فراغ في السياسة على خط الانتظار

لم يكن سعد الحريري يحلم بأكثر من هذا. دردشة عابرة على موقع «تويتر»، أغلب الظن انها لملء الفراغ، حولته الى نجم لامع خلال الاسبوع المنصرم، فملأ الدنيا وشغل الناس. لم يبق سياسي ولا كاتب ولا محلل الا وتناول هذه «المقامة الحريرية»، ولم تتورع صحيفة او محطة تلفزيونية او اذاعية عن تخصيص قسط وافر من اهتمامها لهذا «الحدث الفريد من نوعه»، فقيل في سعد على «تويتر» ما لم يقله مالك في الخمرة.
يترجم هذا الاهتمام المبالغ به أحد أمرين: إما ان سعد الحريري رجل مهم جدا في الحياة السياسية اللبنانية، سواء أكان حاضرا ام غائبا، او ان الفراغ في السياسة اللبنانية بلغ مداه الأقصى.. والارجح ان الأمر الثاني هو الاصح، من دون بخس الحريري حقه في الاهتمام كواحد من زعماء لبنان «الذين لا تغيب عنهم الشمس» ليلا نهارا.
 
والفراغ في السياسة لا يعني بأي حال فراغا سياسيا في لبنان.فالحمد لله مؤسساتنا قائمة بجميع مكوناتها الرئاسية والبرلمانية والحكومية والحزبية والعسكرية والأمنية، لكنها كما يبدو تحاول تجنب الغوص في القضايا العالقة، وهي اكثر من ان تعد وتحصى، سياسيا واقتصاديا ومعيشيا وإداريا، بانتظار «شيء ما» يقلب الميزان ويبدل الاحوال، وهذا الـ«شيء ما» ليس بعيدا عن حدودنا ولا عن رهاناتنا التي غالبا ما تكون خاسرة.
لم يعد سرا ان اللبنانيين مشدودون الى الوضع في سوريا وآفاقه المقلقة والمربكة في آن معا. فريق يراهن على سقوط النظام، وآخر على ثباته، لما للجارة الشقيقة تاريخيا من يد طولى في لبنان. فريق يرى ان اضعاف سوريا يقوّي لبنان، وآخر يؤمن بأن قوة لبنان من قوة سوريا. ولا غرو ان الفريقين يبنيان على مستقبل النظام السوري، ينصب الواحد للآخر دروب التشفي والكيد والحلفان.

لن يتغير الكثير في واقع لبنان وطبيعته السياسية، سواء سقط النظام السوري ام لم يسقط، لأن المشكلة هي في لبنان واللبنانيين انفسهم وليست في سوريا ونظامها. فالذين يراهنون على سقوط النظام الحالي في سوريا يحلمون بنظام يدعم توجهاتهم ويغلّب منطقهم على منطق الفريق الآخر، والعكس صحيح ايضا. وهذا يعني بقاء الامور على حالها، لأن اختلاف اللبنانيين ليس نابعا فقط من الدور السوري في لبنان، بل من طبيعة النظام اللبناني الذي لم يجد مرة في تاريخه فرصة للتوافق على اي لبنان نريد. ولا يستقيم لبنان عندما ترفع سوريا يدها عنه، بل عندما يرفع اللبنانيون ايديهم عن بعضهم البعض، ويتفقون على نظام يحفظ بلدهم وينشئ دولة قوية تفسح المجال أمامهم للتعامل مع الآخرين من موقع الند للند.

ان العالم يتجه من جديد كما يبدو الى منظومة القطبين والمحورين بعد عقدين من انهيار هذه المنظومة، ما يعزز من جديد سياسة الحرب الباردة بين الجبابرة. وفي مثل هذه الحالة ليس مسموحا ان تتحول سوريا الى دولة هامشية كما تحولت دول عربية من قبلها. وقد يصمد النظام السوري طويلا، وتطول معه مرحلة الانتظار في لبنان، ويستمر الفراغ في السياسة، بحيث يجد اللبنانيون المزيد المزيد من الوقت للدردشة والتسلية عبر «التويتر» و«الفايس بوك» ومواقع الكترونية أخرى لم تنشأ بعد. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. 

السابق
تهديد إيران: ابتزاز بلا جدوى
التالي
الامم المتحدة: مخاطر حقيقة بانزلاق سورية نحو حرب اهلية !!