الحياة: القمة الروحية تؤكد مرجعية الدولة والدستور وترفض الظلم والاستبداد والتدخلات الخارجية

خلصت القمة الروحية الاسلامية – المسيحية التي عقدت في دار الفتوى امس، الى تأكيد «ثوابت العيش المشترك ومرجعية الدولة وسيادتها والدستور، والتوافق على المصالح الوطنية والقومية الكبرى ضمن القواعد التي أرستها وثيقة الطائف وعلى أساس المشاركة في إدارة الشأن العام، واحترام مبدأ المناصفة»، واذ توقفت امام «الحراك العربي» طالبت «الجميع بالحرص على الإصلاح والتطوير والانفتاح ومراعاة الإرادة الشعبية والتمسك بالدولة المدنية القائمة على مفهوم المواطنة بما يبدد كل الهواجس ووجوه القلق ويعزز الثقة بالعيش الواحد، والحرص في الوقت ذاته على أمن المجتمعات والانسجام بين فئاتها، وصون المصالح الوطنية والقومية. مع تأكيد رفض كل أنواع التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية ورفض كل أنواع الظلم والعنف والاستبداد».

وتجنب البيان الختامي الصادر عن القمة التطرق الى القرارات الدولية او المحكمة الخاصة بلبنان، وأوضح مصدر شارك في القمة لـ «الحياة» ان «الموضوع لم يعد خلافياً في القمة الروحية والمحكمة تسير وفق ما هو معد لها، وخلال القمتين الاخيرتين ذكر الموضوع وورد في البيان الختامي باجماع المشاركين».

ولفت البيان الى ان «اللقاء ساده الود، وانتصرت فيه اعتبارات الصراحة والمصالح اللبنانية والعربية الكبرى».

وكانت دار الفتوى استضافت المراجع الروحيين في لبنان، وحضر القمة كل من: مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، البطريرك الماروني بشارة الراعي، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ أسد عاصي، متروبوليت بيروت للروم الأورثوذكس المطران الياس عودة، بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، وبطاركة السريان الكاثوليك والأرمن الأرثوذكس والأرمن الكاثوليك وممثلون عن طوائف الكلدان واللاتين والإنجيليين والاقباط الى جانب أعضاء لجنة الحوار الإسلامي – المسيحي.

كلمة قباني

واستهلت القمة بكلمة للمفتي قباني اكد فيها «شهادة دار الفتوى على وحدة العيش المشترك بين اللبنانيين في أصعب مرحلة من تاريخ لبنان المعاصر وأحلكها، وهي شاهدة على الانتصار الأخير للعيش المشترك بإنجاز اتفاق الطائف الذي رسخ العيش المشترك في هذا البلد الطيب لبنان، في وجه حروب الفتنة التي استمرت فيه سنوات طوالاً، وحصدت أرواح الكثيرين من أبنائه جميعاً، وهجرت عائلات بأكملها من قراها ووطنها، وعلى رغم الفتنة انتصر لبنان وانتصر معه اللبنانيون أيضاً».

وقال: «إننا في وطننا نتعاهد اليوم معاً مسلمين ومسيحيين على الأمن والأمان لبعضنا، عهد الأخ لأخيه، ولنعلم يقيناً بأن المسيحيين في لبنان هم دائماً على هذا العهد مع إخوانهم المسلمين في لبنان، وكذلك المسلمون هم على هذا العهد أيضاً مع إخوانهم المسيحيين، فلا اقتتال ولا ضرر ولا ضرار ولا إضرار بينهم، وهم بوحدتهم يحافظون على أنفسهم ووطنهم وأرزاقهم ووجودهم ومستقبلهم، ولا خوف على أحد من أحد، لا في لبنان ولا في المنطقة العربية كلها. فنحن اليوم جميعاً على هذا العهد التاريخي بيننا».

مداخلة الراعي

وعلى رغم تحول الجلسة الى مغلقة لافساح المجال امام مداخلات المراجع الروحيين والتوصل الى البيان الختامي، فان خطأ فنياً ادى الى نقل وقائع مداخلة البطريرك الراعي مباشرة على الهواء عبر اذاعة «القرآن الكريم» التابعة لدار الفتوى، وتمكنت وسائل اعلامية من رصد ابرز ما قاله، فأكد مواقفه التي أدلى بها في فرنسا والمتعلقة بسلاح «حزب الله» والموضوع السوري. وجدد، وفق ما ذكرت محطة «ام تي في»، الحديث عن أنه «لم يبرر وجود السلاح بل نقل تبرير «حزب الله» لوجود سلاحه، وهو طالب أيضاً فرنسا بنزع الذرائع التي تستهدف لبنان، وبتقوية الجيش لأنه عندها فقط نستطيع القول لـ «حزب الله» إننا لم نعد بحاجة الى سلاحك في الدولة».

وعن النظام السوري، قال الراعي: «إنّ الكنيسة لا توالي أو تعادي الأنظمة لكننا مع العدالة والديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات ولسنا مع العنف الذي ندينه، لكن الديموقراطيات في العالم العربي أدّت الى الدمار والحروب الأهلية وهناك نموذج العراق وما حصل فيه من قتل وتهجير للمسيحيين».

