ايخهورست: لا عزلة أو خوف أو اضطهاد بعد اليوم مع تطور وسائل الاتصال

 رعت سفيرة الاتحاد الاوروبي انجلينا ايخهورست المؤتمر السنوي الثاني لمركز الدفاع عن الحريات الاعلامية والثقافية "سكايز"، الذي عقد قبل ظهر اليوم في فندق "الريفييرا" تحت عنوان "الحريات الثقافية في المشرق العربي: بين الرقابة وآفاق الربيع".

حضر المؤتمر، إضافة الى ايخهورست، سفير اسبانيا خوان كارلوس غافو، رئيسة "مؤسسة سمير قصير" جيزيل خوري، رئيس دائرة المطبوعات في المديرية العامة للامن العام المقدم الياس ابو رجيلي ممثلا المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، وحشد من الأدباء والفنانيين والصحافيين في لبنان وتونس وفرنسا والاردن وفلسطين وايرلندا ومصر.

استهل المؤتمر بكلمة للمدير التنفيذي لمركز "سكايز" أيمن مهنا الذي لفت الى أن "التغييرات السياسية العميقة في الدول العربية منذ سنة بالتحديد في سيدي بوزيد، طرحت آمالا وتحديات للفنانين والمثقفين والمبدعين".

وتساءل: "هل يترجم سقوط الانظمة سقوطا للمحرمات التي كانت تعوق حرية التعبير الثقافي؟ هل من محرمات جديدة يضعها الحكام الجدد، وخصوصا إذا انتموا الى تيارات فكرية محافظة؟ هل تنتفض الشعوب العربية نصرة لحرية التعبير الفني كما انتفضت مطالبة بحريتها السياسية، أم تطلب نوعا جديدا من الرقابة بحجة اجتثاث بقايا الانظمة البائدة واحترام الشعائر والشرائع؟"

وتناول ما يقوم به مركز "سكايز" منذ إطلاقه "كمرصد دائم لكل الانتهاكات التي يتعرض لها الصحافيون والفنانون والمثقفون في لبنان وسوريا والاردن وفلسطين، حيث تأخذ الانتهاكات أشكالا عدة، من الاعتداء الجسدي الذي يصل أحيانا الى درجة القتل المتعمد، والتوقيف والخطف والمحاكمات الاعتباطية، والضغط والتهديد والوعيد، الى انتهاكات الحقوق المعيشية والمهنية، وصولا الى الرقابة ووضع الحدود لحرية الرأي والتعبير والابداع".

ورأى أنه "لم يعد كافيا الرصد والاستنكار والتضامن، وإنما بات من الضروري الشروع في استراتيجية مواجهة عمودية وأفقية في آن معا، لمحاولات التعدي على الحريات الثقافية، وذلك من خلال الطعن أمام القضاء المختص بكل قرار ينتهك الحريات الثقافية لغاية انتزاع سابقة قانونية نستخدمها للمضي قدما في بناء وعي مجتمعي يدرك أن الدولة التي تمنع فنانا من أن ينتقد واقعا ما، يسهل عليها في أي لحظة التضييق على كل مقومات الحياة الكريمة لأي مواطن، لانها تكون قد قضت على آليات التعبير الاعتراضي".

ايخهورست

ثم كانت كلمة لايخهورست التي شددت على حقوق الانسان "إذ إن المزيد من الاشخاص قد بات لديهم المعرفة والشجاعة للمطالبة بحق العيش بحرية وكرامة"، مؤكدة أنه "مع تطور وسائل الاتصال لن يكون هناك عزلة وخوف واضطهاد بعد اليوم".

وشددت على "التزام الاتحاد الاوروبي بأكمله احترام حرية وسائل الاعلام وتعددها داخل حدوده، وشجبه توقيف الصحافيين والمدونين، وفرض القيود على عملهم ومعارضته بشدة القيود غير المبررة على دخول شبكة الانترنت ووسائل الاعلام الجديدة الاخرى". وقالت: "نحن نتناول مسألة حرية التعبير ووسائل الاعلام في حوارنا السياسي مع البلدان الشريكة ومع المجتمع المدني في هذه البلدان نفسها، ومنذ يومين فقط، صرحت الحكومة اللبنانية بأن لبنان سيتطرق الى الديموقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية بمنظار الاتحاد الاوروبي، وان هذا الاخير هو الشريك الاساسي للبنان في هذا الاطار".

ولفتت الى أن دعم الاتحاد الاوروبي ل"سكايز" دليل على التزام تعزيز حرية التعبير في لبنان والمنطقة.

خوري

ثم كانت مداخلة للكاتب اللبناني الياس خوري الذي تحدث عن الرقابة والثقافة، فرأى أننا نستطيع أن نهجو الرقابة كما نشاء، من دون ان نستطيع وضع حد لها، او ايقافها، او حتى التأثير على قرارات السيد الرقيب الذي يبدو واضح الغموض، من حيث انه يمثل سلطة تتحصن بقيم سياسية واجتماعية تدعي انها تحمي المجتمع من الثقافة، وتحمي المثقفين من غضب الاعراف والتقاليد، سواء أكانت اجتماعية أم دينية"، لافتا الى "أن الرقيب منذ أوائل القرن الماضي الى اليوم، لعب دورا خاصا ومتميزا في رسم خط بياني للثقافة الجديدة والحية في العالم العربي".

