع ملف الأجور كحق للعمال على السوريين الدخول في حوار جاد يخرج البلاد من واقعها

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته السياسية: "استبشرنا واستبشر العراقيون وكل المستضعفين بانسحاب آخر جندي أميركي من أرض العراق، هذا الاحتلال الذي جثم على أرض العراقيين وصدورهم لتسع سنوات، عانوا خلالها أقسى الآلام والمعاناة، وسقط جراءها مئات الآلاف، وجرح وأعيق أكثر من هذا العدد بكثير".

وأضاف:" لقد كنا نعرف منذ البداية، كما يعرف الكثيرون، خطورة وجود هذا الاحتلال وأهدافه، وأنه لم يأت لسواد عيون العراقيين، فهو جاء لتحقيق مصالحه وتعزيز حضوره في العراق، ولجعله قاعدة لتنفيذ مشاريعه وخدمة للكيان الصهيوني وحفظ وجوده وموقعه الأقوى في المنطقة. لقد كنا نعرف أن هذا الاحتلال لن يخرج من العراق إلا مرغما، وإن خرج، فسوف يترك بذور الفتنة التي أسس لها بوجوده، وأراد لها أن تستمر بعد خروجه، مستفيدا من التناقضات الطائفية والمذهبية والعرقية والقبلية ومن أجواء التوتر والتشنج في تعامل المواقع السياسية بعضها مع بعض، ليبقى حاجة للعراقيين وملجأ لهم ويبقى العراق ضعيفا غير قادر على النهوض للعب دوره الفاعل. وهذا هو الذي نخشى أن يكون قد تحقق في الساحة العراقية التي باتت تشهد انقساما سياسيا حادا وخطيرا يهدد العملية السياسية الجارية الآن في العراق، ومع الأسف، يسعى البعض لإعطاء هذا الانقسام بعدا مذهبيا وطائفيا، مع أن الأمر لا يتجاوز في حدوده البعد القضائي".

وتابع:"لذلك فإننا ندعو المسؤولين العراقيين إلى وعي خطورة المرحلة وما خطط له الاحتلال والقيام بمسؤولياتهم الإسلامية والوطنية لمنع انزلاق العراق إلى أجواء الفتنة وغرقه مجددا في آتون المتفجرات والمجازر التي أرهقت العراقيين طويلا، وما حصل بالأمس يشير إلى ذلك. فالعراقيون كل العراقيين الذين وثقوا بحكومتهم، هم أحوج ما يكونون إلى الأمن والاستقرار، وتأمين متطلباتهم وسبل النهوض بواقعهم الذي يعاني الكثير".

وقال:"إننا نؤكد على كل القوى السياسية الفاعلة أن تخرج من خطابها المتشنج وأن تعالج القضية المطروحة بوعي وحكمة وبروح مسؤولة وتبقيها ضمن أطرها القانونية والسياسية، لتفويت الفرص على المصطادين بالماء العكر. لقد علمتنا التجارب أن الفتنة المذهبية أو أي فتنة لن تفيد أحدا، بل ستحرق الوطن وتجعله فريسة الآخرين الذين يتربصون به شرا. إن الوفاء لكل هذه الدماء التي نزفت وتنزف الآن في العراق، هو أمر يتطلب المزيد من توحيد الجهود والطاقات والتكاتف لمنع كل العابثين بالأمن والسياسة والاقتصاد ممن لا يريدون بالعراق خيرا".

وأضاف:"أما سوريا، فإننا نأمل أن تكون موافقتها على حضور فريق المراقبين العرب إليها، بمثابة البداية لتهدئة يمكن أن تتطور نحو اتفاق ترعاه الجامعة العربية، وتساهم من خلاله بإطلاق عجلة الحوار بين المعارضة والنظام، بعدما كنا نخشى أن تكون الجامعة أداة لتعقيد الأمور تمهيدا لتدويل الأزمة".

وتابع:"إننا نتطلع إلى لحظة تتحمل فيها الجامعة العربية مسؤوليتها الحقيقية لإبقاء موقعها الجامع والموحد، وتتحمل المسؤولية حيال الأرواح التي تزهق بغير حق، لتعود سوريا إلى موقعها الريادي، ليحصل الشعب فيها على ما يتطلع إليه من الحرية والكرامة والإصلاح، وفي الوقت نفسه، تبقى ساحتها ساحة منعة وعزة وقوة في مواجهة العدو الذي يتربص الدوائر بسوريا وبالأمة كلها. إننا نشد على أيدي جميع السوريين أن يستفيدوا من هذه المرحلة للدخول في حوار جاد وموضوعي يخرج سوريا من واقعها ويوفر الدماء التي تنزف هناك لتكون في موقعها الصحيح في مواجهة العدو الصهيوني".

