أولاً·· لبنان ينتصر!

تمويل أو لا تمويل·· إستقالة أو لا إستقالة·· أخيراً مرّ استحقاق تسديد مستحقات المحكمة الدولية بأقل ضرر ممكن، فتنفّس اللبنانيون الصُعداء بعدما كان مصير الحكومة على المحك، مهدّداً بإدخال البلاد في الفراغ الرسمي والفوضى السياسية في حال فشل الرئيس ميقاتي بتأمين التمويل والتزام لبنان بقرارات الشرعية الدولية، وبالتالي استقال كما كان قد أعلن في أكثر من مناسبة·
إن الإخراج الذي تمّ خلاله التمويل قد لا يكون المثالي، بما أنه تمّ خارج مجلس الوزراء، ولكن هو الأنسب في ظل الظروف الراهنة، حيث كان موقف المشاركين في الحكومة متصلّباً تجاه المحكمة، مصوّراً الاستقالة كخيار وارد أكثر من الموافقة على التمويل، منذراً بالتخلّي عن الحكومة وفرط الاتفاق مع رئيسها، مع كل ما تمثّل هذه الخطوة من خسارة أوراق لحزب الله وحلفائه، وفشل لتجربة أرادها الحزب سياسية بامتياز ليمحو الصورة العسكرية التي طُبعت في الأذهان بعد أحداث 7 أيار السوداء·

إن الخطوة التي قام بها الرئيس ميقاتي إنما جاءت نتيجة مشاورات ووساطات أفضت إلى موافقة حزب الله وحلفائه، ولو ضمنياً، على التمويل، ولم تكن لتمرّ بهذه السهولة ودون مواجهة لو كانت 14 آذار على رأس الحكومة وبيدها القرارات· فلا بدّ للبراغماتية السياسية أن تلعب دورها أحياناً، حيث تسمح لجميع الأفرقاء استغلال الفرص لتحقيق مصلحة الوطن العليا، متعالين عن الأهداف الخاصة والحسابات الضيّقة·

 فليكن العمر الجديد الذي كُتب للحكومة الميقاتية صفحة جديدة، محرّرة من ضغوط المحكمة السابقة، دافعاً قوياً لوضع الملفات الحياتية على نار حامية، مع كل ما تُحتّم من إعادة مدّ خطوط التواصل المقطوعة بين الشركاء في الوطن، حتى تتوضح الرؤية حول إدارة الخلافات الداخلية بوعي ونضج سياسي يولّد الحلول المقبولة من الجميع، بعيداً عن شحن الشارع كلما وقع خلاف حول ملف معيّن·

اليوم، إنتصر لبنان دون غيره عبر الحفاظ على استقراره الداخلي وتحييده عن الفوضى العارمة من حوله، فلتنتصر الديمقراطية غداً فتكون المعارضة بنّاءة، تُمارس دورها لتقويم الإعوجاج وليس كسر القالب، ولتبقى القضايا الخلافية ضمن المؤسسات وعبر الحوارات البنّاءة، حقناً لدم شبابنا وحفاظاً على مستقبل الوطن، إلى أن يبلغ الأفرقاء الوعي الكافي الذي يخوّلهم خوض الشراكة الحقيقية في الحكم والوطن·

إن الإنجاز الذي تحقّق والذي حافظ به لبنان على موقعه في المجتمع الدولي كدولة تحترم الشرعية الدولية وفّر عليه الكثير من الأثمان التي كان مُقدّراً له أن يدفعها، في حال تخلّف عن التزاماته·· والحدّ الأدنى من التوافق الداخلي الذي سمح لهذه الصيغة أن تُخرج البلاد والعباد من المأزق الذي كان يهدّد الاستقرار، وأبعدت لبنان عن إعصار الإقتتال الأهلي والمذهبي الذي يضرب المنطقة منذ فترة والذي سيجرف كل من يقف بوجهه·

فهل يُمارس اللبنانيون بعض الحنكة والذكاء لاستغلال الظرف ومحاولة رفع سقف الإنتاجية السياسية بعيداً عن التحدّي والكيدية، ولو أن العِبر تبقى في التنفيذ· 

السابق
كرة الفتنة ولاعبوها المحترفون
التالي
عقوبات أوروبية واميركية يومية.. وسوريا تترقب التصعيد المقبل !؟