تعديل الطائف قد لا يأتي لمصلحة المسيحيين

يخطئ من يظن ان تعديل دستور الطائف قد يكون في مصلحة المسيحيين ويعيد بعضا من الصلاحيات الى رئيس الجمهورية ولا يفتح الباب مجددا للبحث في موضوع المناصفة واعتماد العدد اساسا لتوزيع المقاعد في السلطتين الاجرائية والاشتراعية، وهو ما كان قد اثاره البعض في لقاءات الطائف، إلا انه ارتؤي تطمينا للمسيحيين اعتماد المناصفة وان تستمر مهما تبدلت الاوضاع الديموغرافية في لبنان وذلك ترسيخا للعيش المشترك وتعزيزا للوحدة الوطنية، وأن لا يعاد النظر فيها الا بموافقة ثلثي عدد النواب.
هذه المناصفة باتت الآن بندا مهما في قانون الانتخابات النيابية لجهة ترجمتها ترجمة صحيحة وجعلها واقعا تحقيقا للتمثيل السياسي لكل مذهب، ولإعادة تكوين السلطة على اسس سليمة عادلة ومتوازنة انصافا للجميع وتمهيدا لإقامة الدولة المدنية التي تحقق فعلا لا قولا مبدأ "الدين لله والوطن للجميع".

اما الكلام على استعادة بعض صلاحيات رئيس الجمهورية التي أُخذت منه في لقاءات الطائف، فإن معظم هذه الصلاحيات لم يكن في استطاعة رئيس الجمهورية ممارستها لئلا تحدث انقساما سياسيا وطائفيا مثل حقه في تعيين الوزراء وتسمية رئيس للوزراء من بينهم، وأن من كان يمارس هذه الصلاحية كان يتسبب غالبا بخلق أزمات وخلافات وبجعل المسلمين يشعرون بالغبن في اختيار رئيس حكومة عنهم. لذلك تقرر اعتماد الاستشارات الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية في القصر وليس في مكان آخر لكي يكون له رأي او نصح للنائب الذي يأتي ليسمي رئيس حكومة لتكون تسميته ملائمة للظروف الموضوعية السائدة في الداخل والخارج وليست متعارضة معها وغير مناسبة لها. ولو لم يكن هذا هو القصد من اجراء الاستشارات في القصر الجمهوري لكان تقرر انتخاب رئيس الحكومة في مجلس النواب كما ينتخب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب. اما اذا لم تأخذ الاكثرية برأي رئيس الجمهورية في تسمية رئيس الحكومة المناسب للظرف المناسب، فإن دستور الطائف أبقى في يد رئيس الجمهورية، كما يقول نائب رئيس مجلس النواب سابقا ميشال معلولي، ثلاثة اسلحة: الاول التدخل لدى النواب لمنع تسمية الشخص غير الملائم لتشكيل الحكومة او الشخص الذي قد لا يحترم الدستور ولا يحافظ على استقلال لبنان وسيادته وهو ما اقسم الرئيس وحده على ذلك. والسلاح الثاني هو ان التشكيلة الوزارية عندما تعرض عليه فإن من صلاحيته الا يوقّع مرسوم تشكيلها اذا وجد فيها خللا ما قد يدفع البلاد نحو الهاوية. والسلاح الثالث هو حقه في ان يوجّه الى مجلس النواب رسالة يشرح له وللرأي العام خطورة ما يحصل وينبه الجميع الى خطورة ذلك.
 ان الرئيس ميشال سليمان مدرك لأهداف بعض من يطالبون بتعديل الدستور قبل ان يكتمل تطبيق اتفاق الطائف تطبيقا دقيقا كاملا لمعرفة ما فيه من ثغر ينبغي سدها ونصوص ملتبسة في حاجة الى توضيح لمنع التناقض في تفسيرها. لذلك قال بوجود "ثغر في الدستور ينبغي تصحيحها ولا سيما ما يتعلق منها بصلاحياته كي يستطيع القيام بدور التوافق وان يدير اللعبة لا أن يسير معها".

الواقع ان المطلوب ليس زيادة صلاحيات رئيس الجمهورية زيادة تجعله لا يستطيع استعمالها من دون ان يواجه اعتراضات وخلافات وانقسامات سياسية وطائفية، بل تمكينه من استعمال الصلاحيات التي تمنح له ولو في حدها الادنى، لا ان تُحسب على المسيحيين صلاحيات لا يستطيع استعمالها ليؤخذ في المقابل ما هو اهم منها. فحلّ مجلس النواب مثلا في ظروف معينة وللخروج من ازمة مستعصية هو موضوع قابل للبحث شرط الا يكون حلّه من صلاحية رئيس الجمهورية وحده بل من صلاحية مجلس الوزراء مجتمعا وبأكثرية الثلثين كي لا يكون لحله اهداف سياسية او مصلحية او شخصية. واذا كان لا بد من اعادة النظر في دستور الطائف تصحيحا او تصويبا او تطويرا، فلا بد اولا من تنفيذ ما تبقى من بنوده وخصوصا اللامركزية الادارية واستحداث مجلس الشيوخ، والغاء الطائفية السياسية، حتى اذا كان لا بد من ادخال تعديلات فإنها قد تكون مختلفة بعد التطبيق الكامل للاتفاق عنه ما قبل التطبيق.

الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان يقول لكل من يتحدث امامه عن تعديل اتفاق الطائف، إن اي تعديل عليه قد لا يكون لمصلحة المسيحيين، فهذا الاتفاق هو افضل ضمانة للمسيحيين في لبنان لانه تجاوز مسألة العدد الى العيش المشترك. هذا ما كان يقوله الرئيس الحريري يوم لم يكن لدى المسيحيين المخاوف والهواجس التي لديهم اليوم، وهي مخاوف يبدّدها قانون للانتخابات يكون عادلا ومتوازنا ويؤمن التمثيل السياسي الصحيح للمسيحيين والمسلمين ويترجم المناصفة في عدد المقاعد النيابية ترجمة صحيحة وفعلية، لا أن تبقى المناصفة رقما على ورق فيعود اذذاك الشعور ليس بالخوف فحسب انما بالغبن ايضا. 

السابق
النهار: هدوء نيابي وتأجيل حكومي يسبقان العواصف
التالي
ترسيم الحدود مشيوه