الاخبار: المعارضة ابتدعت تعديلات فتأجلت خطة الكهرباء مجدداً

لم يصل أي من المواضيع الحيوية إلى برّ أمان مجلسي النواب والوزراء؛ فمشروع خطة الكهرباء لا يزال أسير مواقف أدخلته أمس في متاهة اقتراحات التعديل، وفرضت تأجيله ثانية، كما أُجّل بتّ مشروع 8900 مليار ليرة إلى اليوم لإدخال تعديلات عليه. أما خطة النقل العام فبدأت بعرض لشراء باصات وتنظيم «اللوحات» مع اقتراحات شملت القطارات والترامواي
طوّقت المعارضة الجلسة الثانية للجان المشتركة بالكثير من الضجيج وبتكتيك اتّكأ عليه رئيس الجلسة النائب روبير غانم لمنع بتّ مشروع قانون خطة الكهرباء، وبالتالي فرض التأجيل مجدداً إلى جلسة ثالثة تعقد غداً الأربعاء.
التكتيك بدأ قبل الجلسة بمؤتمر صحافي تقدم فيه النائب غازي يوسف، وإلى جانبه النائب جمال الجراح، باقتراح تعديل في الأسباب الموجبة لمشروع قانون الخطة، وفي البندين الأول والسادس في المادة الأولى منه، يتلخص بأن «تلتزم الحكومة تعيين الهيئة الناظمة خلال ثلاثة أشهر، وتعيين مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان خلال شهرين من تاريخ صدور هذا القانون»، والمطالبة بحصر الموافقة على دفاتر الشروط واتخاذ قرار التلزيم بمجلس الوزراء، وبـ«عرض دفاتر الشروط على الصناديق العربية المقرضة أو من تنتدبه عنها قبل التلزيم لضمان تأييدها وتسهيل الحصول على التمويل اللازم…»، إضافة إلى المطالبة بعرض خطّي موجز يبيّن المحاور الأساسية في الخطة، وسياسة الحكومة في ما خصّ الإنتاج وطبيعته وأمكنته، ودور القطاع الخاص فيه، وسياستها في استجرار الكهرباء من الخارج، وفي ما خصّ أنواع المحروقات لإنتاج الكهرباء والنقل والتعرفة والجباية، «ومعالجة تفاقم العجز في مؤسسة كهرباء لبنان وأسلوب التمويل المقترح ومصادره».
وإذ قال يوسف «صراحة» إنه لا يثق بوزير الطاقة جبران باسيل، تمنى «أن يكون هناك تجاوب» منه، «وإذا استطاع السكوت فليسكت. نحن نقول له لن نقرّ لك الخطة بكل بساطة».
ولكن مع دخول 31 نائباً من المعارضة، بدون غانم، و30 من الأكثرية، وانطلاق الجلسة في حضور وزيري الطاقة والمال، تبيّن أن باسيل لم يكن يريد السكوت، بل هناك من عمل بكل الوسائل على منعه من الكلام، إذ ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أنه عندما بدأ باسيل بالكلام «لاقى اعتراضاً من نواب 14 آذار، وعندما حاول الرد على أي سؤال كان قد طرح في الجلسة السابقة، كان يطوّق بردود نواب المعارضة». ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ استحضر النائب سامر سعادة حادثة فاريا، فساد هرج ومرج بين الحاضرين.
وبعدما حاول غانم إعادة تصويب النقاش باتجاه الموضوع الأساسي، واصل نواب المعارضة هجومهم على ما يرونه «ثغرات» في الخطة. واعترض نواب الأكثرية على هذا الأسلوب، مطالبين غانم بضبط الجلسة للاستماع إلى ردود باسيل. ثم أثير موضوع اقتراح يوسف الذي أعلن المكتب الإعلامي للرئيس فؤاد السنيورة أنه اقتراح باسم نواب كتلة المستقبل، وطرح التصويت عليه، فأثار الأمر جدلاً حاول رئيس الجلسة حسمه باقتراح أن يجري التصويت على… التصويت على التعديلات، وباشر الأمر فعلاً منادياً على النائب إبراهيم كنعان، وفقاً للترتيب الأبجدي، فما كان من كنعان إلا أن قال له: «لا يحق لك ذلك، ولا يجوز التصويت على حق منحك إياه القانون. فالتصويت على التصويت غير جائز قانوناً». وبناءً على ذلك، تبنّى قسم كبير من النواب الحاضرين رأي كنعان، فسقط اقتراح غانم الذي ما لبث أن أعلن تأجيل الجلسة إلى يوم غد.
