الجمهورية : مشاورات الايام الأخيرة قبل حسم التمويل

 لم يحجب غبار مواجهات ميدان التحرير المصري التي ارتفعت حصيلتها الى اكثر من 33 قتيلا وعشرات الجرحى، صورة المواجهات في سوريا وسط ترقّب ماهية قرارات الجامعة العربية الجديدة بعد فشلها في إرسال مراقبين عرب إلى سوريا، في حين حذّرت تركيا الرئيس بشار الاسد من ان ايامه في الحكم اصبحت معدودة، وانه لا يستطيع ان يبقى في السلطة الى ما لا نهاية من خلال القوة العسكرية، فيما دعت السعودية سوريا إلى التنفيذ الكامل لتعهداتها التي وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية.
وذكر مصدر أمني إسرائيلي مسؤول أن "النظام السوري شدّد من تدابير حماية منشآته الأمنية الحساسة خشية اختلال الوضع الأمني، ولم يستبعد لجوء الأسد "إلى إجراءات تصعيدية متعمدة ضد إسرائيل، لصرف الأنظار عمّا يجري في بلاده".
في المقابل نَبّه "حزب الله" الى أن "النظام السوري لم يستخدم بعد الكثرة الوافرة ممّا لديه من أوراق في مواجهة المؤامرة"، مؤكدا عدم السماح بإقامة أي منطقة عازلة على حدود لبنان مع سوريا.
قلق فرنسي
في هذه الاثناء، شددت فرنسا على ضرورة ان يعتمد لبنان سياسة الحياد ويتخذ كل التدابير الممكنة ليبقى بعيدا من الأحداث التي تجري في المنطقة، وعبّر سفيرها في لبنان دوني بييتون عن قلق بلاده لرؤية عسكرة الاحداث كل يوم أكثر في سوريا، قائلا: "أنا أشعر بالقلق، خصوصا إزاء العواقب المحتملة على لبنان، وأرى ان هناك بعض التدهور في المناخ السياسي في لبنان. واعتقد ان الوقت مؤات لكلّ القوى السياسية مهما كانت، أن تظهر روح المسؤولية وألّا تسعى إلى استخدام الأحداث في الدولة المجاورة لأغراض سياسية".
هاجس التمويل
اما لبنان الساعي الى تحصين ساحته من التداعيات الاقليمية، فيبقى ملف تمويل حصته من المحكمة الدولية هَمّا جاثما على صدر حكومته مع بدء العد العكسي لفتحه على مصراعيه، عشية الزيارة الرسمية الاولى لرئيسها دايفيد باراغوانث الى لبنان غدا الاربعاء، ولقاءاته المرتقبة مع كبار المسؤولين اللبنانيين، عاقدا النيّة على ضمان الإنصاف والسرعة في عمل المحكمة، واحترام حقوق المتهمين ومصلحة المتضررين احتراما تامّا".
وذكرت مصادر أخرى ان باراغوانث سيلتقي، إضافة الى رئيس الجمهورية، وزير العدل شكيب قرطباوي، ووزير المال محمد الصفدي، والمدعي العام التمييزي سعيد ميرزا، ونقيب المحامين نهاد جبر، وعددا من المهتمين بأعمال المحكمة، ومن بينهم محامون معتمدون لديها بوكالتهم عن المتضررين كما المكلفين الدفاع عن المتهمين في حال بوشرت المحاكمة الغيابية.
واكد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في رسالة الاستقلال أن "الالتزام بالقرارات الدولية، ولا سيما المتعلقة بالمحكمة، واجب وليس خشية من عقوبات".
مشاورات الايام الأخيرة
وكشفت اوساط مقربة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لـ"الجمهورية" ان مشاورات كثيفة انطلقت منذ اسبوع بين كل الاطراف المعنيين داخل الحكومة، حيث حصلت اجتماعات في غير اتجاه، ولا سيما مع "حزب الله" وحركة "امل" و"تكتل التغيير والاصلاح"، في محاولة لإقناعهم أن موضوع التمويل لا بدّ منه، كذلك بحث ميقاتي في هذا الموضوع مع رئيس الجمهورية والنائب وليد جنبلاط.
وإذ استبعدت المصادر ان يتمّ إقناع هذه الاطراف بالتمويل، توقّعت ان يُبقي كل طرف على رأيه وأن تذهب جلسة الثلاثين من الجاري في اتجاه التصويت لحسم ملف التمويل.
