لائحة مطالب الرابية التي تسلمها ميقاتي

مرة جديدة وجد العماد ميشال عون نفسه مستسلماً لما طبخه حلفاؤه. رفع صوته عالياً رفضاً لتمويل المحكمة، حتى غطى على صوت «حزب الله»، قبل أن يتنبه متأخراً أن القطار سيفوته إذا ظل على موقفه. أعلن بعد اجتماع «تكتل التغيير والإصلاح» الأخير أنه يقبل به فدية عن لبنان واستقراره.
قبل ذلك بأيام، كان «الجنرال» يتوعّد ويحذّر من أنه سيقلب الطاولة الحكومية إذا موّل الرئيس نجيب ميقاتي المحكمة. اعتكف وزراؤه الجمعة الماضي رفضاً لطرح البند على جدول الأعمال، فإذ بالأموال تصل للمحكمة في غفلة عنهم.
أهملهم ميقاتي، من حيث الشكل على الأقل. كل ما كان يعرفه عون قبل يوم واحد من مؤتمره الشهير أن العمل جار لإنضاج الحلّ بتوافق الجميع. وهنا، يؤكد مصدر مقرب من جنرال الرابية أن عون سمع كما اللبنانيين بمخرج التمويل عندما أعلنه ميقاتي، وهو كان قد نام على اتفاق على تمرير مسألة التمويل على أن تتمّ مناقشة ودراسة المخرج الملائم.

الوقوع في الهاوية، كان يمكن أن يتفاداه عون، يقول نائب أكثري، مؤكداً أن القراءة العونية كانت تجزم أن التمويل حاصل لا محالة. وعليه، فإن عون أخطأ عنــدما أغلق كل الأبواب خلفه، من دون ترك أي ممر للعودة، بعكس ما فعل المعني الاول بالمحكمة، أي «حزب الله»، الذي لم يعارض تمرير التمويل برغم حسمه قراره برفض التمويل إذا طُرح على التصويت.
تهديد ميقاتي بالاستقالة خلط الأوراق رأساً على عقب. وفي هذه اللحظة بالذات، حاول عون استلحاق ما فاته ففجّر «قنبلته الدخانية» التي تمثلت بإعلان اعتكاف وزرائه. أراد من هذه الخطوة أن يقول «أنا عنصر رئيسي في أي تسوية ستحصل، وإذا كان نجيب ميقاتي لا يمانع بإسقاط الحكومة من أجل التمويل، فأنا أيضاً لا أمانع إسقاطها من أجل مواضيع أهم بكثير».
 أما وقد تحوّل التمويل إلى حقيقة، فإن أياً من أقطاب الحكومة لم يخرج خاسراً. كل من ميقاتي وحزب الله والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط انهمكوا خلال اليومين الماضيين بإحصاء المكاسب التي تراوحت بين الحفاظ على الحكومة والحفاظ على الاستقرار والحفاظ على المصالح في الداخل والخارج.

وحده عون لم يستطع إحصاء مكاســبه، لأنه لم يحــصل منها على شيء ملموس. كل ما حصل عليه كان شيكاً بدون رصيد. ومع ذلك فهو يأمل تغطية قيمته سريعاً عبر تفــعيل عمل الحكومة وتحريك عجلة المشاريع التي تقدّم بها وزراء التكتل.
يوافق التيار على دعوة ميقاتي لاعتبار تمويل المحكمة «بمثابة انطلاقة جديدة للعمل الحكومي»، بل يدعو ميقاتي نفسه إلى الالتزام بما قاله، عبر تأمين المقوّمات التي تساهم في إنجاحها.
لذلك، أبلغ التكتل ميقاتي، أمس، بمطالبه رسمياً، وهي على الشكل التالي: تفعيل العمل بقانون الكهرباء والتوقف عن وضع العراقيل في وجهه، إقرار الخطة المائية، إعداد الموازنة بحسب الأصول التي تمّ الاتفاق عليها في لجنة المال، إنجاز الحسابات المالية المتوقفة، حسم مسألة الأجور ربطاً بالتغطية الصحية، تحضير قانون برنامج لدعم الجيش اللبناني، بالإضافة إلى حلحلة التعيينات، وأبرزها مجلس القضاء الأعلى.

انطلاقاً من طريقة معالجة هذه الملفات، سيقرّر التيار التعامل مع المرحلة المقبلة. وهو يصرّ على أن تمرير التمويل حفاظ على الحكومة لا يعني أنه سيتراجع عن أي مطلب من مطالبه، مؤكداً انه عندها كل الاحتمالات تبقى مطروحة، بما فيها الاستقالة. ومع ذلك فإن مصدراً في التيار يستدرك: الأجواء تفاؤلية ومن المبكر الحديث عن احتمال كهذا، لا سيما أن ميقاتي أبدى إيجابية ملحوظة عند إبلاغه بالمطالب.
ومع أن الأمل العوني يبدو كبيراًَ بتزييت عمل وزاراتهم، إلا أن القلق لا يبتعد عنهم كثيراً، لا سيما أن تمويل المحكمة لم يتم نتيجة مقايضة قاموا بها مع ميقاتي. وبالتالي، فإن أي حديث عن ضمانات حصل عليها عون مقابل دفع فدية التمويل يعوزها الدقة.
في ظل عدم الاتفاق على عناوين المرحلة المقبلة، يعول العونيون على تضامن الحلفاء للحصول على مطالبهم، التي يذكرون أنها إن تحققت فستسجل في سجل إنجازات الحكومة مجتمعة وتحديداً في سجل رئيسها. وأول دعم مباشر حصل عليه عون فعلاً، عدما أعلن السيد حسن نصر الله أمس بأن الحزب يؤيد بشكل كامل مطالب «تكتل التغيير» المحقة.

التفاؤل يصل إلى حد اعتبار أن الحكومة تشكلت من جديد. وبالتالي فإن وزراء «التيار الحر» يأملون بأن تحقق لهم حكومة ميقاتي السياسية الثالثة، ما فشلوا في تحقيقه في الثانية. تعب الوزراء من التعامل معهم بوصفهم درجة ثانية في الحكومة. لم يشــعروا يوماً أن كتلتهم المؤلفة من عشرة وزراء لها رأي مسموع في الجلسات. حتى أن وزيراً كوزير السياحة فادي عبود كان غالباً ما ينظر بعين الحسد إلى زميله غازي العريضي مثلاً. فهو لا يفهم لماذا لم تطرح مطالبته البسيطة بتعزيز الشرطة السياحية على جدول الأعمال يوماً فيما زميله بمجرد أن يطلب يُجاب، وإن تعثرت الاستجابة فإن اعتكافه لأيام سيكون كافياً لاسترضائه بأكثر مما طلب. 

السابق
معرض تراث تحت الماء في متحف الأميركية
التالي
يريدون خبزاً.. فلْنبِعهم سلاحاً