الجنرال يواجه استحقاقاته المسيحية

يُجري العماد ميشال عون مراجعة حساب سياسيّة ليعرف أين هو اليوم "التيّار الوطنيّ الحرّ"، وهل ما زال يمتلك القواعد الشعبية التي لطالما ارتكز إليها، خصوصاً في الوسط المسيحيّ، للمطالبة بالحصص في الحكومة والإدارات والمؤسّسات.

تتبلّغ الرابية من نوّاب تكتّل "التغيير والإصلاح" يوميّاً، إشارات الى وجود حال من عدم الرّضى لدى القواعد الشعبيّة التي أيّدت هؤلاء النوّاب في انتخابات 2009، عن الخطاب السياسيّ الذي يتبنّاه "الجنرال" اليوم، والذي تجاوز منطق التحالف مع "حزب الله" إزاء الملفّات ذات الطابع السياسي العام، إلى دعم "الحزب" أو السكوت عن مواقفه من الملفّات التي تعني المسيحيّين مباشرة.

لاسا- ترشيش- عين سعادة

وأبرز النماذج في هذا المجال قضيّة لاسا التي يتّخذ نوّاب "التيار" ومسؤولوه موقفاً ملتبساً إزاءها، لأنّهم لا يريدون أن "يُسوِّدوا وجوههم" في المسألة مع "حزب الله".

فمن الأسهل عليهم أن "تزعل" الكنيسة في لاسا، على أن "يزعل" حليفهم القوي. ولم ينفع قيام البطريرك بشارة الراعي بمبادرة غير مسبوقة إزاء "الحزب" وسلاحه في تسهيل أمور الكنيسة في لاسا.

واستفاد العماد عون من الدعم المعنويّ للاحتفال بالبطريرك في بعلبك والجنوب… وليس في لاسا! وهذه مسألة يثيرها المسيحيّون من أبناء تلك المنطقة أمام نوّابهم، الذين بدورهم يراجعون الرابية، ولكن لا جواب شافٍ، خصوصاً عندما تمّ التصدّي للقوى الأمنيّة وقطع الطرق في المنطقة والضاحية الجنوبية احتجاجاً.

وفي ترشيش نموذج آخر. فالقواعد المسيحيّة، حتى تلك التي أيّدت "التيّار" حتى اليوم، تزداد لديها الأسئلة عن أسباب الصمت الذي تلتزمه الرابية إزاء الملفّ، خصوصاً أنّ شبكة اتّصالات المقاومة التي تعبر البلدات المسيحيّة تستخدم تمديدات وزارة الاتّصالات وأجهزتها، التي هي اليوم في عهدة "تكتّل التغيير والإصلاح".

وثمّة نموذج ثالث في المتن، حيث "التيار" يخوض معركة مع قواعد شعبية ارتكز إليها في الانتخابات النيابية والبلدية الأخيرتين، على خلفيّة تركيب خطوط التوتّر العالي في عين سعادة – المنصورية. و"التيّار" خاض معاركه الانتخابية بناء على دراسات دوليّة تثبت مخاطر هذه الخطوط على الصحّة العامّة، بينها أبحاث لمنظمة الصحّة العالمية، لكن هذه الدراسات وحاملي لوائها إنكفأوا اليوم منعاً لإحراج وزير الطاقة جبران باسيل، الذي بات يهدّد الأهالي بتمديد الخطوط رغماً عنهم، لأنّه هو شخصيّاً بات مقتنعاً بعدم وجود ضرر منها على الصحّة. وهذه المسألة تدفع العديد من الأهالي في المنطقة المعنيّة إلى إرسال أسئلة إلى الرابية: هل كنتم تخدعوننا في الماضي أم إنّكم تفعلون ذلك اليوم؟

… والأراضي… والمحكمة!

هذه العناوين الثلاثة تربك الرابية مسيحيّاً في مناطق من جبل لبنان، لكن ثمّة شكاوى تصل في استمرار من المناطق عن بيع الأراضي، خصوصاً بعد تحويل بعضها مراكز عسكريّة في الجنوب. وهذا الواقع يثير إشكالات في شعبيّة "التيار"، خصوصاً لدى المتردّدين أو المناصرين، غير المنتمين تنظيميّاً الى "التيار".

تلك المسائل التي تُحرج الرابية شعبيّاً، وعلى الأخصّ مسيحيّاً، تضاف إلى الخطّ البيانيّ السياسي الذي يسلكه "الجنرال" منذ إعلان ورقة التفاهم مع "حزب الله"، والذي أدّى إلى انقلاب "التيار" على النهج الذي بنى شعبيته على أساسه طوال سنوات، في ما يعني السلاح وسلطة الدولة والموقف من سوريا.

ولكن، في هذا المجال، يتّخذ ملف المحكمة الدوليّة موقعاً مهمّاً. فـ"الجنرال" انقاد تدريجاً إلى موقع يتقدّم فيه أصحاب الشأن، حلفاؤه، في رفض المحكمة. وهو سبق الأمين العام لـ"الحزب" السيّد حسن نصرالله في التعبير عن رفض تمويلها. وهذا الرفض يسيء إلى شريحة لبنانيّة مهمّة، كما إلى شريحة مسيحيّة واسعة معنيّة بكشف الحقيقة. فالاغتيالات ومحاولات الاغتيال استهدفت وجوهاً مسيحيّة ذات شأن ودور في الحياة السياسية والعسكرية والإعلاميّة. ولا يمكن أن تمرّ في سهولة محاولات تعطيل المحكمة لدى الرأي العام المسيحيّ.

هذه الإشكالات بين الرابية والقواعد المسيحيّة تقلقها، ويحاول "الجنرال" تعويضها بزيادة الوعود من وزرائه، لعلّ ما تفقده هنا يجري تعويضه هناك. لكن ما تحقَّق حتى اليوم من الوعود لا يكفي لتعويض شيء.  

السابق
معضلة..
التالي
وثائق ليبية!!