بعد الجلسة أقرّ غانم بأن النقاش كان في شقّ منه قانونياً تقنياً، وفي آخر سياسياً، «كما هو البلد منقسم، ضمن اللجان كان يوجد هذا الانقسام». لكنه عزا التأجيل إلى أن «أحد الزملاء» تقدم «بعد مناقشات طويلة باقتراح تعديل المشروع الوارد من الحكومة»، في إشارة إلى اقتراح يوسف، وأن هذا التعديل «لم يرد خطّياً ليوزّع على كل الزملاء حتى يتسنّى لهم الاطلاع عليه للموافقة أو لا»، ولذلك أُجّلت الجلسة إلى الأربعاء، «على أن أطرح هذا الاقتراح على التصويت».
اقتراح التعديل كان موضع هجوم من النائبين إبراهيم كنعان وعلي عمار، فرأى الأول أن الموضوع «خرج عن إطاره التشريعي والتقني، ليصبح مادة للجدال السياسي الذي قد يخفي نية في تأجيل المشروع». وقال إن الاقتراح «غير مقبول، لأنه يفصل بين السلطات»، مردفاً «نحن كنواب لا يحق لنا بتّ هذه الأمور، فهم لا يريدون الكهرباء في لبنان والأمر يعود إلى رئيس المجلس لبتّ الموضوع». كذلك اتهم عمار المعارضة بمحاولة تعطيل المشروع، وباستباحة «المبادئ الدستورية، خصوصاً في ما يتعلق بمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتعاون هاتين السلطتين بعضهما مع بعض». وأعلن أن فريقه لن يسمح على الإطلاق بإمرار أي اقتراحات «هدفها إطاحة صلاحيات الوزير الذي يعتبر هو رأس وزارته، وأيضاً إطاحة المبادئ الدستورية». وعن التعديلات التي طالبوا بها، قال: «هم لم يمارسوا يوماً هذا الذي يطرحونه اليوم الذي هو من قبيل التعجيز، والقول إنه ممنوع على اللبنانيين أن يحققوا إنجازاً غيّبته حكوماتهم عنهم تاريخياً». وأكد تأييد المشروع، «ونحن سنكون بالمرصاد لكل من يريد تعطيل هذه الحاجة الأساسية».
أما نواب المعارضة، فكما استبق اثنان منهم الجلسة بمؤتمر صحافي، أتبعها آخرون بمواقف تنوّعت فيها المقاربات، لكنها جميعها اتخذت طابع الدفاع الاستباقي لتبرئة الذمة أمام اللبنانيين من تهمة تأخير الكهرباء عنهم، عبر مفعول رجعي بالحديث عمّا «فعلته» الحكومات السابقة في هذا المجال، «نحن أولاً طبعاً من أوائل المبادرين إلى إيجاد قدرات إضافية لإنتاج الكهرباء في لبنان»، ثم عبر الظهور بمظهر الحرص على المال العام «والتأكد من سلامة إنفاقه». وأسف أحدهم لتأجيل الجلسة، «فنحن نصرّ على هذه التعديلات». وهاجم آخر وزير الطاقة واتهمه بالاستهتار بالمجلس النيابي والحكومة، داعياً رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة إلى «وضع حدّ للوزير وضبطه ضمن القوانين والدستور، حتى لا يهدر المال العام بطريقة أو بأخرى».
وردّ كنعان، داعياً من لا يثق بالوزير إلى طرح الثقة به، معتبراً أن ما حصل أمس «هو رمي اقتراحات غير تقنية وغير علمية، إنما فقط لاستهداف وزير يقول إنه يخضع لكل أنواع الرقابة»، ولـ«إدخالنا في متاهات لتضييع مسألة مهمة وحيوية وضرورية وهي الكهرباء التي ينتظرها الجميع». وقال إن مصدر التمويل لا يهم «سواء من الصناديق المانحة أو من الدولة»، المهم «أن تؤمن الكهرباء، بعيداً عن السجالات السياسية والمستويات المتدنية في الخطاب. وفي النهاية هذا المشروع يعود قراره إلى الهيئة العامة». 
