كلينتون اعترفت فماذا عن الدجَّالين؟

 تصاعدت الحرب الكلامية ضد سورية بقوة، خلال الأيام القليلة الماضية، بينما بدا بشكل لا يقبل الجدل، أن الأحداث الجارية تتخذ اتجاها على الأرض في غير مصلحة العصابات المسلحة، والتدخلات الخارجية، لكن اللافت هو بروز اعترافات حول حقيقة ما تشهده سورية من مواقع الخصوم تؤكد صحة الرواية السورية التي انطلقت منذ بداية الأحداث عن تواجد عصابات مسلحة وعن تدخلات خارجية تتجاوز حدود الضغط السياسي إلى تنظيم إمداد تلك العصابات والجماعات بالأسلحة والأموال لتحقيق أهداف سياسية تتصل بتدمير موقع سورية وخيارها القومي والوطني، وبشطب دورها الرئيسي والحاسم في محور المقاومة، على صعيد المنطقة.
أولا: يمثل تصريح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن الوضع السوري مفتاحاً منهجياً في فهم ما يجري و قد تضمن اعترافا صريحا بوجود "جماعات مسلحة جيدا وممولة جيدا"، تنتمي إلى تشكيلات المعارضة السورية على الأرض وفقا لتعبير كلينتون التي وضعت الأمور في سياق التبشير بحرب أهلية في سورية، وهي تناولت في هذا التصريح الجماعات نفسها التي سبق أن أوعزت للناطق بلسان وزارتها أن يدعوها لعدم التجاوب مع نداء الداخلية السورية الشهير.
هذه الميليشيات التي اعتبرتها كلينتون "مسلحة جيدا وممولة جيدا" والسيدة الوزيرة تستند بكل تأكيد إلى تقارير السفارة الأميركية في دمشق وبرقيات محطات المخابرات الأميركية في المنطقة، وهي بذلك تنقض جميع التصريحات الأميركية السابقة، التي اتهمت الدولة الوطنية السورية باختراع وجود مسلحين في بياناتها، كما تنفي الوزيرة الأميركية تخرصات جميع عملاء الولايات المتحدة و حلفائها المنخرطين في الحلف الاستعماري الغربي التركي السعودي القطري، الذين قاموا بالكذب عمدا، كما يتضح الآن، عندما أنكروا حقيقة وجود مسلحين، وتنكروا بفجور مفضوح لمبدأ وجود تشكيلات يقومون هم بمدها بالأسلحة والأموال .
ثانياً على امتداد الأشهر الماضية، كشفت رواية الدولة السورية عن وجود مسلحين يحتمون بالمتظاهرين ويطلقون النار على قوى الأمن، أو يهاجمون مواقع لمؤسسات رسمية خدمية أو أمنية، ويقيمون الكمائن لسيارات نقل العسكريين والجنود على الطرقات العامة ويخطفون مواطنين وعسكريين، ويتركون جثثهم مقطعة الأوصال في الساحات العامة وفي الأحياء الداخلية، وفي التسلسل الزمني تصاعدت هذه الظاهرة من معارك ريف درعا فبانياس و معرة النعمان فجسر الشغور وصولا إلى حمص.
استمر الإنكار طيلة الأشهر الماضية مع سقوط مئات الجنود والضباط والمواطنين قتلى بالبلطات والسواطير، ومع الكثير من عمليات التفجير والاغتيال، وعلى الرغم من نشر وبث عشرات التحقيقات الأجنبية عن انكشاف حقيقة وجود ميليشيات منظمة، وغرف عمليات، وأسلحة متطورة وأنفاق ومخابئ في محافظات إدلب وحمص ودرعا.
استمرت وسائل الإعلام المتورطة في خطة تخريب سورية، ومعها المعارضات السورية، في طليعة الذين تستروا بفجور على هذه الحقائق وتنكروا لواقعة وجود مسلحين منظمين في عصابات، ووزعت المزاعم الكاذبة في كل اتجاه للطعن بصحة الرواية التي قدمتها الدولة الوطنية السورية، ومع هؤلاء برز شركاء شرسون، هم بمثابة أعدقاء لسورية، أي أنهم أعداء يدعون الصداقة، أو أصدقاء وقعوا في شرك العدو الاستعماري الغربي الذي يستهدفها، وبينهم الكثير من الكتبة والصحافيين في لبنان وسائر البلاد العربية، من أدعياء التقدمية والوطنية الذين انبهروا بأكذوبة الربيع العربي وأرادوا أن يصدقوا حقيقة أن قادة تنظيم الأخوان المسلمين الرجعيين والمرتبطين بالمخابرات الأجنبية، ومعهم عصابات التكفير، وتجمعات العجز والبله اليساري المزمن، قد يشكلون جبهة ثورية لبناء سلطة تقدمية وديمقراطية أيضا وتلك الفضيحة الكبرى بلا منازع وعلى الرغم من كون المعارضات سعت جهارا للتفاهم مع "إسرائيل" و حاضنيها في العالم بدءا من الدجال برنار ليفي الذي انشغلت بفضائحه الصحف الفرنسية مؤخراً.
