البناء: مساعي الربع الساعة الأخير تُحدّد مصير الإضراب

قبل ساعات من موعد الإضراب العام الذي دعا إليه الاتحاد العمالي العام وأيدته مختلف الهيئات النقابية والتربوية، لم تفلح الاتصالات المكثفة واللقاءات التي عقدت على مستويات مختلفة يوم أمس في التوصل إلى مقاربات مرضية للهيئات العمالية والنقابية، خصوصاً أن الهيئات الاقتصادية لم تقدم أي مخارج أو حلول وسطية لزيادات الأجور في القطاع الخاص تتناسب مع حجم الأزمة المعيشية، كما أن الهوّة لا تزال كبيرة بين مطالب الاتحاد العمالي العام وما يطرحه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
وعلى الرغم من بقاء الحوارات القائمة في "عنق الزجاجة" إلا أن الاتصالات واللقاءات ستستمر اليوم قبل جلسة مجلس الوزراء، وقبل ساعات من موعد الإضراب المقرر يوم غد في محاولة للتوصل إلى توافقات ترضي الأطراف الثلاثة المعنية بتصحيح الأجور أي الحكومة والاتحاد العمالي والهيئات الاقتصادية، تفادياً للإضراب العام ونتائجه على الوضع الداخلي، علماً أن مصادر قيادية في الاتحاد العمالي العام أكدت مساء أمس أنه في حال عدم التجاوب مع مطالب الاتحاد فإن التحرك المطلبي لن يقتصر على الإضراب يوم غد، بل ستتبعه خطوات تصعيدية أكبر وأشمل.
وعلى وقع الاهتمام الداخلي بملف الأزمة المعيشية والحياتية برزت إلى الواجهة أمس استقالة رئيس المحكمة الدولية انطونيو كاسيزي، حيث بدا واضحاً أن هذه الاستقالة تعبّر عن عمق الصراع الدائر داخل المحكمة وبين "الجهات الدولية" التي تديرها الإدارة الأميركية، وبالتالي فإن هذه الاستقالة تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول مصداقية المحكمة ودورها "المستقل" كما يدعي المدافعون عنها، بل بالعكس فإن هذه الاستقالة تؤكد مجدداً أن هذه المحكمة هي مجرد "ورقة سياسية" يستخدمها الأميركي وحلفاؤه لإضعاف قوى الممانعة في المنطقة بدءاً من المقاومة في لبنان.
وكان كاسيزي قد قدم استقالته من رئاسة المحكمة أول من أمس وبرّر ذلك بأسباب صحية. وقد عينت المحكمة القاضي النيوزيلندي سير دايفيد باراغوانث رئيساً لها بعد اقتراح من كاسيزي نفسه ومن نائب رئيس المحكمة رالف رياشي.
وقد أعرب كاسيزي عن صعوبة اتخاذ قرار تنحّيه من منصب رئيس المحكمة على الصعيد الشخصي، إلا أن هذا القرار كان القرار الصائب الذي يصب في مصلحة المحكمة.
وقال القاضي كاسيزي: "لقد حاولت لسنتين ونصف السنة أن أقود المحكمة بصورة فعالة وعادلة في ظل ظروف صعبة".
بينما قال الرئيس الجديد للمحكمة: "يقتضي اكتساب ثقة الشعب بالمحكمة الالتزام الصارم بسيادة القانون. ومن حق الشعب اللبناني أن تطبق المحكمة أرفع معايير العدالة من دون خوف أو معروف، ومن دون انحياز أو سوء نية".
مصر إلى أين؟
وليس بعيداً عن هذا الواقع، تطرح أيضاً الكثير من علامات الاستفهام حول ما جرى في مصر في اليومين الماضيين لإجهاض ثورة "25 يناير" وإدخال مصر في أتون الحرب الطائفية والمذهبية في محاولة مكشوفة من جانب المعارضين للثورة التي حصلت في مصر بدءاً من الأميركي ومن معه عربياً وغربياً لإجهاض الأهداف الحقيقية لهذه الثورة التي تتمثل بنقل مصر إلى الموقع المعادي للمشروع الأميركي ـ "الإسرائيلي" وبالتالي بإبقائها في الموقع الحليف لـ"إسرائيل" الذي رسمه النظام السابق.
ساعات حاسمة بين الإضراب والانفراج
وبالعودة إلى موضوع تصحيح الأجور ومعالجة الأزمة المعيشية، فإن الساعات القليلة المقبلة ستكون حاسمة، فاما الإضراب العمالي واما التسوية والحل.
