جنبلاط: كما تراني يا سيّد أراك

قبل ان يطل رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط عبر شاشة "المنار" مساء أمس كانت كل الأوساط السياسية والإعلامية تتحرّى عما ما دار في اللقاء الليلي الذي جمعه مس الاول مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، خصوصا بعدما كُشف عن ان تفاهما جرى بين الطرفين على اعتبار اللقاء مرحلة أولى من تفاهم جديد لتكون المقابلة التلفزيوينة المرحلة الثانية منه.

وعليه، ساد اعتقاد امس مفاده انه طالما ان الحدثين متلازمين الى هذه الحدود، فلا بد من ان تكون هناك مؤشرات عل تفاهم ما بين الرجلين حول كثير من القضايا المتنازع عليها، بعدما عبّرت المواقف المعلنة عن هامش واسع من الخلافات بين الطرفين حول عدد من الملفات الكبرى، لعل ابرزها ما يتصل بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان وعدد من الملفات الداخلية، والتي طفت على سطح الأحداث بعد تعيين الوزير السابق عدنان السيد حسين رئيسا للجامعة اللبنانية، الأمر الذي إعتبر في حينه مناسبة قد لا تتكرر لتصل الرسالة سريعا، سواء وُجِّهت من المختارة، أم من بيصور في اتجاه الضاحية الجنوبية.

وفي إقتناع زعيم المختارة ان المواقف التي تلتف حول ملف المحكمة وتمويلها تقود الطرفين ومعهما مؤيديهما الى مواجهة حتمية لن تكون من مصلحة أحد، وإذا انفجرت في البهو الحكومي، أو في بهو الأكثرية، لا فرق، لأنهما سيستخدمان كل الاسلحة المتوافرة لديهما. وستؤدي شظاياها الى إصابة الجميع وفي كل الإتجاهات ما لم يجر تحصينها بسواتر رملية تحصر الشظايا في نطاق ضيق.

إذاً، كان لا بد من اللقاء، فكانت رزمة من الإتصالات منذ فترة طويلة بعدما طال الفارق بين لقاء أمس الاول وآخر لقاء بينهما قبل أشهر عدة، مع ما رافق تلك الفترة الطويلة من محطات عتاب وهجوماعلامية وسياسية.

ولذلك كان جنبلاط خلال اللقاء واضحا جدا في مقاربته الملفات الخلافية، وتلك التي يتحقق التفاهم حولها. ففي الخلافية قال للسيد: "إن الإصرار على عملية التمويل لا تستهدف حزب الله، ولا الطائفة الشيعية، وهي من الخطوات الواجبة للبقاء على تواصل مع المجتمع الدولي الذي ظلل قضايا لبنان في أصعب الظروف، ولا تجوز المواجهة معه في مثل الظروف التي تعيشها المنطقة، ولا يمكننا ان نعطي هذا العالم أي مبرر لتعريض الإقتصاد اللبناني لأي عقوبات نحن في غنى عنها.فالإقتصاد اللبناني عبر كثيرا من المراحل الصعبة وشكل العمود الفقري للدولة، وإلاّ لكانت اضيفت الى لائحة الدول المفلسة. فعلى رغم من حجم المديونية العامة ما زال لبنان في التصنيف العالمي في موقع جيد يُنصح بالإستثمار فيه، خصوصا بعدما إجتاز الأزمات المالية العالمية الصعبة التي سقطت فيها انظمة اقتصادية كبرى".

ولذلك، اضاف جنبلاط، بما معناه، أنه "لا بد من إمرار هذا الإستحقاق بأقل الخسائر الممكنة، ما يؤمن عبور المرحلة بمطباتها السياسية من دون تداعيات مذهبية وطائفية أو امنية على الأرض. وعليه فإننا جميعا مسؤولون عن النأي بلبنان عن تداعيات أحداث المنطقة، فلا ناقة لنا، لا في تسعيرها، ولا في تبريدها، ومن مصلحتنا ان نكون بعيدين من كل الأسواق التي تباع الانظمة فيها وتشترى. ولذا يبقى ملف حماية الحكومة من مسؤولية الجميع. فلا بديل من هذه الحكومة ومن رئيسها، لأن في حال انفراطها لن تكفي الأشهر الباقية من العهد لتشكيل بديل منها. كما بالنسبة الى حماية السلم الأهلي من اي فتنة على ان نعمل جميعاعلى بناء الإستراتيجية الدفاعية التي تؤدي الى دمج سلاح المقاومة بالجيش اللبناني في التوقيت الذي يمكن ان نُجمِع عليه، وكل ذلك يفرض ابقاء كل اشكال التواصل بين اللبنانيين".

وفي الجانب الآخر كانت التسريبات تطوق رأي الأمين العام لحزب الله في كل ما قيل لساعات لكنها أكدت المؤكد في مواقفه من كل ما جرى ويجري من ملف المحكمة والسلاح الى ملفات المنطقة من دمشق الى غزة وصولا الى العواصم العربية الأخرى ولا حاجة للإشارة اليها من جديد.

وفي النهاية ثمة من قرأ في اللقاء ما يشير الى بعض الملاحظات، ومنها ما يؤدي الى اعتراف الطرفين بإختلافهما الى حدود معينة حول ملفات معينة، وتلاقيهما حول القليل منها على الساحتين اللبنانية والعربية. لكن السقف السياسي الذي يستظله الرجلان ما زال حاجبا لكثير من الجوانب الخلافية، فالمرحلة تفرض كثيرا من التنازلات لحماية الـ"ستاتيكو" القائم بإعتراف الرجلين ما يؤدي الى نوع جديد من التوازن المطلوب بكل وجوهه المادية والمعنوية على قاعدة المنطق الجنبلاطي الذي يقول : "كما تراني يا سيد أراك!".  

السابق
أبادي: ايران مرتاحة ولا اضطرابات داخلية
التالي
السفير السوري احتج على اتهام دمشق بخطف العيسمي: يضر بالتنسيق بيننا