ثالثا: إذا كانت كلينتون الراعية الرسمية للمعارضة السورية قد اعترفت بحقيقة وجود المسلحين المنظمين، وأقرت بتمويلهم الجيد و تسليحهم الجيد أيضا، فهي أرادت أن تبني على تلك الواقعة تنبؤا بقرب وقوع الحرب الأهلية التي تكررت كتعبير في بيانات فرنسية وتركية وقطرية خلال أيام قليلة، ما يوحي بأنها كلمة السر التي يراد منها دفع الأمور في سورية نحو هذا الأفق بالذات أي الحرب الأهلية، لفتح أبواب التدخل الأجنبي، التي يسدها الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن .
على ذات النسق، ورد اعتراف إيهود باراك، الذي جاهر بسعي الحكومة "الإسرائيلية" لإسقاط الدولة الوطنية السورية، متناغما مع المسعى الأميركي والغربي والتركي والخليجي و بالذات مع ربيب نهاريا حمد بن جاسم وتابعه نبيل العربي ليؤكد حقيقة صارخة حول دور "إسرائيلي" في تأمين السلاح والمال لعصابات الإرهاب على الأرض السورية عن طريق عملاء موجودين في الأردن وفي لبنان.
كلينتون نوهت بقدرات ميليشيا "مجلس اسطنبول" داخل سورية وهي بذلك تنوه بالجهود الخارقة التي بذلتها كل من حكومات تركيا وقطر والسعودية والأردن في تهريب المال والسلاح إلى سورية، وكذلك ما قامت به شبكات سعد الحريري وسمير جعجع على الأرض اللبنانية وعبر الحدود لتنفيذ الأوامر الأميركية.
رابعا تؤكد الوقائع على هذا النحو، حقيقة وجود مؤامرة أنكرها فلاسفة كثر من المرتبطين بالطابور الأميركي في المنطقة، ولا سيما اليساريين المرتدين منهم، فما تدبره الولايات المتحدة و"إسرائيل" ليس سوى مؤامرة تتوسل استعمال عدوى الاحتجاجات، لإسقاط سورية بواسطة الإرهاب الذي جرى تمويله جيدا وتسليحه جيدا بقرار أميركي، ومن خلال عملاء أميركا في المنطقة.
في هذا الوقت، أزيح القناع عن المزيد من حقائق "مجلس اسطنبول" الذي قدم الأدلة الوافية على حقيقة ديمقراطيته، سواء برعاية العصابات المسلحة التي ترتكب المجازر الطائفية، أم من خلال الاعتداءات المنظمة التي يقوم بها بلطجيته على أبواب مكتب نبيل العربي، الذي يريد من سورية أن تقبل من دون شروط في إدخال حصان طروادة المسمى بعثة اللجنة العربية من غير اعتبار للسيادة السورية وكأن سورية ساحة مفتوحة لنبيل العربي والى جميع شذاذ الآفاق والمرتزقة الذين يرتدون السموكينغ والياقات البيضاء ويعملون كموظفين عند الاستخبارات الأميركية والغربية، في شركات يمولها الأجانب والأنافط (أي الأعراب المنفوطين) تحت عنوان حقوق الإنسان، من غير أي اعتبار للسيادة الوطنية السورية.
لا ينقص عصابات كلينتون، سوى بعثة العربي وبن جاسم، ليكتمل الطابور المكلف بإسقاط سورية، لكن تقدم الدولة الوطنية السورية في تلبية الإرادة الشعبية الواضحة لسحق العصابات المسلحة، وصحوة الشارع السوري على حقيقة المخطط المعادي، وحصانة سورية الدولية والإقليمية بفعل خيارها المقاوم والتحرري، تبدو تأسيسا لمشهد جديد عبر عنه التراجع النوعي في حجم المحتجين، وانفضاح ميليشيات المسلحين والقتلة.
تظهر بقوة على أرض سورية فاعلية الإرادة الشعبية، وصلابة الموقف الوطني الذي عبر عنه الرئيس بشار الأسد بالتصميم على مقاتلة أي عدوان خارجي حتى النفس الأخير، يبقى الاستنتاج، أن المواجهة التي تخوضها سورية قد تطول بفصولها، ولكن الأكيد أن سورية الداخل تطوي فصولا مهمة من الأزمة، يعقبها نهوض كبير يثير الإعجاب في سياق صحوة وطنية وقومية قادرة على إسقاط المؤامرة، المؤامرة الإمبريالية الصهيونية الرجعية التي نضع تحتها خط تشديد لفقأ عيون جميع الأعدقاء بخشبنا الأصيل المقاوم. 

السابق
الاخوان والكرد السوريون وتركيا
التالي
الجامعة العربية تفاوض الشبيحة!