المعلوم والمخفي في قمة دار الفتوى

شكلت القمة الروحية التي عُقدت في دار الفتوى، في بيروت الثلاثاء الماضي، حدثا لا يمكن التقليل من أهميته. إلا انها أثارت مجموعة من الإشكاليات والتساؤلات، لا يمكن التقليل من أهميتها ايضا.

ابرز عوامل قوة هذه القمة، النصاب الكامل من حيث حضور جميع رؤساء الطوائف الدينية المعتمدين رسميا في لبنان. وفي انها عقدت بمبادرة من البطريرك الماروني وعلى أرض دار إفتاء المسلمين في بيروت. كما ان النقاط التي توقفت عندها، لا يمكن الاستخفاف بها أبدا. فهي عالجت موضوعات مهمة، وقاربت ثوابت تعني اللبنانيين جميعا، خصوصا منها مسألة العيش المشترك، وحق المواطنة للجميع، والموقف من رفض التوطين، كذلك موضوع الموقف المؤيد لحق الشعوب العربية بالديموقراطية والحريات ـ حتى لو كان هذا التأييد أرفق بتخوف من انزلاق الانتفاضات العربية نحو التعصب.

ومن أهم عوامل قوة هذه القمة ايضا، هو توقيتها. فهي من دون أدنى شك جاءت في ظروف بالغة الحساسية يمر بها لبنان والمنطقة العربية المحيطة به، وبشكل خاص في سورية. كما انها جاءت بعد مواقف وزيارات للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي استولدت تباينات، وتساؤلات، إذا لم نقل انها خلقت إشكاليات خلافية، لم يجمع على تأييدها كل اللبنانيين، ومنهم من رفضها علنا، كما ان منهم من بالغ الى حد كبير في تأييدها، ولعل زيارة مفتي دمشق والوفد المرافق الى الصرح البطريركي لنقل تأييد القيادة السورية، أوضح دليل على هذه المبالغة، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها مثل هذا الوفد الى بكركي.

في هذه القمة الروحية كان هناك المعلوم، كما كان هناك المخفي.

في المعلوم: كلمة المفتي قباني، وأهمية ما جاء فيها، خاصة لناحية التأكيد على انه لا أحد يهدد أحدا، ولا أحد بحاجة لضمانات من أحد، لا في لبنان، ولا في المنطقة. كذلك ما تم تسريبه (ربما عن غير قصد) من كلمة البطريرك الراعي التوضيحية، وأيضا البيان الذي صدر عنها، ونقاطه الـ 7 التي قاربت ملفات مهمة، لاسيما موضع التأكيد على الوجود المسيحي في الشرق، وعلى التمسك بالمناصفة في اقتسام السلطة بين المسيحيين والمسلمين. 

أما في المخفي ـ او غير المعلوم ـ عن القمة، فهناك العديد من القضايا، منها في الشكل، ومنها في المضمون.

في الشكل: شكلت القمة مخرجا للبطريرك الراعي من الإحراج الذي وقع فيه، حيث رسمت تصريحاته، وزياراته (خاصة لبعلبك والجنوب) صورة بدت منحازة الى جانب فريق إسلامي على حساب فريق إسلامي آخر. فكانت مبادرته الى الدعوة واختيار المكان، تصحيحا لخطأ.. وفي الشكل أيضا، كانت القمة مناسبة لإثبات الذات عند الرؤساء الروحيين، لأن معظمهم يواجه مشكلات داخلية مع رعيته وفي أوساط الطائفة التي ينتمي إليها.

أما إشكاليات المضمون غير المعلنة، فكان أهمها تجنب الدخول في اللحظة السورية الحرجة، والتي تلقي بظلالها على الجميع، وتجاهل مقاربتها (بالرغم مما تسرب من كلام الراعي حول الخوف من الفتنة السنية ـ العلوية) هروبا من تشخيص غير متفق عليه بين الحاضرين، واعترافا بالاختلاف.

وغير المعلوم ايضا كان الشرط الذي وضع منذ البداية على تجنب تناول الملفات الحساسة، خاصة منها موضوع المحكمة الدولية، وسلاح حزب الله، مراعاة للإمام عبدالأمير قبلان الذي تحفظ على بعض مقررات القمة السابقة في بكركي، فيما يتصل بشكل غير مباشر بهذين الموضوعين.

هل ستكون سمة المرحلة الابتعاد عن طرح القضايا الخلافية بين القوى السياسية تجنبا للانفجار؟ 

السابق
يعود ··· والعود أحمد؟
التالي
نظام إقليمي جديد يتشكَّل