الحريري: تقشف مالي أم طي صفحة؟

يستمر المسار الانحداري لحضور رئيس الحكومة السابق سعد الحريري السياسي في واشنطن لأسباب لا يمكن تحديدها بالمطلق، لكن تبدو مرتبطة بخلاصة تجربته الأخيرة في الحكم وبتراكم أزمته المالية.
مقارنة مع الفترة ذاتها قبل عامين، كان كل شيء عن لبنان في واشنطن يمر عبر مكتب سعد الحريري. مواعيد المسؤولين الاميركيين وأعضاء الكونغرس المتوجهون الى بيروت لا تحدد في السفارة الاميركية او في وزارة الخارجية الاّ بتنسيق مع مكتبه. الآن بقي القليل من هذه الامور وتغيّر الكثير.
في نهاية تشرين الاول الماضي، اعلنت رئيسة ومديرة مؤسسة «C&O Resources» ساندرا تشارلز عن نهاية عقدها مع سعد الحريري بطلب من مكتبه. تشارلز، التي تفاجأت على ما يبدو بقرار انهاء العقد، توقفت عن ارسال التقارير التي كانت ترسلها دوريا الى الحريري وتشمل خلاصة كل الاجتماعات المعنية بلبنان في الكونغرس والادارة.

تشارلز، التي عملت لفترة طويلة في البنتاغون والبيت الابيض، بدأت هذا العمل المتعلق بلبنان مع رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري وتطرقت في رسالة الكترونية خاصة حصلت «السفير» على نسخة عنها الى هذه العلاقة مع رفيق الحريري الذي طلب منها منذ العام 1998 «ابقاءه على اطلاع على التطورات في واشنطن وتزويده بقناة اتصال أخرى في جهد لدعم وتعزيز العلاقات الجيدة بين الحكومة الاميركية وحكومة لبنان». وتتابع في رسالة الاعلان عن نهاية العقد «انه دور استمررنا به بعد وفاته المروع في دعم رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري. ومع ذلك، التطورات الأخيرة جعلت دورنا اكثر صعوبة»، لكن لم تشرح تشارلز ماهية هذه «التطورات الأخيرة» وعندما سألناها عن هذا الامر امتنعت بالمطلق عن اي تعليق حول هذه المسألة. لكن بحسب مصادر اميركية مقربة من تشارلز ومتابعة لعملها، هي تقاعدت من العمل الحكومي في بداية التسعينيات وانتقلت الى القطاع الخاص حيث أسست مكتبها الاستشاري الذي يركز على الشرق الاوسط وشمال افريقيا. هي ساعدت رفيق الحريري منذ العام 1998 على إعادة إحياء برنامج المساعدات الاميركية الى الجيش اللبناني الذي كان لا شيء يُذكر فيه خلال تلك الفترة، وساعدها الحريري ايضا على توفير عقود خليجية وعربية لتصبح تشارلز مع الوقت من المحطات الرئيسية لمن يحاول فتح قنوات مع الادارات الاميركية المتعاقبة، وهذا الامر ضمن قواعد اللعبة في واشنطن. وساعد تشارلز مع الوقت ميليسا ماهلي التي عملت لصالح وكالة الاستخبارات الاميركية في الشرق الاوسط منذ العام 1989 لحوالى 14 عاما حيث كانت تقوم بعمليات سرية وتجمع معلومات، وهي اجبرت على مغادرة الوكالة عام 2002 بعد «خطأ عملياتي» تمتنع عن التعليق على طبيعته.

العقد الآخر للحريري هو مع شركة «Duane Morris» للشؤون الحكومية، وطبيعة العقد بحسب السجلات الرسمية لمؤسسة «Sunlight» تتعلق بـ«تشجيع الاستثمار والتجارة بين الولايات المتحدة ولبنان، وتشجيع التوعية حول الثقافة والاقتصاد والعلاقات الدولية في لبنان». الطرف اللبناني الموقع على العقد هو «Millennium Group Services» التي يصفها السجل بأنها «مجموعة من المصالح الاعلامية والتجارية في لبنان»، والعقد الثاني مع «Duane Morris» لمستشارة الحريري في واشنطن آمال مدللي والذي بدأ في شهر آب 2010. لكن تشير سجلات مجلس الشيوخ الاميركي الى انتهاء العقدين في 31 آب الماضي.

