1027 مبروك…لكن

رحبت الأمم المتحدة بصفقة التبادل ما بين الفلسطينيين وإسرائيل، مؤكدة «أنها تعدّ خطوة إيجابية نحو إيجاد حل للقضية الفلسطينية». وحده الله يعلم من أين يأتي كلام مشابه، وغزة محاصرة، والسلطة في رام الله بلا سيادة، والإسرائيليون يرفضون الاعتراف بالقرارات الدولية، وحتى بأرقام اللاجئين الفلسطينيين، ويرون أن مشكلة المخيمات مضخمة، وأن هؤلاء البشر، الذين أُخرجوا بالقوة من أرضهم، وتناثروا وتكاثروا جيلاً بعد جيل، «غير موجودين عملياً». فمن أين سيأتي حل للقضية الفلسطينية في رأي الأمم المتحدة؟

في لبنان يعلم الكل، بالخبرة والتجربة المباشرة، وتراكم القتال والعمل أنه لا شيء في هذا العالم اسمه حق، ولا إنسانية، وأنه جرت معاملة السكان في الجنوب والمناطق المحتلة بأعقاب البنادق حالما استقر الاحتلال الإسرائيلي، وكانت من بعدها تجارب الاعتقال في أنصار. في البداية، ألقى الإسرائيليون هناك من اعتقلوا من شبان فلسطينيين ولبنانيين بشبهة القتال الى جانب منظمة التحرير والحركة الوطنية، بعدها صار الدخول الى معتقل أنصار الأول عملاً روتينياً، وتكدس هناك ألوف المعتقلين، الى أن أُغلق المعتقل بصفقتي تبادل عام 1983 و1984، بعدما أسرت الجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة، وحركة فتح، ثمانية جنود للاحتلال الإسرائيلي في لبنان.
إلا أن هناك من لا يزال يراهن على أن الحق ينتصر من دون قوة، وأن المفاوضات يمكن أن تدور بين طرفين، أحدهما يملك كل أسباب القوة، والآخر لا يملك الا الحق المجرد، بينما كل مرة يحصل فيها تطور إيجابي في الصراع مع العدو يكون ناتجاً عن امتلاك عنصر من عناصر القوة، فإما سلاح، وإما أسرى، وإما قدرة ردع، حتى معاهدات السلام التي تنازل فيها الرئيس المصري أنور السادات عن جزء من السيادة المصرية، كانت تعتمد على حرب عام 1973 وعلى قدرة عربية على المبادرة، وكذلك اتفاقية أوسلو، التي لم يكن العدو ليوقعها لو لم يكن الداخل الفلسطيني قد انتفض أعواماً. 
في بلدنا المريض لبنان يبدو أننا في كل مرة نحتاج الى تكرار البديهيات والمبادئ الأولية في السياسة، ورغم ذلك تسمع من يتحدث عن لا جدوى سلاح المقاومة، وعن عبثية المقاومة في فلسطين، وعن الخيارات التي يمثلها رجال الدولة من أمثال الطيبَي الذكر فؤاد السنيورة ومحمود عباس، وعن الخيارات الصحيحة لحل النزاع كتلك التي اتخذها السادات وياسر عرفات، ناسين ما كان قد سبقها ومن أي سياق أتت، وما الذي دفع سلفاً للوصول الى هذه الخيارات، كما أن فك قيود الأسرى اللبنانيين في سجون الاحتلال لم يكن ثمنه فقط أسر جنود إسرائيليين، بل أيضاً الخضوع كل مرة لاختبار القدرة على الصمود وإثبات الذات، والتعرض للعصف الثأري للجيش الإسرائيلي، قبل أن يسلم بقدرة المقاومة على الصمود، ويبدأ بالمفاوضات للتبادل، وهو ما حصل تماماً مع غزة، حين تمكنت حماس وفصائل أخرى من تنفيذ عملية أسر شاليط. حينها صبت حمم الثأر على غزة، وتحمّل أهلها ولا يزالون ثمن حريتهم وحرية أبنائهم.
يبقى أن في السجون الإسرائيلية اليوم ما يقارب 4000 أسير، بحسب بيانات إدارة السجون الإسرائيلية في شهر آب الماضي، وسبعة آلاف بحسب تقديرات حركة حماس، وهؤلاء لن يروا النور مجدداً إلا بعد المزيد من التضحيات، ومن أعمال المقاومة، ومن التكاليف الباهظة التي سيدفعها الناس في غزة وكل أراضي فلسطين.

كيف يمكن الأمم المتحدة أن تعدّ هذه الصفقة مدخلاً لإيجاد حل للقضية الفلسطينية؟ ربما السكر الشديد يبرر إطلاق تصريحات مشابهة، وخاصة أن القوى التي تمكنت من تحقيق الإنجازات في الصراع العربي الإسرائيلي لم تكن مدعومة من المنظمة الدولية، ولا هي أصلاً ترحب بمواقف هذه المنظمة الكسيحة.
ومن طبيعة الأمور أن تكون عين الأمم المتحدة عوراء، وأن لا يفرح من قلبه إلا من ضحى لرؤية أبنائه أحراراً، وأن ينتظر المرء مصير الأسرى الحاليين في السجون، وأن يغضب لإبعاد البعض عن أرض وطنهم الأم، بينما المطلوب إعادة أصحاب الحق الى أرضهم.
أُطلق 1027 أسيراً من سجون العدو . نعم، لكن لا تزال كلفة التعبير الحر في العالم العربي من حولنا تعادل الاعتقال او القتل، رغم بدايات الثورات العربية. إلا أن عشرات ألوف العرب قتلوا خلال الأشهر الماضية ليصلوا الى حريتهم، وعشرات اخرين يقبعون تحت الاعتقال في أوطانهم وبأمر من أنظمتهم . 

السابق
مسؤول حزب علماني
التالي
إضراب اليوم..والأهالي جزء من المعركة