وأضاف الراعي في مداخلته: «نحن لا نريد أن تكون هناك حرب أهلية في سورية، التي بالتأكيد إن حصلت ستكون بين السنة والعلويين، وبطبيعة الحال وبما أن لبنان ملتصق عضوياً بسورية، وفيه سنة وعلويون ستنتقل الينا (الحرب) ما سيؤدي الى حروب يدفع ثمنها جميع اللبنانيين وتكون هناك هجرة للمسيحيين».

وتخوّف من «وصول الأصوليين للحكم في سورية حيث من الممكن أن يؤدي الى مطالبة من العلويين بدولة وربما يتمّ الإعتراف دولياً بها ما سيؤثر على المسيحيين ويؤدي الى اضطهادهم وتهجيرهم». وأوضح أن «زيارته أميركا رعوية والسياسة متروكة لرجالها».
 
البيان الختامي

واشار البيان الختامي في بدايته الى ان المجتمعين اكدوا المبادئ والثوابت التالية: أولاً: متانة العيش الوطني، والتفاعل التاريخي والحاضر في المنطقة العربية بين المسلمين والمسيحيين، استناداً لانتمائهم العربي، هوية وثقافة، ولتجربتهم العريقة والغنية، وللتحديات المشتركة والمصير الواحد، وتأكيد ان وجود المسيحيين في هذا الشرق تاريخي وأصيل وان دورهم اساسي وضروري في اوطانهم.

ثانياً: استقرار لبنان، الوطن النهائي لجميع بنيه، على ثوابت العيش المشترك ومرجعية وسيادة الدولة والدستور، والتوافق على المصالح الوطنية والقومية الكبرى ضمن القواعد التي أرستها وثيقة الوفاق الوطني اللبناني في الطائف وعلى أساس المشاركة في إدارة الشأن العام، واحترام مبدأ المناصفة.

ثالثاً: احترام كرامة الإنسان وحرياته الأساسية ومن ضمنها الحريات الفردية والدينية والسياسية وحرية التعبير، واعتبار التنوع غنى وإثراء لإنسانية الإنسان.

رابعاً: لبنان جزء من العالم العربي هوية وثقافة ومصيراً. وكان اللبنانيون رواداً في نشر ثقافة النهوض والاستنارة في هذا الشرق. وعلى مثل العيش المشترك والتنوع والحرية والمواطنة وحكم القانون حاولوا بناء نظامهم السياسي والديموقراطي، فتفاوت نجاحهم في ذلك، إنما ما وهنت عزائمهم في البقاء على الثوابت الإنسانية والوطنية.

خامساً: إن الحراك الجاري في البلدان العربية المطالب بالحرية والكرامة والعدالة والديموقراطية، يتيح فرصاً يقتضي الاستفادة منها لحماية هذا الحراك ومنعه من الانزلاق إلى ما قد يتجه به اتجاهات تنحرف به عن غاياته الأصيلة أو تكون سبباً في إثارة الهواجس والمخاوف. والمطلوب من الجميع الحرص على الإصلاح والتطوير والانفتاح ومراعاة الإرادة الشعبية والتمسك بالدولة المدنية القائمة على مفهوم المواطنة بما يبدد كل الهواجس ووجوه القلق ويعزز الثقة بالعيش الواحد، والحرص في الوقت ذاته على أمن المجتمعات والانسجام بين فئاتها، وصون المصالح الوطنية والقومية. مع تأكيد رفض كل أنواع التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية ورفض كل أنواع الظلم والعنف والاستبداد.

سادساً: إن لبنان وطن الرسالة والعيش المشترك واحترام الحريات، يبقى ويستمر بوحدة أبنائه وبإيمانهم به وبرسالته، وبتضامنهم في مواجهة محاولات إثارة الفتن وباعتماد الحوار الهادئ والمباشر والصريح أساساً لحل المسائل الخلافية بعيداً من التخاطب الاتهامي في وسائل الإعلام… ويشكل التزام اللبنانيين ببناء الدولة ومؤسساتها الدستورية الضامن لهم جميعاً.

سابعاً: إن لبنان القوي بوحدته الوطنية وبتضامن أشقائه العرب وباحترام المجتمع الدولي، يلتزم برفض توطين اللاجئين الفلسطينيين شكلاً وأساساً، ويتمسك بحقهم في العودة إلى أرضهم ووطنهم عملاً بالقرار 194. ويعتبر العمل على تحرير بقية الأراضي اللبنانية والعربية المحتلة وتحرير المقدسات الاسلامية والمسيحية مما تتعرض له من انتهاك واعتداء، واجباً وطنياً وعربياً جامعاً وبحكم قرارات الشرعية الدولية. ويهيب بالأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

وأقام المفتي قباني مأدبة غداء تكريمية في «معهد تفهم الإسلام» في دار الفتوى، على شرف رؤساء الطوائف. 

السابق
الجمهورية: قمّة دار الفتوى تتجنّب الملفّات الخلافيّة وتسريب كلمة الراعي خطف الأضواء
التالي
النهار: قمة دار الفتوى تبرز الدور المسيحي الضروري وميقاتي يجدّد التزامه القرارات الدولية والمحكمة