مقارنة مع السنوات الأخيرة، تبرعت «مؤسسة الحريري» مرتين في الحملة الانتخابية في الكونغرس، الاولى بمبلغ 9,200 دولار لحملة النائب غاري اكرمان عام 2008 والثانية بمبلغ 4,800 دولار لحملة النائب هوارد بيرمان عام 2010. وضمن سجلات موقعOpen Secrets ايضا، نشاط مع مجموعات الضغط لرئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي الذي دفع عام 2006 مبلغ 320,000 دولار لشركة «Barbour, Griffith & Rogers». ولدى وزير المال محمد الصفدي ايضا مؤسسته الخاصة في واشنطن التي تحمل اسمه، لكن ليس هناك شيء في السجلات يدل على اي انشطة مع مجموعات الضغط، في وقت يصل فيه الصفدي بعد ايام الى واشنطن لحضور مؤتمر لمؤسسته كما يجري لقاءات في وزارة الخارجية والكونغرس.
وبادر رجل الاعمال اللبناني بهاء رفيق الحريري في 21 أيلول الماضي الى افتتاح «مركز رفيق الحريري للشرق الاوسط» ضمن مؤسسة Atlantic Council في العاصمة الاميركية، مع تركيز الابحاث فيه على التعاون مع الخبراء والمؤسسات في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية، وتديره المسؤولة السابقة في البيت الابيض ووزارة الخارجية ميشيل دان التي تتابع عن كثب الشأن المصري في واشنطن. ولا يوجد اي مؤشر في انشطة ومضمون هذا المركز الجديد انه يسعى لدور سياسي بل عند إطلاقه كان هناك حرص على عدم اثارة الضجة حوله.

أما مؤسسة «نهضة لبنان» فتراجعت قدرتها على التأثير هذا العام، اذا اخذنا عنصر المال بعين الاعتبار. بدأت عام 2007 بمبلغ 340,000 دولار لشركة «DLA Piper» التي تعتبر من اكبر مكاتب الحقوق في العالم والتي ترأسها بين عامي 2003 و 2009 المبعوث الاميركي الاسبق لعملية السلام في الشرق الاوسط السيناتور جورج ميتشل. مصاريف مؤسسة «نهضة لبنان» تندرج في انشطة اللوبي تحت عنوان «السياسة الخارجية والدفاعية».
هذا المصروف السنوي وصل الى 630,000 دولار عام 2008، منها 530,000 دولار لـ «DLA Piper» و100,000 دولار للمستشار جاي فوتليك في الشركة ذاتها والذي عمل في ادارة الرئيس الاسبق بيل كلينتون وكمستشار خاص للشرق الاوسط والشؤون اليهودية في الحملة الرئاسية للسيناتور جون كيري وفي حملة السيناتور جو ليبرمان. عام 2009، تراجع إنفاق المؤسسة على نشاط اللوبي الى 340,000 دولار، وإلى 220,000 عام 2010 وإلى 80,000 دولار حتى الآن في العام الحالي. وفي تسجيل هذا النشاط، تذكر شركة «DLA Piper» انها تقوم بهذا النشاط المرتبط بـ«العلاقات الاميركية – اللبنانية» نيابة عن مؤسسة «نهضة لبنان» باعتبارها «منظمة تشجع لبنان حرا وديمقراطيا».

مؤسسة «نهضة لبنان»، التي تعمل بدعم الرائد في مجال الاعلانات ايلي خوري، كانت تتقاطع مع أنشطة الحريري في واشنطن خلال السنوات الأخيرة لكن حرصت المؤسسة مؤخرا على إظهار تمايزها. وتتحدث بعض المصادر في العاصمة الاميركية عن ديون بين ايلي خوري وسعد الحريري، لكن «السفير» لم تتمكن من تأكيد هذه المعلومات لكنها تؤكد التراجع الحاد في نفقات المؤسسة لهذا العام. واللافت للانتباه، بحسب السجلات، ان مستوى تمويل «نهضة لبنان» لم يتراجع فقط بل اصبح يقتصر على مجلسي النواب والشيوخ بعدما كان يصل نطاق عمله بين عامي 2007 و 2010 الى البيت الابيض ووزارتي الخارجية والنقل. لكن تحافظ المؤسسة على شراكتها مع مؤسسة «أسبن» لبرنامج حول لبنان بدأ منذ عام 2008، بحيث يبرز دور توني فيرستانديغ المديرة التنفيذية في «أسبن» التي تدير برامج الشرق الاوسط، وهي كانت بين عامي 1994 و 2001 في منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى.

واشنطن مدينة تسمح بكشف القليل من خفايا مجموعات الضغط او مفاتيحها المالية الى النشاط الحكومي، لكن ما يزال هناك جهد كبير ليحصل هذا الامر في مدينة مثل بيروت مفتوحة على كل التدخلات السياسية والاستخباراتية والمالية، قريبة كانت او بعيدة… 

السابق
هل قرعت طبول الحرب بين حزب الله وإسرائيل !؟
التالي
كنيسة صيدا ترد على الأسير: الخطاب المذهبي يهدد السلام