ثورة الأرز تلهم وول ستريت!

لن يكون مستغرباً أن نرى فارس سعيد أو عمّار حوري أو أيّ عضو آخر وهو يتلو بيان "الأمانة العامة لـ14 آذار" يوم الأربعاء المقبل، ويطالب بـ"إسقاط باراك أوباما ونظامه بسبب الممارسات القمعية الدكتاتورية ضد المتظاهرين الأميركيين الفقراء في شارع وول ستريت، الذين يرفضون نهج الاحتكارات والجشع الرأسمالي، والذين أيضاً وأيضاً اتخذوا من "إنجازات ثورة الأرز إلهاماً لحراكهم"!
من الآن حتى الأربعاء هناك أربعة أيام بلياليها، وفي الليالي عادة تأتي الأحلام، ثم يستفيق النائمون ليدبّجوا بيانات تكون في الأعم الأغلب ترجمة لما رأوه في المنامات.
حسني مبارك كان في منزلة الأب الروحي لجماعة "14"، وكانوا يَمْثلون بين يديه دورياً لأخذ "البركة والرضا"، لكنهم ذات أربعاء، وقبل صياح الديك، أنكروه وتبرأوا منه وادعوا (كما في الحلم) أنهم كانوا في ميدان التحرير، ولا سيما يوم "موقعة الجمال والحمير والبغال"، يشدّون العزائم ويشحذون الهمم، إلى أن تحققت إرادة الشعب وسقط النظام.
وإذا كان النائب وليد جنبلاط لم يغيّر رأيه بعد، فإن "الأمانة الخاصة"، لن يهدأ لها بال إلا إذا انتشرت "رايات وبيارق ثورة الأرز" في أربع جهات الأرض، طبعاً باستثناء السعودية والبحرين ودول الخليج، باعتبار أن بدَل إيجار المكتب في السوديكو قد اقترب أجَله.
لكن عضواً آخر في "الأمانة" انتبه ونبّه زملاءه إلى ضرورة تأجيل دعم جماعة "وول ستريت" والمطالبة بإسقاط أوباما، ولو لبعض الوقت، لأنه "يساعدنا الآن على تحقيق حلم آخر يتقدم في سلم الأولويات على غيره"، وهو الحلم المتمثل بـ"إسقاط البطريرك بشارة الراعي والنهج الجديد الذي اختطه في بكركي، والذي لم يسمح لنا حتى بالاجتماع في سيدة الجبل".
الخطوة الأولى على هذا الطريق كانت في مهرجان "القوات"، حين ألتهَبَت مشاعر الجمهور وخرجت الضحكات على وسعِها من الأشداق، بمجرد أن نطق البطريرك السابق نصرالله صفير بكلمتين عن "هذا الزمن البائس".
ويُمَني الـ"14 آذاريون" نفوسهم بأن يقول صفير أكثر من ذلك في مقابلته مع قناة "أخبار المستقبل" مساء الإثنين المقبل، حتى "يفش لهم خلقهم، ويزيل الكرب عن صدورهم".  
أما أوباما فإن "14 آذار" لا تستطيع إزعاجه الآن لأنه أكرَمَها ولم يحدد موعداً للبطريرك الراعي خلال جولته الحالية في الولايات المتحدة، رغم ما يعنيه ذلك من إساءة ليس للبطريرك الذي يقوم بجولته على الرعية غير آبه بجعجعة مفسّري المنامات، إنما هي إساءة لما تدّعي الولايات المتحدة أنها تمثله على مستوى "القيم الديمقراطية والليبرالية واحترام حرية الرأي والقول والمعتقد".
وعليه، هل يمكن بعدُ لمَن يقرأ ويرى بعقله، لا بغريزته، أن يصدّق أميركا وأوروبا في ادّعاء السّعي إلى نشر هذه القيم؟ وهل يمكن لمَن لم يحتمِل رأياً مخالفاً أطلقه البطريرك الراعي في باريس أن يستمر في زعمه بأنه يقود العالم إلى الحرية؟
لعل موقف البطريرك كشف حقيقة سياسة أميركا وأوروبا تجاه المنطقة، وهو الذي سمع مباشرة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تفاصيل المخطط الغربي ـ الأطلسي الذي يستهدف إفراغ المشرق من مواطنيه المسيحيين، وإشعال الفتنة بين مواطنيه المسلمين، تمهيداً لإعادة رسم الخارطة الجيوـ سياسية للمنطقة من جديد، بعد مرور نحو مئة عام على سايكس ـ بيكو، وبما يعيد دولة العدو الصهيوني إلى مربع القوة الذي فقدته بفعل الهزائم المتتالية التي منيت بها خلال السنوات الماضية بفعل الصعود المضطرد لقوى المقاومة والممانعة.
المؤكد أن هذا المخطط لم يلق أي قبول لدى البطريرك الراعي، بل هو أعلى الصوت اعتراضاً، ومثله فعلت كل المرجعيات الروحية المسيحية، التي لا تسمح لها مسؤولياتها إلا أن تكون العين الساهرة على الرعية وأمنها واستقرارها، لا سيما بعدما لمست مفاعيل هذا المخطط على أرض الواقع في العراق وقبله في فلسطين، ولمسته كذلك بما كان يُعَد في إطار المؤامرة التي فشلت في استهداف سورية، نتيجة حكمة قيادتها ووعي شعبها وتماسك مؤسسات الدولة على كل المستويات السياسية والعسكرية والدبلوماسية.
حلفاء وأصدقاء سورية في العالم وفي المنطقة وفي لبنان وقفوا معها، وعاضدوها وساندوها، تماماً كما وقفت هي معهم في أيام الشدة، وخصوصاً دورها المركزي في دعم المقاومة وحماية ظهرها واحتضان أهلها واللبنانيين جميعاً، يوم لم يوفر العدو الصهيوني منطقة أو طريقاً لبنانية من حقد طيرانه بعد انهزام جيشه واندحاره أمام العزم والإرادة المصممة على الانتصار.
ختاماً، نصيحة (ببلاش لا بجمَل) لجماعة "14 آذار"، استفيقوا وعودوا إلى اليقظة، لأن الأحلام أحياناً تتحول إلى كوابيس.
 

السابق
عون وسياسة محو الذاكرة لذكرى 13 تشرين!
التالي
اعتراض وجيه