ثقافة التزوير

.. في العنوان مفارقة واضحة ومفهومة. أن يكون التزوير "ثقافة"، فيما هذه المكرمة، حسب الشائع والواقع، تدلّ إلى رفعة في الخلق وسعة في العقل واجتهاد في التحصيل، عدا عن كونها موازية لفعل الإشادة والتكريم أكثر من كونها تعبيراً عن ذمّ وتحقير يحملهما بالتأكيد فعل التزوير في ذاته.
غير أنّ معضلة المصطلح لا تركب وتستقيم إلاّ في الحالات المماثلة للحالة الإعلامية السياسية الممانعة التي نعيش معها منذ ست سنوات عيشة غريبة عجيبة. حيث تصبح مفارقة وصم التزوير بالثقافة واردة عندما يشيع ذلك المنكر إلى هذا الحد. ويصبح عنواناً جهادياً ونضالياً ومقاوماً إلى هذه الشراسة. وعندما تتحوّل مؤسسات إعلامية إلى معامل ثقافية (؟) تضخّ على مدار الساعة منتجات بعيدة عن الأصالة بُعدنا عن الصين وسورها العظيم!
ولم تكن قصّة القرار 1559 كما يفهمها ويذيعها تلفزيون الممانعة الأوّل إلاّ تتويجاً مرحلياً (الآتي أعظم) لتلك الحالة الخطيرة القائمة على توظيف كل شيء، والتزوير أوّله، في سياق نزاع سياسي قائم وقاعد في نواحينا. إذ سبقتها توليفات أخرى موازية في خطورتها للحالة الراهنة، أوّلها ما يتعلق بالتحقيقات في جريمة 14 شباط 2005 وما تلاها، والمحكمة الدولية وأطرها وعملها وعمالها "وشهود زورها" المشهودين، مروراً

 بـ"ويكيليكس" وصولاً إلى مواقف قادة 14 آذار وتحويرها بما يفيد المعركة المفتوحة ضدّهم وعليهم.
سلسلة طويلة من الوقائع الدامغة الدالّة إلى اعتماد التزوير سلاحاً متمّماً للخطاب السياسي والفعل الميداني. وكأنّ أصحاب الشأن الممانع يعلمون تمام العلم، أنّ ذاك الخطاب وذلك الفعل، تعوزهما المبرّرات التامّة والمكتملة ولا بد تبعاً لذلك، من تقديم رواية حسب المقام، يفترضون أنّ قراءتها تعطي صكّ البراءة عن ارتكاب آثم!.
وخطورة الضخّ التزويري ليست في أبعادها الثقافية أو السياسية، إنّما في ترجماتها الميدانية المباشرة حيث تذهب المقدّمات إلى توقع التتمّات. وما حصل وسُجِّل في السنوات الماضيات على المستوى الميداني الدموي يعطي زاداً كافياً وافياً عن معنى تلك التتمّات!
والأمر مثير فعلاً.. سياق تصعيدي مفتوح لم يهدأ ولم يتراخ، ولم تكلّ ماكينته رغم أنّ تأثيراتها ضربت في بنيان أهل الممانعة والمكابرة والمناتعة في أكثر من مجال ونطاق وساحة واجتماع. و"معاناة" أصحاب الشأن منهم صارت واضحة وبيّنة في النشرات اليومية للقوى الأمنية الرسمية، وفي المطوّلات التوصيفية المنشورة في صحفهم قبل صحف غيرهم!
.. ويبقى قبل كل تفصيل، أنّ التزوير يظلّ نقيصة مذمومة وجُرماً فاضحاً، حتى لو ارتكب مشفوعاً بلغة تدّعي وصلاً بالمُثُل العليا ومكارم الأخلاق! 

السابق
ضريبة على… الأموات
التالي
أقباط مصر بعد الثورة