دبلوماسية ناجحة

توقفت مصادر دبلوماسية باهتمام، إزاء زيارة وفد وزراء خارجية دول أميركا اللاتينية إلى سورية في هذه الظروف التي تمر بها، نتيجة مؤامرة دولية وإقليمية وعربية تتعرض لها منذ حوالى ستة أشهر على قاعدة كسر شوكة سورية وتحجيم دورها الإقليمي، الذي أزعج الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وبعض العرب، بالإضافة طبعاً إلى تركيا، ومحاولة فك تحالفها مع الجمهورية الإسلامية في إيران وحركات المقاومة في كل من لبنان وفلسطين والعراق.
وترى المصادر الدبلوماسية أن لقاء الوفد الوزاري اللاتيني مع الرئيس بشار الأسد كان إيجابياً للغاية، وهذا ما كان واضحاً في المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع زملائه في دول أميركا اللاتينية، حيث أبدى جميع الوزراء تأييدهم الكامل للقيادة في سورية ولمسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، التي يقودها الرئيس الأسد ورفضهم لكل أشكال التدخل الخارجي، خصوصاً من الدول الأمبريالية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية، لأن هذه الدول عانت كثيراً في المراحل السابقة من التدخل الأميركي في شؤونها الداخلية، وقد حاولت أكثر من مرة إحداث انقلابات عسكرية في تلك الدول، بهدف الإتيان بأنظمة تكون تحت الوصاية الأميركية.

وتضيف المصادر الدبلوماسية، أن هذه الدول التي وعدت بنقل الحقائق إلى شعوبها وشعوب العالم عن حقيقة الوضع في سورية، بمقدورها أن تقف إلى جانبها سياسياً وإعلامياً، وحتى على صعيد عدم الالتزام بأي عقوبات تفرض على سورية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا والمنطقة، وهذا يشير بوضوح إلى أن أهمية هذه الزيارة تكمن في نجاح الدبلوماسية السورية ليس في هذه المرحلة، ولكن منذ سنوات طويلة ونجاحها كان من العوامل الإيجابية والمؤثرة في اتخاذ روسيا الاتحادية والصين موقفاً داعماً للقيادة السورية وللشعب السوري، وهذا ما ظهر واضحاً وجلياً من خلال لجوء الدولتين إلى استعمال حق النقض "الفيتو" في وجه المشروع الأوروبي ضد سورية، والذي كان منذ الأساس بتوجيه من الإدارة الأميركية، والدبلوماسية السورية كانت على خلاف الدبلوماسية الليبية، التي لم تكن في الموقع الذي يسمح لها بالاعتماد على الدعم الروسي والصيني في مجلس الأمن، وهذه الدبلوماسية السورية كانت سبباً جوهرياً في درء المخاطر التي تحيق بسورية من الدول المعادية لها.

ولا بد من الإشارة أيضاً وحسب المصادر الدبلوماسية، إلى أهمية المواقف التي أعلنها الوزير المعلم حيال أكثر من ملف يتعلق بالوضع في بلاده، خصوصاً الموقف التركي الذي كشف حقيقة تورطه في الساحة السورية، بعدما حاول رجب طيب أردوغان إيهام العرب وتحديداً سورية من خلال محطات فولكلورية، أكان على صعيد حصار غزة أو سفينة مرمرة أو مسرحية مؤتمر دافوس، بأن تركيا هي إلى جانب الحق العربي ودعم القضية الفلسطينية إلى أبعد الحدود، ولكن نتيجة اللقاء الذي جمع أردوغان أخيراً مع الرئيس الأميركي أوباما بدأت تظهر تباعاً حتى عبر الصحف التركية، عن اتفاق يحصل بين الرجلين على تضييق الخناق على سورية اقتصادياً، لأن التدخل العسكري وكما قال الوزير المعلم غير وارد لأن مثل هذا التدخل إذا حصل يحتاج الغرب إلى من يغطي تكاليفه، كما هو الواقع الحالي في ليبيا.

وتساءلت المصادر الدبلوماسية لماذا يأتي وزراء خارجية دول أميركا اللاتينية البعيدة من سورية آلاف الكيلومترات، بهدف دعم وتأييد القيادة والشعب السوري وإعلان رفضهم لأي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية، ولم يتحرك وزير خارجية من الدول العربية وهي الأقرب باتجاه دعم سورية، مع العلم أن دمشق وقفت إلى جانب كل دولة عربية في أكثر من محطة وأزمة مرت بها تلك الدول، وهذا يعني في نظر المصادر الدبلوماسية أن العرب متورطون في المخطط التخريبي الذي يستهدف سورية، فمنهم من هو متورط بموضوع التمويل ومنهم من هو متورط إعلامياً وسياسياً إلى درجة أن بعض هذه الدول استدعت سفراءها من سورية بحجة التشاور، ولكن جوهر الموضوع هو الضغط على سورية من أقرب الأشقاء وهذه النقطة بالذات، تحدث عنها وللمرة الأولى رئيس مجلس النواب نبيه بري في مؤتمر دعم الشعب الفلسطيني في طهران، عندما أشار إلى أنه بدلاً من صرف مليارات الدولارات من بعض الدول العربية لتدمير سورية وإحداث الفتنة فيها، ودعم التظاهرات كان الأولى بهذه الدول أن تصرف هذه المليارات من أجل كشف الجرائم "الإسرائيلية" بحق الشعب الفلسطيني ودعم المقاومة في فلسطين.
والرئيس بري أول مسؤول عربي يتناول الموضوع السوري بمثل هذه الصراحة والشفافية والجرأة، وهو بذلك يصوّر واقعاً حقيقياً يعتمد على المصداقية بعيداً من الإعلام المشبوه والمضلل المتورط في المؤامرة على سورية من رأسه حتى أخمص قدميه، فهل يستفيق العرب من كبوتهم التآمرية ويعيدوا حساباتهم على قاعدة الوقوف إلى جانب سورية؟ هذا إذا كانوا يريدون فعلاً مصلحة الشعب السوري!!  

السابق
سرقوا جسراً !!
التالي
لهذه الأسباب تنحى كاسيزي