سياسة البحر من أمامكم!

ليس مفهوما لماذا أهملت القطاعات التربوية اللبنانية في المراحل الاخيرة الماضية تدريس مادة الجغرافيا، حتى إن بعض المدارس ألغتها نهائيا من مناهجها الدراسية، فبات قسم كبير من طلاب لبنان بلا ثقافة جغرافية، وتدنى لديهم مستوى الثقافة السياسية، باعتبار انه يصعب فهم السياسة جيدا من دون علم الجغرافيا.

في الماضي كان طلاب لبنان يتبارون في رسم خريطة بلدهم الصغير بحدوده المعترف بها دوليا، وقلما خلت امتحانات الشهادة الابتدائية الرسمية (السرتفيكا) وحتى الاعدادية (البروفيه) من سؤال يطلب رسم هذه الخريطة والدول المحيطة بحدود لبنان، وهي تختصر في بلدين فقط: سوريا وفلسطين (وليس اسرائيل)، أما البحر ففراغ لا متناه يبدأ من شواطئ لبنان وينتهي في بلاد الدنيا الواسعة.

ولأن فلسطين اغلقت منافذها منذ العام 1948، ونشأت دولة اسرائيل كعدو على حدودنا الجنوبية، لم يبق للبنان منفذ بري على العالم الا سوريا. وهكذا حكمت الجغرافيا مصير هذا البلد، ربما بحكمة إلهية دفعت الرئيس الراحل حافظ الاسد ذات يوم الى القول: «ان ما بين سوريا ولبنان صنعه الله ولم يصنعه الحداد». ما تقدم ليس درسا في الجغرافيا بقدر ما هو واقع سياسي يحاول فريق من اللبنانيين تجاهله في اطار سياسة النكد والكيد المتبعة، فيعيب على لبنان موقفه في الاجتماع الاخير لمجلس جامعة الدول العربية الذي قرر تعليق عضوية سوريا في الجامعة. وإذا كان رئيس الجمهورية ميشال سليمان برر هذا الموقف برفض لبنان سياسة العزل, فإن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان أكثر صراحة عندما قال ان «الموقف الذي اتخذه لبنان في الجامعة العربية انطلق من اعتبارات ووقائع تاريخية وجغرافية تراعي الخصوصية اللبنانية التي نعلم أن الاخوة العرب يتفهمونها».

والغريب, استنادا الى كلام ميقاتي، ان «الاخوة العرب» يتفهمون، فيما يرفض فريق من اللبنانيين تفهم هذه الخصوصية، في وقت ينادي بالويل والثبور وعظائم الامور كلما اغلقت سوريا حدودها مع لبنان لسبب او لآخر. وقد ثبت ان اي مزارع بطاطا في البقاع او عكار يدرك هذه الخصوصية ويتفهم موقف دولته في الجامعة العربية, اكثر من المنادين بمخاصمة سوريا وسحب السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية التي خيضت معارك سياسية لإقامتها طوال اكثر من ستين عاما.
بعيدا عن الموقف المبدئي تجاه سوريا، وبعيدا عن الاتفاقات المعقودة بين البلدين، يعرف اللبنانيون جيدا ما معنى الخصام مع سوريا وقطع العلاقات معها وإغلاق الحدود، وهو ان كان يضير سوريا قيراطا فإنه يضير لبنان قنطارا. فسياسة «البحر من امامكم» يعرف اللبنانيون تبعاتها على بلدهم فلاحين ومزارعين وصناعيين وبنائين وتجارا ومهاجرين, الى آخر السلسلة. حتى حبة البطاطا المسافرة الى دول الخليج لن تشكر هؤلاء المنادين بالقطيعة، الذين يعِدونها برحلة بحرية مضنية تودي بها الى «المزابل»، لكن اصحاب البطاطا لن يغفروا ابدا للمتسببين بإتلاف محاصيلهم وقطع ارزاقهم.

عندما عبر طارق بن زياد المضيق بين المغرب وإسبانيا, وقف امام جنوده وقال لهم: «العدو من امامكم والبحر من ورائكم, فماذا انتم فاعلون؟»… وهكذا احتل ابن زياد بلاد الاندلس التي دانت للعرب والمسلمين لأكثر من سبعة قرون. لكن اللبنانيين الطامعين باحتلال سوريا يريدون اغلاق الحدود البرية وفتح البحر امام أهلهم, كي لا يبقى أحد في بلاد الأرز.  

السابق
اللواء: المنتخب الكروي يهزم كوريا ويوحِّد اللبنانيين
التالي
الديار: سوريا لن تشارك في الرباط ولـبنـان بـطـلاً والمعلومات يكتشف القتَلَة