فشل المبادرة براءة ذمّة للجامعة العربية

خسر النظام الأسدي الحرب، ولم يخسر معركة فقط. مجرد قبول النظام المبادرة العربية من دون تحفظ، بعد أن تدلل وتمنع سعياً لتعديل نقطة أو اثنتين، يعني أنه وافق مكرهاً. كان النظام الأسدي، يضع المبادرات العربية ويفرض دائماً شروطه ومساراته، ويتدخل في كل شيء.
لبنان المثال الحاضر أبداً ودائماً. كان يفرض ما يريده من المختار الى الرئيس. الآن، يرضخ لمبادرة عربية، تضعه في موقع الخاسر. إذا نفذها، أصبحت المعارضة شريكة له في كل شيء على طريق التغيير الكبير تحت رعاية عربية كاملة ومتابعة دولية. إذا ناور وتلاعب واستهلك الوقت ازدادت عزلته، وخرج المعتدلون العرب من اعتدالهم وأحرج المتضامنون والمتكافلون معه. الأسوأ بانتظار النظام الأسدي، الفشل ورفع العرب المسؤولية عنهم، تضعه في قفص الاتهام عارياً أمام المجتمع الدولي. الجامعة العربية سعت ونجحت في الحالتين بالحصول على براءة ذمة أمام المجتمعات العربية من جهة والعالم من جهة أخرى. بعد الفشل تفتح أمام العالم كل الخيارات، طبعاً ما زال ويجب أن يبقى خيار الحل الليبي ممنوعاً ومرفوضاً. لكل حالة خصوصيتها، ومن الممكن جداً العثور على مسار يتناسب وخصوصية الحالة السورية.
 "شيء كبير" دفع النظام الأسدي لقبول المبادرة. الأرجح أن الخوف مما بعد رفض المبادرة هو الذي دفعه لقبولها. عندما تردّ بثينة شعبان على رئيس الحكومة القطرية الشيخ حمد آل ثاني على بند سحب الجيش وغيرهم (المقصود الشبيحة) من شوارع المدن والقرى: إذا سحبنا كل هذه القوات ماذا يضمن لنا عدم خروج المظاهرات بقوة وكثافة، يعني أن النظام الأسدي يعرف جيداً، أن الحل الأمني فشل، وأن التراجع عنه يعني "تسونامي" شعبياً يغرق شوارع المدن والقرى بمطلب واحد هو "الشعب يريد إسقاط النظام". عندما يصل النظام الى نقطة لا يستطيع أن يتراجع عنها ولا أن يستمر فيها يعني أن بداية الانهيار حصلت.

في جميع الحالات لا يمكن للنظام الأسدي تنفيذ المبادرة العربية لأنه غير قادر، ولأنه أيضاً لا يريد. فترة التنفيذ ضيقة ولا تحتمل التسويف والمراوغة لكسب الوقت. بند الحوار مع المعارضة وحده حقل من الألغام. السؤال أمام النظام: أي معارضة يحاورها؟.. خلال الأسابيع الأخيرة نبتت عدة هيئات معارضة، يستطيع النظام أن يتلاعب بها ومعها، طلباً لشق المعارضة كلها. حتى هذه المناورة لن تنجح. المشكلة معروفة، يعترف النظام الأسدي بالمعارضة الحقيقية في الداخل وهي معروفة جداً لأن لها تاريخها في النضال والسجون من جهة وبالمجلس الوطني، أو لا يعترف. أيضاً، وبالأهمية نفسها، هل يقبل بالحوار مع الاخوان المسلمين، أو يستمر في رفض الاعتراف بهذا المكون التاريخي بعيداً عن النقاش حول حجمه وحضوره، ما يعني الفشل المسبق للحوار. حصر ما يجري في سوريا بالمؤامرة وسواطير السلفيين لن ينقذه من استحقاق المبادرة العربية ومن ثم من المساءلة العربية والدولية الكاملة له.

النظام الأسدي، ما زال يملك أكثر من لغم يخيف به الداخل وبعض الخارج العربي. التهديد بالحرب الطائفية قائم ليلاً ونهاراً. يدفع النظام منذ أشهر باتجاه الحرب الأهلية. مسؤوليته في ارتكاب هذه الجريمة ثابتة ونهائية. المساءلة تستتبع المسؤولية. أيضاً يهدد بخنق الجميع بالفراغ، إذا سقط. حتى هذا الخوف يمكن مواجهته. كلما أسرعت المعارضة بالتفاهم حول برنامج سياسي كلما سحب من يد النظام السلاح.

الضغط الدموي المتواصل على حمص لم يخيفها كما يريد النظام، لكنه يدفعها للانزلاق نحو هاوية الحرب الطائفية. المعارضة مطالبة بالعضّ على جراحها وعدم الانجرار الى هذه الهاوية. "الأسديون" يشيعون أن سوريا تسير على طريق "الجزأرة" أي التجربة العشرية المريرة للشعب الجزائري. الجزائر صمدت لأن لديها ثروة نفطية حمت الاقتصاد الشعبي الداخلي، ليس لدى سوريا شيء من هذه الثروة. حتى ما لديها الآن خضع للعقوبات الأوروبية ـ الأميركية، أيضاً أوروبا كانت تساعد النظام الجزائري خصوصاً "جنرالات فرنسا" الجزائريين في الصمود لمتابعة ضرب الإسلاميين الذي انتج أكثر من مائة ألف قتيل. اليوم أوروبا تحديداً ضد النظام الأسدي، الخوف من الإسلاميين وتسلمهم السلطة يسقط يوماً بعد يوم بعد أن جرى الفصل بين من يقبلون بنتائج صناديق الاقتراع والمداورة وبين من يحملون السواطير والنقاب.

بعد المبادرة العربية، ليس أمام النظام الأسدي سوى أخذ إجراءات حاسمة لوقف القتل. يوم أمس الجمعة أثبت أنه لا يريد وأنه عاجز عن هذه المهمة.
فشل النظام الأسدي، سينتج عنه حصول إجماع عربي ودولي على الخلاص منه. المؤلم من كل ذلك أن ضريبة الدم التي يدفعها الشعب السوري ترتفع يوماً بعد يوم. وأن على اللبنانيين رغم التوافق العربي ـ الدولي على المحافظة على سلمه الأهلي البارد، دفْع جزء من هذه الضريبة التي تطال سيادتهم وحرياتهم وحتى أمن الكثيرين منهم تحت حجج أصبحت أوهن من بيت العنكبوت. 

السابق
السفير: واشنطن تدير الصراع في سوريا: لا تسلّموا السلاح إلى السلطة!
التالي
ملف قانوني !!