وأضاف:"نحن في الوقت الذي نؤكد أهمية أن يكون العرب جميعا في موقع الوحدة والاتحاد والتضامن والتعاون، وأن تكون الأمة الإسلامية كذلك، لا بلدان مجلس التعاون الخليجي فقط، رغم تقديرنا لأي خطوة توحيدية تصب في العمل التوحيدي العربي والإسلامي. فإننا نريد للجميع ألا يتناسى فلسطين وألا تتحول البندقية والموقف والوحدة بغير اتجاه العدو الصهيوني لكي يبقى هو المشكلة لا أن تكون المشكلة في قوة هذا البلد العربي والإسلامي أو ذاك. إننا نقول للجميع إن أي وحدة واتحاد لا ينطلق من هذه القاعدة سيؤدي دورا سلبيا وفي غير الموقع الصحيح، وسوف يوظف في الصراعات الداخلية أو يتحول إلى الوحدات والاتحادات الأخرى وحدات شكلية لا قيمة لها، لتضعف وتتلاشى أمام طموحات هذا العدو الذي يمثل وحده المشكلة الأساسية للبلدان العربية والإسلامية، ولدول الخليج بالذات".
وتابع:" إن القدس التي يعلن العدو عن بناء ما يزيد عن ألف وحدة سكنية جديدة فيها لحساب مستوطنيه، تستصرخ الضمائر العربية والنخوة العربية والإسلامية. ونحن في الوقت الذي نهنئ فصائل المقاومة الفلسطينية مجددا، وخصوصا حركة حماس في اكتمال نصرهم ونجاحهم في إطلاق الدفعة الثانية من الأسرى الفلسطينيين من يد العدو، نؤكد على الفلسطينيين استمرار جهادهم من أجل إخراج بقية الأسرى، كما نؤكد على الفلسطينيين في المخيمات، لا سيما في مخيم عين الحلوة، أن تبقى عيونهم محدقة باتجاه فلسطين، ولنصرة قضيتهم الكبرى والأساس والتي لأجلها يعانون، وألا يسمحوا بإدخالهم في أتون فتنة داخلية تستنزف الدماء في غير موقعها الحقيقي والأساس، إذ يكفي الشعب الفلسطيني معاناة الحاجة لأبسط مقومات الحياة، ومن هنا ندعو كل الفصائل الفلسطينية والعقلاء للتحرك سريعا حفظا لفلسطين وللأمن اللبناني والفلسطيني".

وقال:"أما مصر، التي عادت إلى دوامة العنف، من خلال الإصرار على الزج بالقوى الأمنية في مواجهة المتظاهرين المسالمين، واستهدافهم بالرصاص، فإن وضعها الجديد يعيدنا إلى الصورة التي نريد لها أن تنتهي، أن لا يكون الجيش في مواجهة الشعب، بل أن يكون لخدمته، وفي موقعه الأساسي في مواجهة العدو الحقيقي للمصريين والأمة كلها. إننا ندعو الشعب المصري إلى مزيد من الوعي ليحافظ على نتائج ثورته ومكتسباتها، فلا تضيع وسط أتون الفوضى التي يراد لمصر أن تغرق فيها".

وأضاف:"أما لبنان، الذي عاد إلى المربع الأول في عملية تصحيح الأجور، بعد عملية تقطيع الوقت وحرق المراحل، فإننا نريد لهذه العملية الجديدة أن تترافق مع دور حقيقي لمصلحة حماية المستهلك، حتى لا تسقط الأجور مجددا تحت وطأة ارتفاع الأسعار. إننا ندعو الحكومة إلى أن تتعامل مع هذا الوضع على أساس أنه حق من حقوق العمال والطبقات المحرومة خصوصا، لا على أساس أنه ربح سياسي لهذا الفريق أو ذاك. وفي الوقت نفسه أن تهتم بدراسة كل السبل التي تساهم في حماية المؤسسات الاجتماعية والتربوية والاقتصادية كي لا تنوء تحت وطأة هذه الزيادة بما يربك دورها ويجعلها غير قادرة على متابعة مسيرتها التي توقع البلد في أزمات اجتماعية واقتصادية كبيرة، فالبلد لا تحل مشكلته إلا بالنظرة الشاملة التي تعي حاجات العمال الذين هم عماد البلد، كما تعي متطلبات النهوض الاقتصادي الذي ينبغي أن يبقى في نموه المتصاعد. وليس بعيدا عن هذا الأمر، فإننا ندعو كل المعنيين من دولة وجمعيات وعلماء وموجهين وتربويين إلى الالتفات جيدا إلى الواقع الأخلاقي والديني وإلى حال التردي في القيم التي تحتاج إلى تضافر جهود الجميع وتعاونهم. نريد لهذا البلد الذي تتلاقى مذاهبه وطوائفه وكل تنوعاته على الاخلاق والقيم ونبذ كل ما يمس بها، لا أن تسقط فيه القيم على مذبح النزوات الفردية، أو أن تتداعى في ساحة الإهمال الرسمي وغير الرسمي، لأننا إذا خسرنا القيم والأخلاق فإننا نخسر مبرر وجودنا".  

السابق
النابلسي: الوضع العراقي يتسم بالحساسية والتعقيد
التالي
استشهاد عدد كبير من المدنيين والعسكريين في دمشق