الكهرباء: خطة باسيل خاسرة والبواخر قنابل موقوتة والتحسّن يبدو مستحيلا

قصة المواطن اللبناني مع التيار الكهربائي ليست مثل قصة إبريق الزيت فقط، ربما هي الزّيت نفسه. فمعلوم ما يقاسيه اللبناني من أزمة الإنقطاع المتكرّر لقطاع تنفق الدولية عليه 25% مما تنفقه، أي أكثر من الإنفاق على أي قطاع آخر كالصحة والتعليم والأشغال. وقد شهدت الساحة اللبنانية في الآونة الأخيرة حروباً كلامية بين الأكثرية والأقلية وتبادل الفريقان الإتهامات حول مشكلة الكهرباء والمشروع المقدم من وزير الطاقة جبران باسيل لحل هذه المشكلة. فباسيل يجزم أنّه وفقا لمشروعه ستعم الكهرباء كل لبنان بعد أربع سنوات في حال نفذت خطته المؤلفة من 42 بنداً تتعلق بالإنتاج والنقل والتوزيع، علما أن الكلفة الأساسية المرصودة لإنتاج 3500 ميغاوات هي 6.7 مليار دولار تدفع الدولة منها 1.4 مليار والقطاع الخاص 3.4 مليار والمبلغ المتبقي يموَل من الصناديق الخارجية. كذلك تحوي الخطة إنتاج الكهرباء على الغاز الطبيعي الذي لحين تأمينه يتم إستئجار بواخر لتوليد الكهرباء. وزير الطاقة السابق محمد عبد الحميد بيضون يعتبر، في حديث خاص لـ"جنوبية"، أنّ "الكلام عن الإصلاح ليس إلا وهما… والشطارة هي بتقليص الخسائر وليس بزيادتها". ويقول إنّ "صرف مبلغ مليار و200 مليون دولار هو أكبر إنفاق بتاريخ لبنان ومن المفترض برئيس مجلس النواب رفض هذا الإقتراح أو إحالته إلى الحكومة لتنظر فيه بدلا من أن يتم طرحه على الهيئة العامة دون أي دراسة، فهذا تهريج وليس تشريع".

ويضيف بيضون: "كل مشاريع الكهرباء تموّل من القطاع الخاص أو عبر الصناديق التنموية التي تمنح القروض لزمن طويل، مثلا سوريا أنتجت 7 آلاف ميغاوات من هذه الصناديق. والسؤال المثير للريبة هو: لماذا لم يجر لبنان مفاوضات مع هذه الصناديق؟ ولماذا لا نتبع نموذج سوريا التي أبرمت في الفترة
الأخيرة إتفاقاً مع الصندوق القطري لتأمين 2000 ميغاوات. ولماذا إختيار الحد الأغلى؟".
بيضون يؤكد أن هذا المشروع "معاكس تماما لقانون تنظيم قطاع الكهرباء الذي يقضي بتمويل قطاع الكهرباء من القطاع الخاص وخلق ما يسمى الهيئة الناظمة لإعطاء التراخيص للقطاع الخاص وتنظيم قطاع الكهرباء. ويتابع: "الحديث عن الإصلاح ليس إلا وهما وأكاذيب فالدولة اللبنانية تخسر من الكهرباء ملياري دولار وفي حال تم العمل بموجب هذه الخطة سوف ترتفع الخسارة والمواطن هو من سيتحمل هذه الخسارة. فالبطولة ليست بشراء المعامل إنما بتقليص الخسارة وتوفير الكهرباء." ويجزم أن "الحل الوحيد هو بالعودة إلى القرار 462 بتعيين الهيئة الناظمة وخصخصة القطاع، ما قد ينهي الازمة خلال سنة ونصف السنة".
أما الخبير الدولي في قطاع الطاقة أستاذ الطاقة في الجامعة اللبنانية الدكتور عادل مرتضى، فيرى أنّ "وزير الطاقة يعلم جيداُ أن الخطة مستحيلة التنفيذ" ويعتبر أنّ ما يجري إنّما هدفه ذرّ الرماد في العيون". ويضيف: "هذه الخطة تؤثر سلبا على مستقبل لبنان فيما يختص بقطاع الكهرباء، فالآن كل كيلووات كهرباء يُضخّ يزيد الدين العام 300 ليرة، وحاليا النسبة الموزعة هي 58 % من الحاجة، وفي حال أصبحت الكهرباء 100% سوف يزيد الدين العام سنويا 4 مليارات دولار، بينما اليوم يزيد بنسبة مليارين و200 مليون دولارفقط".

