بحثًا عن عيد ممزِّق وممزَّق

قال الرئيس سليم الحص قبل يومين الآتي: "الغريب هو أنّ الخلاف بين السنة والشيعة بات يتجلّى في تحديد بداية أيام الأعياد من جانب رئيسي الطائفتين، فالسنّة يحتفلون في يوم والشيعة أو بعضهم يحتفلون في يوم آخر، هذا غير مقبول على الإطلاق، ما الذي كان يمنع مفتي الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قباني من الإتصال، ولو هاتفيا، بنائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، أو العكس، للإتفاق على المواعيد الدينية؟ وهذا أضعف الإيمان. أما الطموح فهو أنّ تكون الطائفتان كلمة واحدة في الشؤون الدينية". ودعا إلى أنّ "يكون الأمر مغايرا في المستقبل، فليس من السائغ أنّ تكون أية خلافات بين فئتين إسلاميتين على مثل هذه الأمور لا ينتج عنها إلا البلبلة".
كلام الرئيس الحص هذا هو لسان حال الكثيرين من المسلمين وغير المسلمين، خصوصا أنّ الخلاف على توقيت بداية ايام عيد الاضحى في لبنان هو خلاف مستجد، لم يكن قائما قبل عقد ونصف العقد. وكان المسلمون، من سنّة وشيعة، لا يختلفون على هذا الامر. وأيّا كانت المبررات الفقهية التي يقدمها البعض، لجهة آلية تحديد بداية الشهور العربية، فإنّ ذلك لا يمكن تبريره في يوم "الاضحى"، حين يشارك ملايين المسلمين في مدينة مكّة بمراسم الحج، التي هي مراسم موحدة وفي مواقيت محددة. وأيّا كان الرأي الفقهي، فهو لا ينفصل عن نزعة الخلاف، وليس الاجتهاد، التي تترسخ في البيئات الاسلامية على اختلافها، خصوصا انها بدأت تتسلل الى البيئة الشيعية حيث بات العيد عملية بحث وتمييز واستعراض النفوذ الديني، وحتى السياسي. وبات البيت الواحد منقسما على نفسه في يوم العيد.
العيد لم يعد واحدا وجامعا، اذ ينهمك الكثيرون منّا في هذه المناسبة بسؤال الآخر: متى العيد؟ وبناء على جوابه يضع كل منا الآخر في خانة الـ"مع" او الـ"ضدّ"؟ وغالبا ما تأخذ الاجابة معان سياسية وحسابات تتعارض في الحد الادنى مع فكرة الاضحى ومعانيها.
انه عيد الاضحى وفيه يبتهل المسلمون الى الله، وهم يستعيدون القصة الشهيرة لنبي الله ابراهيم الخليل وابنه اسماعيل، حين أمره الله أنّ يضحي بابنه الوحيد الذي كان ولده بعد أن بلغ من العمر عتيا، ولكنه حين كان يبادر إلى تنفيذ امر الله باسماعيل الذي كان صار شابا فداه، عزّ وجل، بكبش عظيم من الجنة. وهكذا أصبحت الأضحية سنّة للمسلمين كافة، يؤدونها أيام الحج إلى البيت العتيق في مكة المكرمة.
إذًا الاضحى او التضحية هي القيمة الابرز في معاني هذا العيد، الذي بات الكثير منا اليوم لا يبحث عن زمانه وتوقيته دون أن يجده، بل قبل ذلك افتقد في اجتماعه الانساني إلى كثير من المعاني التي يتضمنها هذا العيد. هو عيد وتقتضي المناسبة أنّ يتأمل الانسان، أكان مسلما او غير مسلم، في هذه الواقعة التي تتصل بالديانات الابراهيمية كلها. خصوصا اننا في كثير من أعيادنا، أكانت دينية او غير دينية، نتعلق بالقشور.
انها عملية بحث عن العيد، الذي يضيع ونفتقده رغم كل الرموز الدينية التي نواجهها في يومياتنا. ثمة فائض في القشور ونقص في الجوهر: أوليست المظاهر الدينية في مجتمعنا، من آيات قرآنية وشعارات ومدارس ومؤسسات ورجال ونساء ورموز باتت تضجّ من حولنا… لكن في المقابل، وأقولها بثقة وأسف، ما نشهده في مجتمعنا اللبناني اليوم هو تراجع القيم الحقيقية للدين: صغيرنا لا يحترم كبيرنا، والتعدي من شيم الأتقياء، والتشبيح من سيرة الصالحين، والتعصب المذهبي شهادة دخول إلى الجنة… والإيثار والأمانة والصدق والمحبة، وغيرها من القيم الجوهرية التي تدعو اليها الاديان السماوية، تضمر في أيامنا رغم ازدياد عديد المصلين.
عيد الاضحى الذي يرمز أكثر من سواه من الأعياد الإسلامية الى وحدة المسلمين بات في ايامنا هذه وسيلة لتظهير الفرقة والتغني بها، ووسيلة لعد التابعين واختبار عصبياتهم.
في الفقه الاسلامي ايضا أنّ كل مفهوم هو متحرك متغيّر، يمكن أن يكون حسناً تارة وقبيحاً تارة أخرى حتى الصدق؟! الصدق إذا كان يسبب ضررا وفتنة فهو حرام، والكذب إذا كان مصدر إصلاح ووفاق فهو جائز بل واجب، إلا العدل فهو حسن بذاته، والظلم أيضا الذي لا يمكن إلا أنّ يكون مصدر شرّ. أما توقيت العيد فقد بات مصدرا لتظهير الفرقة في البيت الواحد ومجالا لاستعراض العصبيات والتمايز في غير موقعه وظالما لكثير من حجاج البيت الحرام. ودعوة الرئيس الحص إلى توحيد العيد تصبح مطلبا على قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"… ولكن يادولة الرئيس هل من حياة لمن تنادي؟
البلد- السبت 5 ت2 2011

السابق
مسؤول اميركي: من غير الواضح اذا كانت ايران اتخذت قرارا بتطوير سلاح نووي
التالي
البناء: حزب الله يرد على فيلتمان: تهويل كلامي لن يؤثر على قناعاتنا