وعن الموقف الذي سيتخذه ميقاتي اذا كانت نتيجة التصويت سلبية (وهو الاحتمال الاكثر ترجيحا) قالت الاوساط ان هذا الموضوع متروك في ضوء ما ستؤول اليه المشاورات، وفي ضوء التصويت والمعطيات التي تتوافر في الجلسة الحاسمة، داعية الى عدم احتساب خطوات ميقاتي مسبقا وترك الأمور مرهونة بتوقيتها وبظروف طرحها.
واكدت ان ما يقوم به ميقاتي حاليّا من اتصالات كثيفة يندرج في اطار مشاورات الايام الأخيرة ووضع كل طرف امام مسؤوليّاته لحسم هذا الملف.
قرطباوي لـ «الجمهورية

وفيما اكدت مصادر في الاكثرية ان بند التمويل لن يدرج على جدول اعمال اي جلسة من جلستي مجلس الوزراء غدا والجمعة، كشف وزير العدل شكيب قرطباوي لـ "الجمهورية" ان غيابه عن جلسة الثلاثين من الجاري ليس محسوبا مسبقا لأن اجتماع وزراء العدل العرب الذي سيشارك فيه في القاهرة لم يضبط توقيته على ساعة مجلس الوزراء اللبناني، وما تزامن الجلستين إلّا صدفة.
ونفى قرطباوي ان يكون هذا الامر متعمّدا لعدم إحراجه، لأن مجلس الوزراء اللبناني هو من كلّفه حضور هذا الاجتماع، علما ان اجتماع وزراء العدل العرب يمكن ان يؤجّل بسبب الاوضاع الطارئة في مصر.
ودعا الى الخروج من التوقّعات وربط الأمور ببعضها لأنه سيتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، مؤكّدا انه سيجتمع مع رئيس المحكمة بناء على طلب الأخير للتعارف.
بدورها، اوضحت مصادر وزير المال محمد الصفدي لـ "الجمهورية" انه طلب من مجلس الوزراء سلفة مالية لتمويل المحكمة من موازنة العام 2012، وان خطوته جاءت تجاوبا مع مضمون عدد من الكتب التي طالب بها مسؤولو المحكمة من لبنان، والتي أحالها إليه رئيس الحكومة غير مرة.
ولم تشأ المصادر التوضيح عمّا إذا كان طلب السلفة من موازنة العام 2012 مرتبطا بإعلان المسؤولين عن المحكمة، ما معناه ان موازنتها للعام 2011 وما سبقها قد توافرت، رافضة الإشارة الى ما إذا كانت السلفة قد تناولت متوجبات لبنان عن العام الحالي وما سبقه، والتي بلغت حوالى 49 مليون دولار.
عقوبات دولية وعربية
وذكرت مصادر مطلعة في قوى 14 آذار لـ "الجمهورية" أن قرار إسقاط الحكومة نهائي ولا عودة عنه، وسيترجم بشكل مبرمج وتصاعدي، حيث أظهرت التجربة أن تمويل المحكمة الدولية، على أهميته، بات تفصيلا أمام محاولات الحكومة الالتصاق بخيارات سوريا وإيران على مستوى الخارج، والإمساك بمفاصل السلطة على مستوى الداخل، ومن ضمنها الاستعجال بإقرار قانون انتخابي يتلاءم مع تطلّعات قوى 8 آذار.
ورأت المصادر أن الضربة التي تلقّاها رئيس الحكومة في مسألة تصويت لبنان ضد قرارات الشرعية العربية أدت إلى زعزعة صورته لدى المجتمع الدولي، الذي عبّر عن خيبة أمله من الموقف اللبناني، متوقّعة أن تجدّد الدول الغربية تحذيراتها من مغبّة عدم تقيّد الحكومة بالتزاماتها، كاشفة أن تصويت لبنان "فتح الأعين" الدولية، ما استدعى إيصال رسائل شديدة اللهجة بأن العقوبات لن تقتصر على مجلس الأمن، إنّما ستتعداه إلى الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية التي لن تتهاون مع أيّ محاولة للالتفاف على المحكمة.
ولفتت الأوساط الى أن مسألة التمويل عادت تطرح بقوة مع اقتراب نهاية المهلة في الخامس عشر من الشهر المقبل، وفي ظل رفع الصفدي طلب سلفة خزينة إلى مجلس الوزراء لتمويل حصّة لبنان، مستبعدة الوصول إلى مخرج بعد المواقف المعلنة والواضحة لـ "حزب الله" بالرفض القاطع للتمويل، لأن خلاف ذلك يشكّل إرباكا وإحراجا للحزب داخل بيئته، كما يمكن أن يقوده إلى مسارات مع المحكمة لا يحبّذ سلوكها.