الأجواء التي سُجلت في الساعات الماضية أكدت أن هناك جهوداً حثيثة بذلت لتلافي الإضراب ولا سيما أن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري قد دخلا على الخط بقوة للمساعدة في التوصل إلى حل يراعي مطالب العمال ووضع الخزينة في آن معاً.
حديث عن أجواء إيجابية
وحسب المعلومات المتوافرة، فإن هناك أجواء إيجابية يمكن أن تؤدي في الساعات المقبلة إلى ولادة الاتفاق رغم أن طرفي النزاع أي العمال وأصحاب العمل دأب كل منهما على تحشيد القوى وممارسة أقصى درجات الاستنفار والضغط لتحسين الشروط التفاوضية لديه.
وقال مصدر قيادي عمالي لـ"البناء" مساء أمس: لم يحصل معنا اليوم أي شيء جديد في خصوص التفاوض، ولم يتكلم أحد معنا بصيغة جديدة، وقد كنا منشغلين اليوم في تحشيد القوى من خلال عقد لقاءات واجتماعات مكثفة، شملت عدداً من القطاعات النقابية والعمالية ومنها مصرف لبنان ونقابة المصارف وهيئة التنسيق النقابية.
وأوضح المصدر، أن وفداً من الاتحاد سيلتقي عند التاسعة والنصف من صباح اليوم رئيس الجمهورية الذي كان قد التقى أول من أمس الهيئات الاقتصادية. وسيعقد المكتب التنفيذي للاتحاد اجتماعا ظهر اليوم يتوقع أن يؤكد فيه على المطالب والتحرك العمالي.
 من جهته، ترأس رئيس
مجلس الوزراء نجيب ميقاتي أمس اجتماع اللجنة الوزارية الخاصة بالشأن الاجتماعي في غياب الوزيرين مروان شربل ونقولا نحاس، وأدلى بتصريح أشار فيه إلى أن الاهتمام الحقيقي بالشأن الاجتماعي لا يعني فقط زيادة الأجور بل إطلاق المشاريع
والبرامج التي تحمي الأجر من التآكل وتعزز الانتماء الوطني وتجذر المواطن بأرضه، وهذا ما ننوي فعله بالتزامن مع الجهد المبذول لتصحيح الأجور. وعلم أن اللجنة لم تتطرق لا من بعيد ولا من قريب الى مسألة الأرقام.
وتتجه الأنظار اليوم إلى الاجتماع الذي سيعقد في عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ووفد الهيئات الاقتصادية الذي سيكرر موقفه الرافض لزيادة الأجور، في حين تشير مصادر عين التينة إلى أن الرئيس نبيه بري مصر على إيجاد حل "لا يموت معه الديب ولا يفنى الغنم".
على صعيد آخر، يواصل الاتحاد العمالي اجتماعاته لمتابعة التحضير للإضراب. وفي اتصال مع رئيس الاتحاد أكد غسان غصن لـ"البناء" أن الإضراب حاصل إذا بقيت الهيئات الاقتصادية مصرة على تمسكها الرافض لزيادة الأجور.
نحاس لـ"البناء"
وأكد وزير العمل شربل نحاس لـ"البناء" مساءً، أنه وحتى ليل أمس، لم يكن هناك أي حل قد نضج بعد بهذا الخصوص، لكنه قال: ما زالت أمامنا فسحة قبل جلسة مجلس الوزراء لإجراء المزيد من الاتصالات وتبادل الأفكار والطروحات. ونفى أن يكون اجتماع اللجنة الوزارية في السراي قد خصص لهذه الغاية، لافتاً إلى أن رئيس الحكومة وضع المجتمعين في أجواء الاتصالات التي أجراها مع الاتحاد.
صيغة يجري التداول بها
وعلمت "البناء" من مصادر متابعة أن الاتصالات واللقاءات المكثفة اليوم تتجه إلى تنضيج صيغة اتفاق كان قد بدأ جس النبض بشأنها في الساعات الماضية. ويتوقع أن تتضمن هذه الصيغة ما يلي:
1 ـ زيادة الأجور 250 ألف ليرة لبنانية.
2 ـ زيادة المنح المدرسية إلى المليون.
3 ـ زيادة بدل النقل من 8 إلى 12 ألف ليرة.
ولم يحسم بعد موضوع الشطور بالنسبة الى الأجور التي تتجاوز المليون ليرة.
