الحريري في صالة الانتظار..على رغم الأكلاف!

يحافظ الرئيس سعد الحريري على مقدار وافر من التحفّظ في إطلاق المواقف السياسيّة، على رغم الملفّات الداخلية الكثيرة التي تستدعي منه التفاعل المباشر. وموقفه السياسي الأخير كان متعلّقا بالطلب الذي تقدّم به الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. وهذا شأن قوميّ عربي وليس محلّيا.

في موازاة ذلك، مضَت أسابيع عدّة، ولا سؤال مطروحاً في الأوساط السياسيّة والإعلاميّة، ولا توقّعات، عن موعد عودة الرئيس الحريري الى لبنان. وكانت موجة الأسئلة الأخيرة، قبل شهر رمضان، قد انتهت بفشل التوقّعات بالعودة لرعاية الإفطارات التقليدية، وبمعلومات يقينيّة عن أن لا عودة للحريري الى لبنان في المدى المنظور لأسباب أمنية. فالرجل تبلّغ من مصادر وأجهزة أمنية وديبلوماسية عربية وأجنبية، ولاسيّما من السعودية وفرنسا، أنّه معرّض لخطر الاستهداف الأمنيّ في لبنان، ما يقتضي منه اتّخاذ التدابير الوقائيّة، حتى زوال المرحلة الضبابية التي يمكن ان يحدث فيها ما ليس في الحسبان.

للغياب تداعيات

وفي تعبير أكثر وضوحاً، لا يمكن الحريري أن يمارس عملاً سياسيّاً في لبنان قبل حسم الصراع الجاري في داخل سوريا، وانتهاء الاستنفار الشديد لحلفاء النظام السوري في لبنان للدفاع عن وجودهم، حيث للمحكمة الدولية دور أساسيّ أيضا. وفي تقدير بعض الأوساط أنّ إزاحة الحريري من رئاسة الحكومة قد تكون شبيهة بإزاحة والده من السلطة، قبل أن يتعرّض للاغتيال.

لكنّ هذا الفراغ الاضطراريّ في الموقع السُنّي القياديّ الأوّل يخلّف تداعيات.

فعلى مستوى 14 آذار، تبدو الخطة الهادفة إلى مواجهة الاستحقاقات الخطرة المقبلة في وضعيّة الترقّب. ولذلك، ربّما يرتاح خصوم 14 آذار والحريري في الإبقاء على أجواء المخاوف الأمنيّة، لدفع الرئيس السابق للحكومة الى ملازمة منفاه الطوعيّ، وإخلاء الساحة، السُنّية خصوصاً، لهؤلاء الخصوم.
 إبتعاد المفتي

وقد يكون من تداعيات غياب الحريري، ابتعاد المفتي محمد رشيد قباني، وهو أبرز القواعد التي لطالما منحت غطاءها المرجعيّ للحريري، واقترابه من الرئيس نجيب ميقاتي. ومعلوم أنّ موقع المفتي في لبنان مربوط مباشرة برئاسة مجلس الوزراء. وأيّاً تكن الأسباب في ابتعاد المفتي، سياسيّة أم "شخصيّة" تتعلق به، كما يتردّد أحيانا، فإنّ الحريري يفتقد هذه المرجعية على أبواب استحقاقات خطرة، ومنها التحضير لقانون الانتخابات المقبل.

ومن شأن موقف دار الفتوى أن يؤثّر على صياغة قانون يكون في مصلحة فريق أو آخر، ويؤسّس للمرحلة المقبلة. وزيارة المفتي للجنوب وموقفه "الهادئ" من مواقف البطريرك بشارة الراعي الأخيرة يحملان دلالات في هذا المجال.

القريبون من الحريري يوافقون على الرأي القائل بالانعكاس السلبيّ لغيابه على زعامته وشعبيّة "تيار المستقبل"، خصوصاً لجهة التحضير للانتخابات النيابية التي تقترب. لكنّهم لا يرون سبيلاً إلى تجنّب هذا الغياب. فهو مفروض، والحلفاء يتفهّمون حيثياته. وفي أيّ حال، إنّ هؤلاء الحلفاء ينتظرون أيضاً حصول تطوّرات حاسمة تنهي "الستاتيكو" القائم حاليّا.

في اختصار، إنّه انتظار جلاء الصورة في سوريا. فالحكومة اللبنانيّة تتبدّل إذا تبدّل النظام الذي جاء بها. وانتظار المحكمة وقراراتها وبدء محاكماتها. وهذا الانتظار غير مضبوط ضمن هامش زمنيّ محدّد.

وهو قد يقصر أو يطول وفقاً للظروف والمعطيات.

ولذلك، لا عودة للحريري ولا استئناف لمبادرات "تيّار المستقبل" قبل مرور وقت غير محدّد، مع أنّ المرحلة تحتاج الى الحضور الفاعل المتفاعل لكلّ طرف. وهذه هي الضريبة الاضطراريّة التي لا بدّ من أن يدفعها الغائبون قسراً، على أمل تعويضها في ما بعد. 

السابق
القرار 1559
التالي
مهرجان تضامني مع سورية والرئيس الأسد في شقراء