فضل الله:لتخفيف التشنج في الخطاب السياسي ووضع الهم الاجتماعي في اولى اولويات الدولة

القى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: "عاشت فلسطين المحتلة وقطاع غزة، ومعهما شعوب العالم العربي والإسلامي، أجواء من الفرحة والإحساس بمشاعر العزة في هذه الأيام، مع الإعلان عن صفقة التبادل بين حركة "حماس" وكيان العدو، مقابل إطلاق سراح الجندي الصهيوني "جلعاد شاليط" الذي لم يغب عن الأجندة السياسية للادارات الغربية، وبقيت قضيته تتردد في الإعلام الغربي منذ الأيام الأولى لأسره، من دون أي ذكر لما يزيد عن عشرة آلاف معتقل فلسطيني خلف القضبان يعانون أشد المعاناة. لقد أظهرت هذه الصفقة صدقية المقاومة الإسلامية في فلسطين في التعامل مع أسراها، وأنها لا تنساهم، فلهم حق عليها وهي تشعر بالواجب تجاههم، كما أكدت أحقية خيارها الجهادي في مواجهة عدو لا يعي إلا لغة القوة، وبالتالي، بينت أهمية الثبات على الموقف الحاسم في مواجهة الاحتلال، وعدم التسرع في القبول بالأمر الواقع المطروح وتقديم التنازلات، بحيث أجبرت العدو على الرضوخ لشروطها في التبادل.إننا في الوقت الذي نهنئ الشعب الفلسطيني والمقاومة الإسلامية حماس، وكل الأسرى، نؤكد أن جرح الأسرى لا يزال مفتوحا، حيث لا تزال سجون العدو تمتلئ بالآلاف من المعتقلين الفلسطينيين الذين يتعرضون لأبشع حالات التعذيب النفسي والجسدي والقهر والإذلال من العدو".

اضاف: "إننا نقول للعرب وللمسلمين: إن هذا الحدث يمثل حجة جديدة، بعد كل الحجج السابقة التي قدمتها المقاومة في لبنان وفلسطين على أحقية خيار المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني. فقد أثبت هذا الخيار جدواه عزة وعنفوانا وحرية، فيما كل الخيارات الأخرى لا تزال تنتظر قرارات مجلس الأمن التي لن تحصل إلا الأعطيات الممزوجة ذلا وهزيمة وضعفا وتراجعا، أو الوعود المعسولة التي يختفي خلفها السراب.لذلك، ندعو هذه الشعوب إلى أن تقف مع هذا الخيار، وأن تدعمه بكل وسائل الدعم السياسي وغير السياسي، كي تواصل فعلها التحريري للأرض والإنسان. إننا نؤكد هذا الخيار في لبنان وفي فلسطين وفي كل بلد احتلت أرضه.وفي هذا المجال، نعيد تأكيد ضرورة احتضان القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها، وجعلها في طليعة القضايا في هذه المرحلة، حيث يراد لهذه القضية أن لا تكون من الأولويات، بل أن تختفي وتضيع أمام ما يجري في العالم العربي والإسلامي، ليسهل على العدو الصهيوني أن يقضم الأرض والمقدسات في ظل استمرار عمليات الزحف الاستيطاني وعمليات التهويد الصهيونية.إننا ندعو إلى إبقاء هذه القضية في الواجهة، في العقول والقلوب، وأن نعتبرها أم القضايا، لأننا عندما نهزم في فلسطين، فسوف تنتقل عدوى الهزيمة إلى كل مواقعنا القريبة والبعيدة، فيما لو صبرنا وثبتنا وأكدنا أن خيارنا هو فلسطين، كل فلسطين، فقد يواجهنا العالم، لكنه سيحترمنا، وسيتعلم أن لا يعيد الكرة في أي موقع آخر".

ودعا فضل الله إلى "تعزيز عناصر القوة في داخل الواقع العربي والإسلامي، وإزالة كل أسباب التوتر والفتن التي يراد لها أن تعصف به، وخصوصا أن هناك سعيا حثيثا لزرع الفتنة المذهبية ما بين السنة والشيعة. ومن هنا نعيد تأكيد ما أكدناه في الأسبوع الماضي، وهو ضرورة الإسراع في فتح قنوات الحوار بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران.إننا نشد على أيدي كل الساعين لتوحيد صفوف المسلمين، وكل النابذين للفتنة التي يراد تحريكها على أساس مذهبي في المنطقة، وندعو الغيارى من المسلمين وقادة الحركات الإسلامية والمرجعيات الإسلامية، إلى العمل بكل الإمكانات لإقفال الطريق أمام المشروع الأميركي ـ الغربي الصهيوني، الذي يحاول إعادة تشكيل مواقعه في المنطقة تحت وابل من الألاعيب الإعلامية والسياسية التي لم تعد تنطلي على الواعين والعارفين بحقائق الأمور".