وبالإضافة إلى هذه النقاط، فإن الاتفاق سيأخذ في الاعتبار نقاطا أخرى لحماية هذه الزيادة وعدم تلاشيها ومن بين هذه الإجراءات:
1 ـ تشكيل المجلس الاقتصادي الاجتماعي.
2 ـ تفعيل حماية المستهلك.
3 ـ استئناف عمل الهيئات المعنية ومنها لجنة المؤشر لكي تأخذ دورها.
كل هذه المؤسسات يجب أن تقوم بواجباتها من أجل عدم حصول ارتفاع الأسعار الذي بدأ قبل الزيادة.
وهناك أيضاً شق يتعلق بالضمان الاجتماعي يفترض أن يستكمل بحثه في مرحلة لاحقة.
شعبان تتهم تركيا بدعم "المسلحين"
وفي الشأن السوري، لم تحمل الساعات الماضية تطورات مهمة في الشأن الميداني خاصة ما يتعلق بالتظاهرات التي تدعو اليها ما سميت "المعارضة" خصوصا ان الفترة الأخيرة شهدت تراجعاًُ كبيراً في أعداد المشاركين في هذه التظاهرات.
لكن الأبرز أمس، كان ما اشارت اليه المستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة السورية بثينة شعبان وتأكيدها "أن عصابات مسلحة هي التي تقف وراء العنف في سورية".
وأشارت في تصريح للصحافيين في ماليزيا الى أنه "لقد كانت بيننا وبين تركيا افضل العلاقات كما تعلمون. ولذلك فاننا نتوقع من تركيا أن تدعم مسيرة التعددية والديمقراطية في سورية بدلا من ان تصدر تصريحات تساعد على تأجيج الوضع في سورية ودعم الجماعات المسلحة هناك".
ولفتت شعبان الى ان "بعض الدول تقوم بتسليح وتمويل الجماعات المسلحة لزرع العنف الطائفي بهدف تقسيم البلاد".
وأوضحت ان "المشكلة التي نواجهها هي ان هناك اطرافا اخرى تمول وتسلح جماعات في سورية وتشجع العنف الطائفي، في محاولة لتمزيق البلاد".
المفتي حسون يحذّر من التعرض لسورية
وبدوره، حذّر مفتي سورية أحمد بدر الدين حسون من أن "أول قذيفة تسقط على سورية أو على لبنان سينطلق كل واحد من بناتهما وأبنائهما ليكون استشهاديا على أرض فلسطين. فبعد اليوم العين بالعين والسن وبالسن والبادئ اظلم وانتم من ظلمتمونا".
وتابع مفتي سورية: "سنقول لكل عربي ولكل إنساني لا تعتقدوا أن من سيقوم بالاستشهاد في أراضي فرنسا وبريطانيا وأميركا سيكون عربيا ومسلماً بل سيكون محمد درّة جديداً".

مسؤول روسي والوضع في سورية
الى ذلك، أشار نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف للاذاعة "الاسرائيلية" أمس الى انه "لا يستبعد ان تقترح القيادة الروسية على السلطات السورية والمعارضة عقد لقاء تمهيدي بينهما في موسكو لبدء حوار بين الجانبين بهدف التوصل الى حل للازمة السياسية الراهنة في سورية".
الاتحاد الأوروبي يرحب
بـ "المجلس الوطني"!
وأمس، امتنع الاتحاد الأوروبي عن الاعتراف بما يسمى "المجلس الوطني السوري" ممثلا للشعب السوري، وإن كان موقف الاتحاد الأوروبي المرحب بتشكيل المجلس واعتباره "بديلا مطروحا للنظام" لن يساعد على تخفيف التوتر السياسي بين سورية والاتحاد. واعتبر المجلس ان تشكيل المجلس خطوة إيجابية. علما ان هناك اطرافا عديدة من المعارضة السورية نفسها لا تعترف بهذا المجلس، وهو ما اشار اليه اكثر من شخصية معارضة في الداخل السوري.
تكشف خيوط جديدة عن المؤامرة!
وفي هذا السياق، تتكشف يوما بعد يوم ما تعده دوائر الاستخبارات الغربية ضد سورية، وقد تحدث المدعو رياض الأسعد الذي يقول عن نفسه إنه كان عقيدا في الجيش السوري وانشق عنه بكل وضوح عن رغبته بتكرار تجربة ليبيا في سورية. وقال الاسعد الموجود في تركيا لصحيفة "حرييت ديلي نيوز" التركية: "إن الأسرة الدولية ساعدت قوات المعارضة في ليبيا، لكننا نعاني وننتظر منذ سبعة أشهر"، داعيا الى ما زعمه "مساعدة عسكرية دولية لإطاحة النظام".