وأشار الى "أن لعبة الرقابة في بلادنا حملت سمات الواقع السياسي العربي، فمرة هي رقابة للدفاع عن الايمان والدين، ومرة أخرى هي سيف المستبد الذي أعلن نفسه كاتبا مثلما فعل صدام حسين ومعمر القذافي، ومرة ثالثة كانت صوت الحزب الواحد من اجل ترهيب الثقافة، ومرة رابعة كانت شكلا لاعلان المسافة بين المثقف والجمهور".

وقال: "الرجل الذي يطعن نجيب محفوظ لم يقرأ "أولاد حارتنا"، لكنه نفذ الفتوى في كبير الروائيين العرب، كما ان استعادة قانون الحسبة لم تكن يهدف سوى الى إخراس الصوت العقلاني لنصر حامد ابو زيد، أما عزلة العراقي الكبير هادي العلوي، فكانت إعلانا أن المستبد لا يريد أن يرى سوى صورته في مرايا الكلمات"، مشيرا الى أن الرقابة لا تريد سوى شيء واحد، هو فصل الثقافة عن المجتمع، فالتصحر الاخلاقي الذي عاشته العرب في العقود التي أعقبت الهزيمة الحزيرانية، لم يكن ممكنا من دون تصحر ثقافي شامل. في هذه الصحراء الاخلاقية والسياسية، ارتفع صوت بعض المثقفين والكتاب والفنانين بالتحدي، وكان ثمن الدفاع عن الوجود في مواجهة التصحر غاليا جدا، سجون واقبية ومناف ومقابر. واليوم فقط، مع هذا الانفجار الكبير الذي أعلنته الثورات العربية، نكتشف أن الصمود الاسطوري في السجون والمعتقلات لم يذهب اهدارا، وان الحرية التي تعيد وصل الثقافة بالمجتمع استطاعت أن تكسر جدران السجن العربي وأن تفتح أفقا جديدا مليئا بالاحتمالات".

واعتبر "أن هذا الافق الجديد هو الرد على الخيانات الثقافية التي احتلت حيزا طبيا من المستوى الثقافي العربي في زمن الاستبداد، وان الثورات العربية جاءت كالمفاجأة لتعلن نهاية ذلك الزمن، ولتقيم مصالحة كبرى بين أدب السجون وانتفاضة الميادين والساحات العربية".

ولفت الى "أن الرسالة الكبرى التي اعلنتها الثورات العربية من الجسد التونسي المحترق، الى اطفال درعا، الى العربات العسكرية التي داست الاجساد في ميدان التحرير، هي رسالة العلاقة بين الثقافة والمجتمع، والتي تقول إن حرية الثقافة هي جزء من حرية المجتمع، مثلما ان حرية المجتمع هي جزء من حرية الثقافة"، مؤكدا "أن هاتين الحريتين أعلنتا باشكال متعددة، لا سلطة لرقابة عليها، من وسائل التواصل الاجتماعي الى الرسوم على حيطان المدن، ومن استعادة احمد فؤاد نجم والشيخ امام، الى شهر محمود درويش الذي صار اليوم إحدى علامات التحدي في المسار التغييري العربي. فلا مكان للرقابة بعد اليوم وفق منطق المسار التغييري الذي يعيشه العالم العربي".

وختم: "صحيح ان الثورة انتصرت، فالثورة مسار بل مسارات معقدة، وانتصارها لا يمكن ان يتم اذا توقفت امام الحائط الخليجي النفصلي الذي اقفلته الدبابات في البحرين، فهذا المسار يحتاج الى الشجاعة والتواضع في آن معا، شجاعة من يتعلم الدرس من الشعب الاعزل الذي واجه ويواجه الرصاص بالحناجر والصدور، داعيا الى اسقاط الممنوعات، وقمية عليا تعيد تأسيس القيم الاجتماعية والثقافية والسياسية على ان تكون المعرفة والثقافة طريقا للحرية والتحرر، وان المثقف الذي يواجه الرقابة والعسف يفعل ذلك خدمة للحقيقة.
حين نتطلع الى احتمالات الثورات العربية ومستقبلها، نرى فلسطين في الافق، ليس في وصفها جزءا من قضية حرية المشرق العربي وتحرره فقط، بل بوصفها مقياسا اخلاقيا للعدالة في عالمنا اليوم.
لقد انتصرت الثقافة على الرقابة، هذا ما يشير اليه تاريخ ثقافتنا العربية الحديثة، لكن هذا الانتصار لن يتحول الى قيمة اخلاقية لا تمس الا حين ينجح العالم العربي في تأسيس الديموقراطية التي تنهي أزمنة الخوف والتقوقع والعنصرية والطائفية والتعصب، وتؤسس لولادة المواطن الحر في وطن حر".

ثم عرض المجتمعون لقطات من أعمال فنية تعرضت لمقص الرقابة.

وبدأت اعمال المؤتمر الذي يناقش على مدى يومين قوانين وآليات الرقابة على الثقافة في المشرق العربي، ومبررات الرقابة على الثقافة والطلب المجتمعي على الرقابة في المشرق العربي والاشكال الجددية لهذه الرقابة على الثقافة في أوروبا، وأثر التغيير السياسي على صعيد الحريات الثقافية. 

السابق
دو فريج:الضوء الأخضر لم يأت بعد من أجل إستقالة الحكومة
التالي
الحريري: عدم التمديد للرفاعي يمحو انجازات ثورة الارز