عن أم حسن التي بلّغت عن إبنها..المخدّرات قنبلة عنقودية جديدة تبتر العقول في الجنوب

حملت أم حسن وجعها وسارتْ، تتنزع كل سياط الالم، تقفز الغصة من بين كلماتها وهي تقول: "سأدعي على إبني". تصطدمك كلماتها: وهل من أم تدعي على ولدها؟ سؤال يحضر سرعان ما تقطعه كلمات ترشقها: "حسن الذي لم يتجاوز الـ16 يعمل "سنكري"، يخرج ولا يعود الا آخر الليل، كنت أجهل الى أين. كانت الشكوك تنخر مخيلتي، الى أن علمت أنه مدمن مخدرات".

تحدثك بهدوء رصين. خلف تلك الصورة جرح عميق ينزف: "وصلت جرأته الى حدّ سرقة صندوق الصدقات ليبتاع "السمّ" من حاروف، وحين وجدت أن كل أبواب النقاش أوصدت معه، قررت أن أبلّغ عنه لأنها الطريقة الوحيدة التي أعالجه من خلالها، أستعيده وأنتقم من التجار الذين يسرحون ويمرحون دون أن يلقَ القبض على أحد منهم".

يطرح تصرف أم حسن، الذكي المشبوه في آن، جملة تساؤلات: هل فعلا المدمن إذا القي القبض عليه يعالج؟ هل تتحرك القوى الامنية بجدية لوضع اليد على تجار هذه الآفة؟ وهل تصرف أم حسن سليم؟

أسئلة ترسم أبعاد تحليل آخر يتوجب التيقن منه لانه خطر، إذا ما عرفنا أن نسبة المدمنين، على انتشار وتوسع رقعة تجار المخدرات في المنطقة الجنوبية، يرتفع منسوبه، فيما تنام عيون كثيرين عن هذه الآفة ولا تحرك ساكنا…

 
تزدهر في الآونة الأخيرة متعة "تعاطي المخدرات"، في منطقة كانت حتى الأمس القريب خالية من هذا "الكار"، على ما نعرف، الذي بدأ يطرق الباب وبقوة.

لا إحصاءات دقيقة، لا مصحات للمدمنين، لكنّ الصورة تظهر هول تفشّي هذه الآفة، خصوصا بين شبان "النرجيلة"، "والطعش" (المراهقين الذين تحت العشرين) ممن تركوا المدرسة. لم تفلح كل "أبواق" الدعوات الإصلاحية الدينية المصدر في تصويب مسارهم، فقد تخدرت عقولهم، وبات من الضروري البحث عن "نافذة" لقطع "دابر" المسألة، والانكى من كل ذلك غياب المصحات عن المدن الرئيسية جنوبا، مثل النبطية، ما يشكل علامة إستفهام خطيرة، إذ أن المدمن إذا أوقف لدى الثوى الأمنية كيف يتم التعامل معه؟ وأين يتم وضعه؟ وهل مستشفيات المنطقة مؤهلة لذلك؟

في معقل حاروف: هنا في تلك البقعة الجغرافية تذوب التساءلات عند عتبة واحدة: من يتاجر بالمخدرات؟ هل ألقي القبض على أحدهم؟ لا تلق جوابا، سوى أن "بعوضة المخدرات" تستشرس وتستبيح الشباب الذين يبيعون أنفسهم لقاء إغراءات جنسية عالية "الجودة"، أدخلتنا في "أزمة مظلمة" بات السكوت عنها "معيب"، والإختباء خلف الأصبع يصعب الامر إذا لم تتمّ معالجة الوضع في أقصى سرعة، بعد أن دق ناقوس الخطر.

عشرات التوقيفات في المخافر تمت كلها تحت عنوان "شباب بتعاطون ويروجون للمخدرات"، حتى الآن لم يسجل توقيفُ أي تاجر، فيما لسان حال أم حسن: أريد أن أعرف "رأس الحربة". تلك التي تشرع في رشق السموم على الشباب. سؤال يفتح الشهية للنقاش: لماذا حتى الآن لم يجر توقيف أي تاجر، رغم أن القوى الأمنية تدرك كل الإدراك أن معقل تلك التجارة هي حاروف وغيرها من القرى؟ فالسؤال الذي يلحّ على ذاته ويحضر بكل عجرفته: هل لديهم غطاء سياسي؟ حزبي؟ وهل في السؤال عيب؟

باختصار يدُ التذاكي في التعامل مع قضية خطرة، محركوها تجارٍ أوغاد، لا يأبهون إلاَ الى "كنزهم الأبيض"، وضحيتها شُبان "فقراء العقل"، وأغنياء "الإنصياع لإرادة الغير". لكن ألم يحن الوقت للإنقضاض على هذه الآفة التي ينتج عنها أمراض خطرة كالإيدز وغيرها، ووّلدت إنحلالا داخل مجتمعٍ أنبت "قنبلة عنقودية" من نوع آخر، ذات اللون "الأبيض"، تبتر العقل بدل الأعضاء، وتشوّه الفكر بدل الوجوه، وتترك عاهات فكرية بدل الجسدية… فهل من يسمع النداء؟  

السابق
قيادة دولية جديدة للقطاع الغربي في اليونيفيل
التالي
مآزق الثورات العربية