الأسد وفرصة الشهرين: مَن يتعب أو يخاف؟

لم ينجح الرئيس بشّار الأسد في تعديل بروتوكول المراقبين، خلافاً لما أعلنه وزير خارجيته، لكنه استطاع ضبط سقفه الزمني بشهرين… وهما فرصة ثمينة جداً للنظام.

يسود في الأوساط القريبة من دمشق ارتياح الى توقيع بروتوكول المراقبين. وهذا الارتياح ليس مناورة يُراد منها تصوير الهزيمة انتصاراً، كما يعتقد البعض، بل هو ارتياح حقيقي نتيجة حصول النظام على فرصة ذهبية كان يتوق إليها في أصعب اللحظات. فالزمن السوري قَبْل القبول بالمبادرة وتوقيع البروتوكول كان يُقاس بالأيام أو الأسابيع. وبَعدهما أصبح يُقاس بالأشهر. فالعامل الذي استطاع الأسد إدخاله على البروتوكول، أي سقف الشهر القابل للتمديد شهراً آخر، أعطاه فرصة من المساومات تمتد إلى شباط المقبل، حدّاً أدنى، لعلّ المناخ الإقليمي والدولي يصبح يومذاك أكثر ملاءمة له. وقد سبق لهذا النظام أن وصل منذ أيام الرئيس حافظ الأسد إلى وضعيات صعبة مع محيطه الإقليمي، وصلت أحياناً إلى حدّ تهديد تركيا باجتياح شمال سوريا، لكنه نجح في المقايضات التي تنأى به عن المخاطر.

فالرئيس السوري يراهن على استثمار الوقت. ولا تتوقّع المصادر العليمة أن يتمكّن المراقبون من تحقيق كثير من أهدافهم في سوريا. فتجربة المراقبين العرب في لبنان، مع النظام إيّاه، لم توصل إلى نتيجة. لكنّ الوقت المستهلَك في عملية المراقبة سيتيح إبقاء الملف في الجامعة العربية، ومنع إحالته إلى مجلس الأمن. وفي هذا المجال، تضطلع روسيا بدور استيعابي للنقمة الدولية على الأسد. والطرح الذي تقدّمت به أخيراً لا يخرج عن هذا الهدف.

مَطالب لم تتحقّق

المعلومات الديبلوماسية التي توافرت عن حركة الأيام الأخيرة بين دمشق والجامعة العربية، وعن خلفيات المبادرة العراقية، تؤشّر إلى الآتي:

1 – أصرّت دمشق على أن تقوم الجامعة العربية، مقابل الموافقة على المبادرة وتوقيع البروتوكول، بإلغاء العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها أخيراً، والعودة عن قرار تجميد عضوية سوريا في مجلس الجامعة، وعودة الاعتراف بالنظام كمحاور وحيد باسم سوريا، أي عدم التواصل مع المجلس الوطني ووقف دعمه وتغطيته سياسياً. وهذه المطالب لم تتحقّق، لأنّ الجامعة، ولا سيما الجانب القطري، تمسّكت بأولوية أن يقدّم النظام براهين على رغبته في الاستجابة إلى المطالب الإصلاحية والمبادرة العربية كاملة، وفي مقدّمها وقف القمع الدموي وسحب القوى الأمنية من الشارع وإطلاق المعتقلين.

2 – طالب النظام بأن تبعث الجامعة بكتاب إلى الأمم المتحدة تبلغها فيه بأن دمشق التزمت المبادرة العربية. وهذا ما يخدم النظرة الدولية إلى النظام. لكن ذلك لم يتحقّق أيضاً.

3 – أرادت دمشق حصر المراقبين بالعرب، وضبط السقف الزمني لبروتوكول التعاون، وهذا المطلب جرت الاستجابة إليه. لكن تعديلات على النصّ أرادها الجانب السوري، من شأنها التخفيف من هوامش تحرّك المراقبين، رفضت الجامعة الاستجابة لها. إلّا أنّ هناك اعتقاداً بعدم قدرة هؤلاء على القيام بدورهم عملانياً وفقاً لما ترغب المعارضة السوريّة.

4 – قامت بغداد بدور أساسي في إخراج التسوية. فرئيس وزرائها نوري المالكي الذي استطاع بتحالفاته الداخلية، المدعومة سوريّاً وإيرانياً، أن ينتزع رئاسة مجلس الوزراء من أياد علاوي، على رغم فوز كتلة الأخير في الانتخابات التشريعية، يردّ اليوم هذا الدعم للأسد. وتربط المصادر الديبلوماسية بين توقيت المبادرة العراقية وحدثين بارزين: الانسحاب الأميركي من العراق وتوجيه الاتهام إلى نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، المنتمي إلى كتلة علاوي، بتدبير محاولة انقلاب. وإذا نجح النظام في ضمان بقائه في سوريا، فإنه سيكون قادراً على ردّ الدعم للمالكي في الداخل العراقي، مرّة أخرى.

… ستخاف الأنظمة؟

فالرئيس الأسد، وفقاً للمصادر، يراهن على خوف القوى العربية الكبرى من تداعيات الثورة في سوريا، واهتزاز الأنظمة في دول الخليج وبعض جيران سوريا، كالأردن، ونمو السلفيين على نحو يخيف هذه الأنظمة. ومن مصلحة النظام في سوريا، إطالة الوقت لتقديم نماذج الفوضى في مصر وسواها من الدول التي سبقته إلى التغيير. وكل ذلك، قد يؤدي إلى "تعب" المجتمع الدولي وإصابته بالضجر من الملف السوري وتغيير المناخ تجاهه.

وسيملأ النظام هذه الفترة، وفقاً للقريبين منه، بـ"سلّة من الإصلاحات" تتضمن حكومة برئاسة غير بعثي تشارك فيها أسماء بارزة من معارضة الداخل، وربما إلغاء المادة 8 من الدستور التي تنص على أن البعث هو الحزب القائد، وحلّ القيادة القطرية.

هل سينجو النظام بتمرير المرحلة؟

المعارضة تبدي هواجسها في هذا المجال. ولذلك هي سارعت إلى الردّ على توقيع بروتوكول المراقبين بالمطالبة بقوات ردع، لأنها خائفة من استمرار القمع على رغم المراقبين. واللافت هو أن يوم توقيع البرتوكول شهد سقوط مئة قتيل. ولكن، في ظل المسار الحالي لاندفاع الثورة، وللمواقف العربية والدولية، سيكون صعباً على الأسد استثمار الوقت… إلّا إذا دخلت لعبة المصالح وعوامل الخوف والتعب، وهما صفتان أصيلتان لدى بعض الأنظمة.  

السابق
طلب الإعدام لمشيمش وإرجاء محاكمة كرم
التالي
اما آن أوان المراجعة عند السوريين؟