انفجارا صور: لا رسائل مموّهة والمستهدف… الكحول؟

نالت صور، أمس، ما لم تنله خلال سنوات الحرب الأهلية. فقد استفاقت عند حوالى الخامسة فجراً على دويّ انفجارين استهدف أولهما محلاً لبيع الكحول في الحارة القديمة، والثاني مطعماً وملهىً ليلياً على الكورنيش الجنوبي. المشهد أحدث ذهولاً في المدينة التي لطالما نجت من حوادث الاقتتالات الطائفية وحافظت على تنوعها الثقافي والديني.

قبالة مبنى السرايا الحكومية، الذي يضم مكاتب الأمن العام ودوائر النفوس وسجن صور وتتقدمه نقطة مراقبة أمنية، نصب مجهولون عبوة في جدار مبنى مهجور ملاصق لمحل المواطن يوسف كتورة (من أبناء حارة النصارى) لبيع المشروبات الكحولية. العبوة التي خرقت الجدار المبني من حجر رملي ضخم، أصابت مدخل المحل، محدثة أضراراً مادية في محتوياته وتشظياً في واجهته الزجاجية. لكن العبوة الثانية كانت أشد فعلاً، إذ نسفت محتويات المطعم والملهى الواقع في القسم الغربي من الطبقة الأرضية من فندق «كوين اليسا». ومن حوله تطاير زجاج واجهات الملهى والسيارات التي كانت مركونة في محيطه وبعض نوافذ الشقق السكنية المقابلة والمحال التجارية المحاذية له، إذ يقع الفندق عند طرف جادة الرئيس نبيه بري التي تعجّ بالمقاهي والمطاعم، وتضمّ مساكن للأجانب المقيمين في المدينة من موظفين في مؤسسات الأمم المتحدة والهيئات الدولية أو من جنود قوات اليونيفيل. ويشكل الفندق مقصداً لهؤلاء، إما للإقامة المؤقتة أو للسهر.
الحادثان «الغريبان عن صور والجنوب وأهلهما»، كما وصفهما الرئيس نبيه بري، أعادا الى الواجهة جدلاً مستداماً يستعر بين بعض فاعليات المدينة بشأن ظاهرة بيع الكحول وتقديمها في معظم مطاعمها. لكن هذا الجدال سرعان ما كان يُجهَض في ظل إصرار بلدية صور والقوى المسيطرة فيها على مراعاة التنوع الديني والثقافي الذي تتميز به المدينة.

وقد أجمعت الأجهزة الأمنية والجيش اللبناني وقيادة اليونيفيل على حصر الحادثتين «باستهداف الكحول لا سواها». فقد أكد وزير الداخلية مروان شربل أن «الانفجار لا علاقة له بالأمن، بل يتعلق ببيع المشروبات الروحية»، داعياً الى «عدم ربطه باستهداف اليونيفيل». أما نائب الناطق الإعلامي باسم قيادة اليونيفيل أندريا تننتي فقد أكد أنه «ليس هناك أي مؤشر بأن اليونيفيل كانت مستهدفة جراء الانفجارين، برغم تضرر سيارتين تابعتين لها كانتا مركونتين قبالة الفندق». لكن القلق ساور ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان بالوكالة روبرت واتكنز، الذي أعرب عن خشيته من «زعزعة الاستقرار، ولا سيما في الجنوب، لأننا قلقون دوماً على أمن قوات حفظ السلام». من هنا، كان لافتاً مسارعة قيادة اليونيفيل بعد حوالى ساعة على وقوع الانفجارين، إلى الإيعاز لعناصرها وموظفيها بوقف جميع تحركاتهم. ويوم العطلة الذي حظي به الموظفون المدنيون والراحة التي توافرت للدوريات الميدانية يمثّلان جزءاً من نظام الأمان والحماية الذي تتخذه الأمم المتحدة في ظروف مشابهة لضمان أمن عناصرها. وإذا كان عناصر حفظ السلام قد اتخذوا احتياطاتهم، فإن أصحاب المحال وطلاب المدارس والمواطنين مارسوا أنشطتهم كالمعتاد، علماً بأن فريقاً من اللجنة الأمنية في قيادة اليونيفيل حضر فوراً الى محيط الفندق الذي كان ينزل فيه أحد ضباطها وأجرى مسحاً وفتح تحقيقاً، فيما وصل فريق الأدلة الجنائية الى الموقعين قرابة التاسعة، أي بعد مرور أربع ساعات على الانفجارين لإجراء مسح ورفع البصمات في المكانين اللذين كانا مقصداً لعشرات المواطنين للفرجة. وبعد ساعات من التحقيقات، قدر خبير عسكري على نحو أولي زنة العبوة التي استهدفت الفندق بحوالى ثلاثة كيلوغرامات، والثانية التي استهدفت المحل بحوالى كيلوغرام.

وإذا كان الانفجاران قد مرا على خير بالنسبة إلى اليونيفيل التي ستستعيد ابتداءً من صباح اليوم نشاطها المعتاد، فإنهما فتحا الباب واسعاً على أسئلة كثيرة. فقد استغرب كثيرون «استخدام العبوات لمنع الكحول في مدينة كصور، في حين أن حملات المنع التي خيضت في النبطية وحولا لم تعدُ حدّ المطالبة». من هنا، رجحت بعض المصادر أن تكون للحادثتين أبعاد أخرى «لتوتير الوضع الأمني، وخصوصاً أن تزامنهما في الوقت ذاته وحجمهما يشير الى جماعة محترفة تقف وراءهما».
وفيما دانت «حركة أمل» التفجيرين، داعية إلى عدم استغلالهما أو حرفهما عن صفتهما الإجرامية، وصف عضو كتلة حزب الله وزير الزراعة حسين الحاج حسن التفجيرين «بالعمل التخريبي الإرهابي الذي لا يخدم إلا أعداء لبنان، بغض النظر عن موقفنا من الاتجار بالكحول وبيعها».

ومساء، عقدت القوى اليسارية والوطنية في صور، اجتماعاً للبحث في تداعيات الحادثين. ورأت في بيان لها أنهما يصبّان في خانة استهداف المقاومة، وتحديداً حزب الله. وطالبت الأجهزة الأمنية «بتحمل مسؤولياتها في ضبط الأمن ومنع الإخلال به وتكرار مثل هذ الحوادث وتوجيه أصابع الاتهام نحو جهة محددة». وكانت أطراف عدة، قد أبدت استغرابها من قدرة الفاعلين على وضع الانفجار الأول قبالة السرايا الحكومية، وتمكنهم من تقطيع الأشرطة الخاصة بكاميرا المراقبة المنصوبة في إحدى زوايا الفندق، ثم وضع العبوة من دون أن يتنبه لهم أحد من دوريات القوى الأمنية.
الغموض لا يزال يلف الحادثين اللذين عكسا إرباكاً في صور، وقد ألغي حفل التكريم الذي كان مقرراً اليوم على شرف وزراء المال العرب وخبراء المحاسبة المشاركين في مؤتمر في بيروت، فيما أرجئ الى أجل غير مسمى معرض الصور الذي كانت السفارة الروسية بصدد افتتاحه مساء اليوم. 

السابق
الحياة: بري بعد اتهامه بمنع محاسبة الحكومة: حق للنواب استعجال استجوابها
التالي
التغيير في لبنان أيضاً