وتابع فضل الله "اما ليبيا التي شهدت نهاية الطاغية الذي جثم على صدرها طوال 42 سنة، ولم يوفر لشعبه في خلالها متطلباته في الحرية والعيش الكريم والتقدم، بل أهدر الثروات الطائلة في خدمة مزاجيته وأهوائه ومصالحه، وكما اكتوى شعبه من ظلمه وطغيانه، فقد دفعنا نحن ثمنا باهظا بفعل جريمته الكبرى في اختطافه لشخصية كبيرة هي شخصية السيد موسى الصدر، التي كان لها دورها الريادي على المستوى الإسلامي المنفتح، وفي مواجهة الحرمان الداخلي ووقوفه مع القضايا الكبيرة، لا سيما القضية الفلسطينية، وهو الذي قال "إن شرف القدس يأبى أن يتحرر إلا على أيدي المؤمنين.
وقال:"اننا إذ نهنئ الليبيين على انتصارهم وطيهم لهذه الصفحة المظلمة من تاريخ ليبيا، ندعو الشعب الليبي إلى وعي المخاطر التي تواجهه، ولا سيما من الحلف الأطلسي، الذي وإن قدم نفسه كمنقذ للشعب الليبي فإنه لن يدع ليبيا ترتاح، ولن يترك للشعب الليبي خياراته في الوصول إلى الاستقلال التام والحرية الكاملة، بل يريد السيطرة على ثروات الشعب الليبي، وخصوصا ثروته النفطية، حيث لا تزال الشهية مفتوحة لدى هذا الحلف على هذه الثروة الكبيرة التي تملكها ليبيا، وأيضا لموقعها الاستراتيجي، هذا بالإضافة إلى مئات المليارات من الدولارات المودعة في البنوك الأميركية والأوروبية.إننا نريد للشعب الليبي أن تبقى عيونه مفتوحة على ثرواته وأمنه ووحدته الداخلية، وأن يتوقى الفتن التي يراد للشعب أن يغرق فيها، ليسهل على اللاعبين الذين يريدون الإمساك بزمام المنطقة أن يحققوا أهدافهم فيها، كما نريد لهذا الشعب أن لا يسقط قريسة للعبة الأمم الساعية لاستبدال طاغية محلي بطواغيب ومستكبرين دوليين.إننا ندعو الشعب الليبي إلى أن يأخذ خياره بكل جدية ومسؤولية، رغم أن هذا الأمر لن يكون سهلا، فقد يحتاج إلى تضحيات جديدة، لكنها الحرية الحقيقية والاستقلال الحقيقي والأمن الحقيقي، وهو ما لا ينال إلا بالجهد والعمل والتخطيط والإرادة الحرة".

ولفت فضل الله "إلى ما يحدث في العراق من تفجيرات وحشية انطلقت مع بدء الحديث عن اقتراب موعد الانسحاب الأميركي، ومع إصرار العراقيين على عدم إعطاء الحصانة لقوات الاحتلال والمدربين الأميركيين، وهو ما يفسر ـ بطريقة وأخرى ـ حركة العنف الدامي التي لونت الحدث العراقي بالأحمر القاني في الأسابيع والأيام الأخيرة، خدمة للمشروع الأميركي الذي يحاول أن يتغذى من الحدث العراقي وغيره، وأن يلعب لعبة الأمن والمذهبية في آن. إننا ندعو العراقيين إلى الوحدة والتماسك، وكف أيدي اللاعبين بالفتنة الطائفية والمذهبية والانقسامات السياسية. والتوجه جميعا لحماية العراق من الذين لا يريدون له الاستقرار، بل يريدونه بقرة حلوبا لمصالحهم على مستوى النفط والموقع الاستراتيجي".

وتحدث فضل الله الاوضاع في لبنان، ولاحظ "أننا لا نزال في قلب الدوامة، وخصوصا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، حيث أظهرت المعالجات الجزئية التي انطلقت فيها الحكومات السابقة والحكومة الحالية، أن المسألة ازدادت تفاقما، بالنظر إلى غياب الرؤية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة من قبل الدولة التي عليها التعامل مع الأزمة في قاعدتها البنيوية وتداعياتها الشاملة، لا في زيادة الرواتب بطريقة عشوائية غير مدروسة، أو في الحديث الشكلي عن مسألة ارتفاع الأسعار، وعدم اللجوء إلى طرق ناجعة لمعالجته، أو في التغاضي عن الفساد والسرقة والقضايا الأساسية التي تشغل بال المواطن وتهدد أمنه الاجتماعي واستقراره السياسي".

وقال "اننا في الوقت الذي نشعر بأن الهامش بدأ يضيق أمام الجميع، عمالا وموظفين وأساتذة جامعات وثانويات ومعاهد وما إلى ذلك، حيث تم اللجوء إلى الإضراب كتعبير طبيعي عن الأزمة المتفاقمة، لا نزال نلمح إصرارا على المعالجة الجزئية للأزمة، والابتعاد عن الحوار مع القطاعات العمالية والتربوية والقطاعات الاقتصادية لإيجاد صيغ تؤسس لحلول حاسمة على المستوى الاجتماعي والوطني العام، ولا تربك الوضع الاقتصادي".

ودعا "الدولة إلى أن تضع هذا الهم الاجتماعي في أولى أولوياتها، فبه تؤكد نجاحها وفشلها. وفي الوقت نفسه، ندعو إلى تخفيف التشنج في الخطاب السياسي الذي بات سمة المرحلة، بحيث بتنا نخشى على أجيالنا من أن تتأثر مفرداتهم عندما يستمعون إلى نواب الشعب ومسؤوليه كيف يتحدث بعضهم مع بعض، وكيف يواجهون خلافاتهم.ألم يحن الوقت في ظل هذه المرحلة بانتظار حسم الخيارات من حولنا في المنطقة. أن نهدأ لترتاح أعصابنا وأعصاب الناس ولو قليلا، قبل أن تأتي الرياح العاتية من هنا وهناك، فنكون أكثر قدرة ومنعة على مواجهتها".  

السابق
احمد قبلان: التهدئة مطلوبة على كل الجبهات الأخطار والمهاوي تدفعنا إلى إعلان حالة طوارىء سياسية
التالي
أصدقاء الشيخ حسن مشيمش: سجين رأي حتى ثبوت العكس