هل يحتمل الحسين (ع) القسمة على اثنين؟

ها هو العاشر من محرم يمرّ علينا ، كما كل عام، من دون أي مشاكل تذكر. فلا تهديد من الوجود السلفي الجديد في الضاحية الجنوبية لبيروت، ولا تأثير للطيران الحربي الاسرائيلي الذي مشّط سماء لبنان راسما خطوطه البيضاء في كل مكان، مراقبا ما يحدث على الارض، خصوصا لحظة مرور سماحة
السيد حسن نصر الله بين الجماهير الحسينية المنتظرة خطابه في ملعب الراية.

مرت ليالي عاشوراء دون أي تعديات أمنية، أو خلافات فردية، كما جرت العادة، بين شباب حزب الله وحركة أمل. فعلى الرغم من وحدة المواقف السياسية والاجتماعية والالتفاف حول سلاح المقاومة والالتزام بضرورة حمايته والحفاظ عليه، إلا أن النزعة الخلافية على التواجد والحضور ما زالت موجودة بين الشعبين وتظهر بين الفينة والفينة وتتجلّى بوضوح في عاشوراء: فهل الحسين يحتمل القسمة إلى حسينيين!؟

 هذا العام لم يسجل أي خلافات تذكر بين أبناء الحزبين، وذلك نتيجة الترتيبات التي تم اتخاذها قبل بدء شهر محرم، حيث انقسمت المناطق الشيعية بين الاخضر والاصفر ("حزب الله" وحركة "أمل")، بحسب قاعدتهما الشعبية، وبذلك انقسمت الخيم وحسينيات البلد بينهما، ولكنها لبست جميعها الرداء الاسود، وتنوعت الرايات المرفوعة واختلفت اللافتات والعبارات العاشورائية، فلكلّ منهما لافتته الخاصة وجمله التعبيرية الخاصة، ولمنع التلاقي والصدام جُعل لكل منهما وقت عزائه الخاص. فبين منطقة الشياح، ومدينة صور حيث الفهود السود، وحارة حريك وبنت جبيل حيث الاسود الصفر، تختلف المسميات ويختلف لون الحزن على الاشخاص أنفسهم والقصة نفسها، ويكون على المحايد والوسطي أن يختار بين الخيمتين، فتراه يحفظ ماء الوجه، خصوصا في القرى الجنوبية، و"يستمع" ظهرا في حسينية "الحركة" ومساء في خيمة "الحزب".

يعمد الطرفان الى اختيار الافضل في كلّ شي، فالسيرة الحسينية واحدة لا تحتمل التغيير، والتميّز يكون في الاسلوب فقط، لأن الاضافات أو "الملح والبهار" محدودان لدى الطرفين، فيكون التنافس على إسم القارىء وحنيّة صوته واسلوبه القادرعلى جذب أكبر عدد ممكن من الجماهير الحسينية، وأساليبه المعتمدة لشدّ الحضور ودفعهم للتأثر بالسيرة الحسينية، وهنا يكون التنافس في كمّ التأثير وحجمه في نفوس الحضور، لدفعهم الى البكاء. ويستمر هذا التنافس إلى يوم المسيرة الختامية حين يستنفر شباب الحزبين
للّطم ورفع الاعلام والصور بعد ان يصار الى العمل على التحضير لهذه المناسبة اسابيع طوال لاعادة إحياء ذكرى أحفاد رسول الله وفقا لقول السيدة زينب (ع): "لن تمحو ذكرنا".

انتهى هذا الاستنفار ونظمت مواكب الشباب والنساء وتم تمثيل واقعة الطف في كربلاء بسفن النجاة والسبايا والفرسان، واختلف التعبير عن الحزن بين مناطق تسمح "بضرب الحيدر" وأخرى تمنعها، وبين مشاركة السيد حسن نصر الله في خطاب مباشر، واستعاضة رئيس حركة "أمل" بأحد نوابه لإلقاء الخطبة. فالمسيرات مفصولة ومنقسمة كما كل عام، والاسباب مجهولة، فالحسين (ع) واحد والسيرة الحسينية واحدة: فما الذي يمنع التوافق على مسيرة واحدة شاملة، بدل من 20 مسيرة افرادية، واحدة الصبح واخرى بعد الظهر وهلمّ جرّا؟

ذكرى عاشوراء مناسبة يلتف حولها الشيعة ليستذكروا جروح وآلام أهل بيت رسول الله، وليتوحدوا تحت راية "هيهات منا الذلة": ألا يكفي ذلك ليجتمع الحزبان في خيم مشتركة ومسيرات واحدة؟
يبقى الامر على ما هو عليه الآن، على أمل أن يُلتفت لهذه القسمة في السنة المقبلة لأن الحسين (ع) لا يحمل القسمة إلى إثنين. 

السابق
معنى مهاجمة ايران
التالي
بوتين يتهم واشنطن بالوقوف وراء الحركة الإحتجاجية على الإنتخابات بروسيا