كما أعلن بكل وقاحة انه يخطط لشن حرب عصابات وأعمال اغتيالات، كاشفا انه يخطط لهذه العمليات من تركيا.
وقالت صحيفة "الأندبندنت" البريطانية ان "الاسعد يتولى رئاسة ما يسمى "الجيش السوري الحر" الذي كُوِّن حديثا"، موضحة ان هذا "الجيش" جرى تشكيله من الجنود والضباط المنشقين عن القوات المسلحة السورية لإطاحة الرئيس بشار الأسد، وذلك بالتعاون مع السلطات التركية".
سباق بين "الفتنة" والحلول في مصر
وعلى صعيد آخر، بقي الترقب والتوتر "سيدا الموقف" في القاهرة امس بعد الأحداث الدامية التي حصلت اول من امس وأدت الى مقتل العشرات وجرح اكثر من 300 شخص، خلال المواجهات التي حصلت بين "الأقباط" وقوى الأمن المصرية على خلفية التظاهرات التي حصلت بعد هدم كنيسة قبطية في احدى القرى المصرية.
وفيما صدر العديد من المواقف من الأطراف السياسية في مصر محذرا من خطورة الوضع وتطوره نحو فتنة مذهبية، أعلن المجلس العسكري في مصر انه كلف مجلس الوزراء بتشكيل لجنة تقصي حقائق في الاحداث التي وقعت أول من أمس في منطقة "ماسبيرو" في القاهرة. وأشار الى التزامه خريطة الطريق لنقل السلطة الى المدنيين.
كما عقدت الحكومة المصرية اجتماعا طارئا للبحث في خلفية الصدامات وكيفية معالجة ذيولها وعدم تكرارها.
وفي هذا السياق، طلب المحامي العام الأول لنيابات وسط القاهرة المستشار عمرو فوزي استعجال تقرير الطب الشرعي حول حالات الوفاة والإصابة لضمه إلى أوراق القضية ومعرفة سبب وفاة المجنى عليهم والسلاح المستخدم في أحداث أمس.
كما أمر بدفن 22 جثة من ضحايا الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين أمام مبنى ماسبيرو، بعد تشريحهم، فيما جرى التحفظ على 4 جثث لأشخاص مجهولين.
الكنيسة القبطية تحذّر من "الطابور الخامس"
وقد اكد المجمع المقدس في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بعد اجتماعه برئاسة الأنبا شنودة الثالث، إيمانه المسيحي بعدم استخدام العنف بكل صوره، لافتا الى "أن بعض الغرباء قد يندسون وسط أبنائنا ويرتكبون أخطاء تنسب إليهم، إلا أن "الأقباط" يشعرون بأن مشاكلهم تتكرر كما هي باستمرار دون محاسبة المعتدين، ودون إعمال القانون عليهم أو وضع حلول جذرية لهذه المشاكل".
بدورها، رأت جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر أن عدد القتلى والجرحى وحجم التخريب الذي شهدته أحداث أمس (أول من أمس) الدامية، يؤكدان "ان هذه الأحداث ليست وليدة مشكلة كنيسة أسوان بقدر ما هي رغبة جهات داخلية وخارجية في إجهاض الثورة وتعويق مسيرتها نحو الحرية والعدل والديمقراطية ولو أدى الأمر إلى حرب أهلية بين إخوة الوطن والدم والتاريخ، كما صرح البعض بغير مواربة".
من جهته، دعا شيخ الأزهر أحمد الطيب اعضاء "بيت العائلة المصرية" الذي يضم رجال دين مسلمين ومسيحيين للاجتماع سريعا بهدف احتواء الأزمة.
مواقف دولية
وفي المواقف الدولية، نقل البيت الأبيض عن الرئيس الأميركي باراك أوباما انه يشعر بقلق شديد جراء الأحداث في مصر.
بدورها، طالبت مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاترين اشتون الحكومة المصرية بحماية المواطنين اينما كانوا ومهما كانت عقائدهم الدينية.
ومن جهتها، دعت الحكومة الفرنسية الى الهدوء في مصر، واعربت الخارجية الفرنسية عن إدانتها للاشتباكات التي وقعت في القاهرة وتسببت بسقوط العديد من الضحايا.  

السابق
اللواء:نار الأجور على طاولة مجلس الوزراء ومخاوف من إنهيار مالي أو تحريك الشارع
التالي
قافلة مريم ..