ماذا في أجندة الأكثرية؟

هلَّت بركة عيد الأضحى على لبنان، فأعادت له حياةً وصخباً وحركة افتقدتها مؤخراً شوارع العاصمة ومراكزها الترفيهية والتجارية بسبب الأحداث التي تشهدها دول الجوار وانعكاساتها محلياً وإقليمياً على الإقبال السياحي في المنطقة، فأثبت لبنان قدرته، مرّة أخرى، على النهوض ولعب دوره الطبيعي كرئة ومتنفّس حيوي لمحيطه، بمجرّد توفير حدّ أدنى من الاستقرار الأمني والصمت السياسي، فإذا بالفنادق ومؤسسات تأجير السيارات والمحلات التجارية والمطاعم وسائر القطاعات الخدماتية، دون إغفال الإستشفائية، تشهد إقبالاً ونسبة تشغيل مرتفعة، كان المواطن قد فقد الأمل من تحقيقها في المستقبل القريب قبل أن تتوضح الرؤية حول ما يجري فيها ابتدأ كربيع عربي، وإذا به يطوي فصولاً دون الوصول إلى برّ الأمان في ظل إنقسامات المعارضات وغياب السياسات الإصلاحية الرسمية الفاعلة·
ولكن مع انتهاء العيد، يبدو أن فترة السماح للوطن الصغير قد انتهت، وإذا بالتحديات والضغوطات تُحاصره من كل حدب وصوب:

فالإنقضاض الغربي سجّل خطوة متقدّمة من خلال زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية دانيال غلايزر للضغط على المصارف اللبنانية بغية قطع أواصر اتصالها مع القطاع المصرفي والمالي السوري، بعدما سبقته تهديدات عديدة تُنذر البلد الصغير بمواجهة مع المجتمع الدولي في حال تخلّفه عن دفع حصته من تمويل المحكمة الدولية يكون أول غيثها عقوبات تزيد من وطأة الأعباء الإقتصادية على كاهل اللبناني المُنهك·

أما إقليمياً، فالضغوطات ليست أقل، حيث أن الرسائل الأمنية مستمرة على الساحة اللبنانية، كان آخرها الإنذار الكاذب بوجود قنبلة في مركز تجاري على بُعد بضعة أمتار من مقرّي إقامة رئيسي مجلس النواب والوزراء، موضحة بشكل جلي هشاشة الوضع الأمني وعجز القوى الرسمية عن الإمساك بزمام الأمور ومواجهة التحديات·

أما داخلياً، فالبحر هائج الموج تتخبطه تيارات قوية بمختلف الإتجاهات: فإضافة إلى الملفات العالقة من تمويل محكمة وقانون انتخابات إلى تعيينات مجهولة المصير وملف إقتصادي شائك·· تليها قائمة تطول ولا تنتهي بوضوح، فقد أضيفت قضية التعامل مع الأشقاء النازحين أو اللاجئين أو حتى الزائرين السوريين، فإذا بقضية محض إنسانية تتحوّل مرّة جديدة إلى ملف إنقسامي ينتهي بقنبلة سياسية سريعة الإنفجار·

مع كل هذه التحديات التي تواجهنا في وطن فقد هويته النهائية بما أن القضايا الآنية هي التي تحكمه، يتساءل المواطن البسيط عن الخطة التي تتصوّرها قوى الأكثرية اللاعبة على الساحة المحلية وما هي آلية تنفيذها لحماية البلاد والعباد من ارتدادات كارثية يعجز الجميع عن تحمّلها، خاصة أن جسور الحوار والتواصل مع الآخر لا تزال مقطوعة، بل إن الساحة متروكة للسجالات العقيمة لتُشعل القاعدة الشعبية وتُذكّي الخلافات، مما يُنذر الجبهة الداخلية بالمزيد من الضعف والضعضعة والعجز عن تجاوز المطبات العديدة المقبلة·

فهل تتخلّى هذه الأكثرية عن قاعدة منقسمة بين مؤيّدة وأخرى وضعت تحت الأمر الواقع وتترك السلطة للفراغ والمجهول، أم تستدرك أخطاء الماضي وتُصححها عبر تضافر الجهود وتمتين الصف الوطني لتأمين الحدّ الأدنى من التنسيق حول حدّة الملفات الساخنة والخلافية والتي يمكن أن تودي، ليس بالحكومة، بل بالوطن برمّته إذا لم يتم التعاطي معها بالجدية والتعاون اللازمين لإنقاذ ربيع لبنان الذي طال انتظاره؟!

وهل ستكون دروس الإنقسام في دول الجوار كافية أم أن قدر اللبناني أن يُعطي الدروس ولا يتعلّمها؟ وهل سيكون إنقاذ الوطن على أجندة الأكثرية أم أن العنوان الكبير لا يزال إنقاذ الحلفاء مهما كان الثمن؟ أسئلة كثيرة تؤرق المواطن البسيط، وحتى الساعة لم يتكلّف مسؤول الإجابة عنها، فهل الجواب معه أصلاً أم أنه رهينة <الأقدار>؟  

السابق
البناء: قهوجي و قادة الأجهزة الأمنية يجزمون بعدم وجود مخطوفين سوريين
التالي
الملف الإيراني للتغطية على الملف السوري