وقلّلت الأوساط من احتمال استقالة ميقاتي، في ظل موازين القوى الحاليّة، فضلا عن أن قوى 8 آذار أوصلت رسالة حازمة لميقاتي ومفادها أنه "إذا استقال فإنه سيكون كمن يقول إن النظام السوري سقط ولا أستطيع أن أكمل في موقعي"، وبالتالي لا شكّ في أن هذا الكلام يشكّل تهديدا واضحا وصريحا لرئيس الحكومة عبر وضع استقالته وكأنّها موجّهة ضدّ النظام السوري وليس أقل من ذلك، على طريقة "معنا أو ضدنا".
ومن هنا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يملك ميقاتي الاستقالة انسجاما مع وعوده والتزاماته بالتمويل، أم أنه سيرضخ "للمشيئة" السورية على غرار التصويت ضدّ قرارات الجامعة العربية؟ وهل يأخذ في الاعتبار الوضع المقلق الذي سينشأ في لبنان في حال عدم التمويل وتداعياته الكارثية على البلد، أم أنه سيبدّي مصلحته مع سوريا و"حزب الله" على حساب لبنان؟ وهل مصلحته فعلا في تنفيذ الأجندة السورية، وهي بمثابة الانتحار السياسي كون هذه الخطوة ستضعه في مواجهة أهل السنّة والشرعيتين العربية والدولية، أم الاستقالة إنقاذا للبلد ولمستقبله السياسي؟
بري : مبادرة سياسية
الى ذلك، نقل زوّار الرئيس نبيه بري عنه انزعاجه من القطيعة السياسية مع الرئيس سعد الحريري، وهو لا يريد لهذه القطيعة أن تطول، معبّرا عن سروره بحضور الرئيس فؤاد السنيورة مأدبة العشاء التي أقامها تكريما لنائب رئيسة البرازيل المتحدّر من أصل لبناني ميشال تامر وعقيلته والوفد المرافق له في زيارته للبنان، واضعا إياها ضمن إطار التواصل الضروري، لا سيما في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة على مستوى لبنان والمنطقة.
ولفت الزوّار إلى توصيف بري للتطوّرات بأنها على درجة من الخطورة، في ظل انقطاع التواصل بين الأطراف في الداخل وبين العرب وسوريا، وتخوّفه من انزلاقها نحو مسارات سيّئة نتيجة هذا الوضع الإقليمي البالغ التعقيد.
وكشف الزوّار أن بري انتقل من الحديث عن الحوار إلى فكرة أن الأوضاع تتطلّب إطلاق مبادرة معيّنة لحماية البلد ومنعه من الانفجار، وهو يسأل ويستطلع ويستشفّ وقع هذه الفكرة لدى زوّاره في محاولة لتطويرها وترجمتها على أرض الواقع، بعدما أيقن أن العودة الى الحوار ليست مسألة تلقائية وممكنة في ظل المواقف المعلومة لدى فريقي 8 و14 آذار.
مهرجان المستقبل
أخيرا، علّقت أوساط معارضة أهمية بالغة على المهرجان الذي يقيمه تيار "المستقبل" الأحد المقبل في عاصمة الشمال لاعتبارات عديدة، أهمّها:
أولاـ مكان إقامة المهرجان (طرابلس) وزمانه (عودة ملف تمويل المحكمة بندا أوّل في أجندة الحكومة اللبنانية زائد ارتفاع منسوب المواجهة الدولية والعربية مع سوريا).
ثانياـ انتقال 14 آذار مجدّدا إلى الشارع، حيث أن هذا المهرجان هو أول حركة شعبية من هذا النوع والحجم منذ المهرجان المليوني في ذكرى انتفاضة الاستقلال في 13 آذار الماضي.
ثالثاـ المواقف الوطنية والسياسية التي ستطلق، وخصوصا من الرئيس سعد الحريري الذي سيلقي كلمة يحدّد عبرها موقفه من القضايا المطروحة وقراءته للمرحلة السياسية، وذلك عبر شاشة عملاقة يدعو فيها رئيس الحكومة صراحة الى التمويل أو الرحيل، من دون أن يعني ذلك أنّ استقالته ستمنحه فرصة استثمار هذه الخطوة داخل البيئة السنّية وفي العلاقة مع المجتمعين العربي والدولي.قيم المقال 

السابق
السفير: مسؤول أميركي: «حزب الله قوة عسكرية واستخباراتية لا يُستهان بها
التالي
الديار : سليمان: فرض السيادة الشاملة