ويعتبر مرتضى أنّ "الإستثمار يكبد الدولة 6 مليارات دولار مرصودة في الخطة ويضاف إليها تكلفة الغاز المسال وكلفة الإستملاكات، أي أن هذه الأكلاف سوف تزيد من الكلفة على الإقتصاد اللبناني 17 مليار دولار موزعة كالتالي: 6.7 مليار كلفة الخطة لتأمين 3500 ميغا وات، 1.3 مليار كلفة محطة الغاز المسال، وعجز أربع سنوات مجموع كلفته 8 مليارات دولار، هذا إذا اعتبرنا ان العجز لم يزد علما أنه مرشح للتفاقم"، ويكمل مرتضى: "كل هذا دون التأكد من أنه بعد أربع سنوات سيكون لدينا كهرباء 24/24 ساعة وبكلفة بكلفة معقولة".
ويخلص إلى أنّ "هدر هذا المبلغ الضخم في هكذا خطة غير مضمونة النتائج سوف يزيد العجز في الإقتصاد ويفكك قطاع الكهرباء ويضعه لقمة سائغة في فم أصحاب المولدات الكهربائية (الإشتراك الشهري المافيوي) ما سيقضي على كل أمل مستقبلي بوضع خطة صحيحة للنهوض بهذا القطاع."
ويختم مرتضى: "حاليا رصد للطاقة مبلغ مليار و200 مليون دولار لتأمين 70ميغاوات وهي لو دخلت في الخدمة بعد أربع سنوات لا يمكنها التعويض عن زيادة الطلب على الكهرباء سنويا ما يعني أنه لا يوجد أي تحسن منتظر في سياسة التقنين يل سنبقى في حالة عجز لأننا بحاجة إلى 2200 ميغا متوفر
منها بحدود 1400 ومن المتوقع زيادة الحاجة خلال السنوات الأربعة الآتية، بحسب خطة الوزير نفسه، إلى 4 آلاف أي (700 ميغا بالإضافة إلى 1400 ليصبح الإنتاج 2100)، وهكذا سنبقى في حالة عجز متفاقم."

يعلم الوزير باسيل جيدا أن المبالغ المرصودة لوزارته بخصوص تحسين الإنتاج لن تظهر أي تحسن ملموس للمواطن، لذلك قرر اللجوء إلى إستئجار البواخر لذر الرماد في العيون من خلال فترة التغذية ساعة أو ساعتين كل يوم بكلفة كبيرة على الإقتصاد ومضرة بالصحة والبيئة. ففي حال تم إستئجار بواخر فسوف تزيد كلفة الإنتاج وسوف يزيد العجز السنوي إلى أكثر من 3 مليار دولار أي أن المشكلة لن تحل وسوف ترتب أعباء كبيرة على الخزينة وسيدفع ثمنها المواطن عبر الزيادة على القيمة المضافة والتخلي عن الإنفاق في قطاعات مثل الصحة والتعليم.
ونسنتنج مما سبق أنّه لا يوجد خطة منطقية لتحويل القطاع إلى الإعتماد على الغاز مستقبليا، لأنّ لا فترة قريبة أو متوسطة لاستجرار الغاز من أي دولة، لأن لبنان خرج من إتفاقية خط الغاز العربي خلال تولي الوزير أيوب حميد وزارة الطاقة، وهذا الخروج رتب على لبنان خسائر كبيرة ما اضطر الدولة لاستعمال المازوت بكلفة عالية، الأمر الذي يرتب خسائر عالية تقدر بالمليارات فلماذا تم الخروج من هذه الإتفاقية؟

ولهذا لم يعد هناك أيّ أمل بوصول الغاز الطبيعي إلى لبنان، أي أنّه في نهاية خطة باسيل سوف يكون لدينا معامل إنتاج 3500 ميغاوات على الغاز بدون غاز، تماما كما في مشهد "المحطة" في فيلم فيروز التي تنتظر القطار ولا يأتي أبدا.
يبقى أنّ بعض الخبراء في وزارة الطاقة وجدوا حلا غير مقنع وهو إنشاء محطة لإستيراد الغاز من الجزائر أو قطر أو اي دولة أخرى. إن توقيع أي عقد مع أي دولة امر سهل لكن المشكلة تقنية هي أنّ إنشاء محطة الغاز السائل، بحسب الخطة، يقع على عاتق القطاع الخاص، وهذا يحتاج إلى تأمين أملاك ضخمة على الشاطئ، وحتى الآن الوزارة لا تعلم أين ستنشىء المحطة وأيضا لا نعلم على أي أساس سوف يقوم القطاع الخاص بإنشاء هذه المحطة بكلفة عالية ولبنان بانتظار إستخراج الغاز الطبيعي من البحر بعد فترة ثماني سنوات في حال تمت المباشرة اليوم، فكيف يمول القطاع الخاص محطة لا يكون لها عمل بعد فترة 8 سنوات؟ لا يوجد مستثمر يمكن ان يقبل بهكذا مخاطرة. والمشكلة الثانية، بحسب مرتضى، "هي أن الغاز الطبيعي كي يصبح سائلا يحتاج إلى التبريد بدرجة 160 تحت الصفر، وعندما يصل إلى المحطة يجب تحوبله إلى غاز طبيعي لأنه لا يمكن تخزينه سائلا، لذا هناك حاجة إلى منشآت ضخمة للتخزين لأن كل متر مكعب من الغاز السائل ينتج 600 متر مكعب من الغاز الطبيعي وهذه المنشآت غير متوفرة بالإضافة إلى خطورتها، لأن أي حادث أمني على الباخرة أو المنشآت يؤدي إلى إنفجار ضخم يحبس الأوكسيجين مساحة عشرات الكيلومترات ويقضي على كل كائن حي فيها، فهل لبنان آمن بالفعل لمثل هكذا مشروع وهل يقبل الناس بقنابل موقوتة قريبة من منازلهم؟".

السابق
فياض: للحفاظ على الحكومة وتمكينها للقيام بمسؤولياتها تجاه الاستقرار
التالي
سماع دوي انفجار في بلدة النفاحية