ترويج نظرية الخطأ التقني فـي مجلـس الأمـن!

حوّلت جلسة المشاورات الإجرائية الأولى في مجلس الأمن الدولي الإثنين الماضي طلب عضوية فلسطين في الأمم المتحدة الى اليوم الأربعاء لإعلان الطلب وتحويله الى لجنة العضوية من قبل رئيس المجلس لهذا الشهر الدكتور نواف سلام في إجراء روتيني بحت، على أن يبدأ البحث الجدّي في الطلب الفلسطيني نهاية الأسبوع الجاري.
ولم تعبّر دولتا نيجيريا والغابون لغاية اليوم عن رأيهما الصريح إزاء تصويتهما حيال عرض الدولة الفلسطينية، إذ عبّرت الأولى في الاجتماع التشاوري الأول عن الرغبة في أن «يدرس المجلس الطلب الفلسطيني بأعلى درجات المسؤولية»، فيما ربطت الثانية الطلب بالعودة الى المفاوضات، بحسب دبلوماسيين حضروا الجلسة التي دامت ساعة واحدة.

في هذه الأثناء، لم يتوقف الحراك العربي «غير الموالي» للخيار الفلسطيني لمجلس الأمن الدولي، وعلمت «السفير» أن الإمارات العربية المتحدة وتحديدا وزير الخارجية عبد الله بن زايد آل نهيان يقود اتصالات مكثفة وضاغطة على الجانب الفلسطيني بغية حثه على سحب طلب العضوية من مجلس الأمن الدولي ونقله الى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الحركة الإماراتية لنقل الطلب أو لتسويفه والمماطلة ببتّه، يدعمها توجه واضح من بعض الدول الخليجية وفي مقدمتها قطر، وأيضا من الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي وإن لم يعبّر عن موقفه علانية مكتفيا بإبدائه في الجلسات المغلقة. أما الهدف الرئيسي فهو عدم إحراج الولايات المتحدة ودفعها الى استخدام حق النقض في حال توافر 9 أصوات داعمة لطلب محمود عباس، لما في ذلك من ارتدادات سلبية عليها.
 
وقالت أوساط دبلوماسية غربية قريبة من الإدارة الأميركية لـ«السفير» إن ثمة «شعوراً دولياً مذ قدّم عباس طلب العضوية الى مجلس الأمن بأن الفلسطينيين غير جديين بطلبهم». وتردّ هذه الأوساط الأمر الى «خطأ تقني» في التعامل مع أجهزة الأمم المتحدة، مشيرة الى «حق الفلسطينيين بدولة وملاحظة بأنه حتى لو بتّ مجلس الأمن طلب العضوية إيجابا وهو أمر غير ممكن، إلا أنه لن يتغير شيء في وضع الفلسطينيين على أرض الواقع». وتعطي هذه الأوساط مثلا عن القرار 1559 «الذي أوصى فيه مجلس الأمن بنزع السلاح فيما لا يزال «حزب الله» مدججا بسلاحه». بناء على هذه النظرية التي تروجها خصوصا الدوائر الأميركية في المجلس «ينبغي على الفلسطينيين التوجه أولا بطلب الدولة الى الجمعية العامة كي تبتّ به، ولما تصبح فلسطين دولة مراقبة تنتقل بعدها الى مرحلة طلب العضوية كدولة مستقلة في مجلس الأمن، وهذا هو المنطق الذي سيقوي الموقف الفلسطيني وبالتالي فإن ما يحصل حاليا هو حرق مراحل غير مجد البتّة».
ويقول دبلوماسي لبناني خبير بشؤون المنظمة الدولية لـ«السفير» إن «محمود عباس لم يخطئ البتة في توجهه أولا الى مجلس الأمن، فصحيح أن الجمعية العامة هي التي تمنح حق صفة الدولة إلا أنها تحتاج الى توصية من مجلس الأمن، وهذه التوصية ليست شكلية بل موضوعية».

وبحسب الأوساط القريبة من الدوائر الأميركية يمكن أن يبقى طلب العضوية الى الأمم المتحدة في أدراج مجلس الأمن، ويتم بموازاته تقديم طلب الدولة في الجمعية العامة، والأمر مشروع لأن الطلبين مختلفان.
ويقول الدبلوماسي نفسه إنه «ليس بالضرورة أن يقدم الفلسطينيون طلبهم أمام الجمعية، بل يمكن أن تقوم أية دولة أخرى بذلك، والأرجح في الحالة الفلسطينية أن يقدّم المشروع على أنه مبادرة عربية من أجل فلسطين إذا أعطى عباس موافقته».
هذه التفاصيل إن دلّت على شيء، انما على بدء الولايات المتحدة عبر حلفائها الأوروبيين والعرب بوضع العصي في دواليب الطلب الفلسطيني وهو ما كان متوقعا، ومن المرجح بعد الجلسة العلنية الرسمية الأولى اليوم أن تتوالى جلسات النقاش الإجرائية بطريقة غير علنية كي لا تحرج الدول المترددة حيال الطلب الفلسطيني، وهذه الجلسات تتضمن تسجيل محاضر من دون توزيعها إلا على الدول الخمس الدائمة العضوية في حال طلبها ذلك. هذا المسار الروتيني قد يطول الى أجل غير مسمى إلا إذا رضخ محمود عباس للضغوط العربية التي تطلب منه الاتجاه الى الجمعية العامة، وهذا أمر مستبعد راهنا، وخصوصا أن الوفد الفلسطيني الذي رافق عباس كان مسرورا وفخورا «بالإنجاز السياسي التاريخي الذي حققناه في نيويورك» على حد تعبير أحد أعضاء الوفد. 

السابق
سوريا: أين المشكلة؟
التالي
قرارات مهمة !!