تريّث أوروبي في الاعتراف بالمجلس السوري

بعد الفيتو الذي صدت به كل من روسيا والصين صدور قرار عن مجلس الامن يدين النظام السوري على مقاربته القمعية للاحتجاجات الشعبية تبحث الدول الاوروبية في عقوبات جديدة تفرضها على النظام وتطاول قطاعه المصرفي والاستثمارات فيه من دون الحظر الجوي او اي اجراء يمكن ان يطاول الشعب السوري بدلاً من النظام.

وتقول مصادر ديبلوماسية ان الدول الغربية، اي الاوروبية مع الولايات المتحدة، تمعن التفكير في البحث عما تراه مناسبا ان تتخذه من اجراءات. لكن لا يبدو وفق هذه المصادر ان هذه الدول ستتجه الى الاعتراف بالمجلس الوطني السوري الذي تم الاعلان عن تأليفه نهاية الاسبوع الماضي من اسطنبول. وباستثناء فرنسا التي رحبت باعلان تأليف المجلس فان الدول الغربية لم تظهر حماسة كبيرة ولم تقفز على المناسبة من اجل تسجيل نقطة لمصلحتها خصوصا انها كانت حريصة على بروز المعارضة السورية موحدة واحدة. اذ ان الوضع السوري يختلف كما تقول هذه المصادر عن الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي الذي سارعت الدول الاوروبية الى اعطائه صدقية ومشروعية من خلال اعترافها به فضلا عن ان على المجلس ان يثبت نفسه وتمثيله لشرائح الشعب السوري كلاً وليس لفئات معينة. يضاف الى ذلك كما تقول هذه المصادر عدم رغبة الدول الاوروبية في تقديم هدية مجانية للنظام السوري من خلال مساعدته على تبرير نظريته حول وجود مؤامرة ضده، او ان الدول الغربية ضالعة بذلك. كما تغالط هذه المصادر الانطباع السائد من ان الدول الغربية تختبئ وراء تركيا التي تستعد من جهتها وفق ما اعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لفرض عقوبات تركية على النظام السوري لان لتركيا روزنامتها الخاصة وهي مؤثرة او من الاكثر تأثيرا في الوضع السوري في حين لا تملك الدول الغربية القدرة على التأثير بهذا الوضع، اللهم باستثناء الاجراءات المعلن عنها وبعض الخطوات التي تدرس راهنا ايضا لمزيد من الضغوط على النظام من اجل التضييق عليه وهي اجراءات يعتقد انها تعطي مفعولها او يؤمل ان تكون اكثر فاعلية مع مرور بعض الوقت على بدء تنفيذها.  
هذا الامر، اي تعامل الولايات المتحدة والدول الاوروبية مع سوريا على غير تعاملها مع الوضع الليبي، قد لا يكون مفهوما على نحو واضح وكلي ويظهر الولايات المتحدة والدول الاوروبية في حال ارتباك ازاء التعامل مع الوضع السوري والسعي الى عدم تكرار اخطاء ارتكبت في اماكن او دول عربية اخرى على غرار العراق او ليبيا مثلا. فهناك تمييز سعت هذه الدول الى اعتماده منذ البداية لاعتبارات متعددة من بينها عدم قدرتها على التدخل عسكريا في سوريا في حين كانت متورطة على هذا النحو في ليبيا. وهي حاولت مرارا ان تقنع روسيا المدافعة عن النظام السوري والمتمسكة به نظرا الى وجود قواعد عسكرية لها في سوريا وصفقات اسلحة ضخمة فضلا عن هرب الكثير من رؤوس الاموال السورية الى روسيا اخيرا خشية ان تنالها العقوبات بتجميدها كما حصل بالنسبة الى ارصدة كبيرة للعقيد معمر القذافي او سواه ممن جمدت الدول الغربية ارصدتهم الموجودة في مصارفها، بأن التعامل مع سوريا هو غيره التعامل مع ليبيا. وهذا سرى ايضا على عدم احالة الرئيس السوري على المحكمة الجنائية الدولية على رغم تحميله مسؤولية سقوط ما يقارب ثلاثة آلاف قتيل حتى الآن في سوريا.

لكن هذه الدول مرتبكة فعلا بحيث يدفع هذا الامر الى التساؤل عما اذا كانت الدول الغربية تريد انتهاء او رحيل النظام السوري او لا تريد ذلك بعد، نظرا الى غياب البديل المقنع حتى الآن ولذلك فانها تفضل بقاء هذا النظام ضعيفا جدا بعد اشهر طويلة من عدم الاستقرار والذي قد يستمر اشهرا اضافية من دون ان توحي الاحتجاجات والاعتقالات في المقابل بأن الامور آيلة الى نهاية قريبة. وذلك على رغم قول بعض الدول بضرورة تنحي الرئيس السوري وعدم شرعيته بعد الكم الكبير من الضحايا الذين اسقطتهم عمليات القمع العسكري والامني. وهو الامر الذي يدفع الى التساؤل عن موقف اسرائيل تحديدا وما اذا كانت غيرت موقفها من ضرورة بقاء النظام حماية لحدودها ولبقائها في الجولان.

وبحسب هذه المصادر، فان الدول الغربية تقول انها لا تستطيع ان تفرض اي خيار او متغيرات وان الامر يعود الى الشعب ايا يكن هذا الخيار، الامر الذي يدفع الى التساؤل عما اذا كان هذا القول ينطوي على مخرج في حد ذاته كيفما كانت التحولات السورية. في حين ان اسرائيل قد تكون لا تزال تفضل خيارا سيئا تعتبره موجودا من خلال استمرار النظام السوري الحالي، على فوضى قد تنشأ او على خيار قد يكون اسوأ بالنسبة اليها. لكن القلق الاكبر الذي قد يكون متصلا بهذا الخيار هو ما يعتقد انه خشية اسرائيلية على الاردن مما قد يلي الاسد في الحكم في حال سقوطه، خصوصا في ضوء اهتزاز الصلح الاسرائيلي مع مصر في ضوء المتغيرات التي شهدتها والخشية من ألاّ يقتصر المد الثوروي العربي على سوريا ويتوقف عندها فحسب.  

السابق
الصايغ: لا يمكن تصوّر الشرق بلا المسحيين
التالي
موظفو المستقبل..الولاء السياسي أو الرحيل