في هذا الوقت، وخلافاً لما تردّد سابقاً، علم أن الرئيس نبيه بري لم يحدد موعداً للجلسة العامة، وهو بانتظار ما سينتج من اجتماعات اللجان المشتركة ولجنة المال والموازنة. ولفتت مصادره إلى أنه يعطي عمل اللجان مداه، لكي «تسير اللعبة الديموقراطية وفقاً للأصول. ففريق الأكثرية أخذ شهراً كاملاً للاتفاق على مشروع الكهرباء، وبالتالي، يصحّ منح القوى النيابية مجتمعة بضعة أيام لطرح صيغ قد توصل إلى الإجماع».
وأكدت المصادر أن بري سيتدخل عندما تستنفد كل سبل الحل، وعندما يلاحظ وجود محاولات للمماطلة المقصودة. كذلك توقع مقرّبون منه أنه إذا أنجزت لجنة المال والموازنة مشروع الـ8900 مليار، فإنه سيحدد موعداً لجلسة تشريعية، يمكن خلالها «سحب» مشروع خطة الكهرباء إلى الهيئة العامة، وخاصة أن اقتراح القانون الذي تقدم به النائب ميشال عون بشأن خطة الكهرباء لا يزال مطروحاً على الهيئة العامة.
وكانت لجنة المال والموازنة قد عقدت أمس جلسة درست فيها مشروع الإجازة للحكومة إنفاق مبلغ 8900 مليار ليرة، وقدم رئيس اللجنة إبراهيم كنعان اقتراحاً لإدخال تعديلات على المشروع بهدف ضمان الآتي: أن تكون صلاحية نقل الاعتمادات بيد مجلس الوزراء، بحسب ما ينص عليه القانون، لا بيد وزير المال. أن يكون المشروع الحالي مقتصراً على الفترة الفاصلة عن نهاية العام الجاري. أن يُقدّم قطع حساب عمّا تنفقه الحكومة في العام الحالي. أن توضع النفقات التي ستنفقها الحكومة ضمن باب احتياطي الموازنة. وأعلن تحديد جلسة أخرى اليوم، «أتمنى أن تكون الأخيرة في هذا الموضوع».
اليوم النيابي الطويل، كهربائياً ومالياً، لاقته الحكومة مساءً بجلسة عادية كان ضيفها الأبرز المخطط التوجيهي للنقل العام، حيث عرض الوزير غازي العريضي خطته التي تضمنت شراء 165 باصاً، وقمع المخالفات في قطاع السيارات العمومية. وخلال مناقشة الخطة، طرح وجود خط قطارات أو ترامواي وأفكاراً أخرى للخروج من أزمة السير والنقل. ثم حصل نقاش في شأن ما سيعلنه المجلس عن الأمر. وبعد رفض صيغة «أطلع مجلس الوزراء على خطة النقل ووافق عليها مبدئياً»، خرج وزير الإعلام وليد الداعوق ليعلن أن وزير الأشغال والنقل سيعرض الخطط التنفيذية اللازمة، وقال للصحافيين إن «الأمور التفصيلية ستعرض في جلسة مجلس الوزراء لاحقاً ولا خلاف حولها»، مضيفاً «إنها خطة شاملة ستبتّ تفاصيلها في مجلس الوزراء تباعاً».
وخلال الجلسة أيضاً، لفت الوزير علي حسن خليل إلى ضرورة إنجاز الموازنة قبل نهاية 3 تشرين الأول، فأجاب وزير المال بأنه سيعود من واشنطن في 26 أيلول، وهو مستعد عندها لجلسات مكثّفة لإقرار الموازنة. لكنّ رئيس الحكومة أشار إلى أنه سيخلف رئيس الجمهورية في ترؤّس جلسات مجلس الأمن اعتباراً من الأسبوع المقبل، وسيعود في 30 أيلول، ما يعني عدم حصول أي جلسات بشأن الموازنة قبل الشهر المقبل، إذ إن وزير المال سيسافر غداً!؟ 

السابق
لماذا غادر سليمان وسطيته
التالي
يوسف: نشك بباسيل بسبب صفقاته المشبوهة